كيف يغير العصر الرقمي عقولنا؟

كيف يغير العصر الرقمي عقولنا؟

أصبحت أجهزة الهاتف المحمول، والحاسب، والآي بود، ملمحاً رئيسياً من ملامح الحياة اليومية للملايين في المنازل والمكاتب والمدارس في جميع أرجاء العالم، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال في عام 2009 أمضى الكبار المتصلون بشبكة الإنترنت ضعف عدد الساعات التي كانوا يقضونها في عام 2005 وفي أوروبا ازداد وقت الاتصال بالإنترنت لدى البالغين بمقدار الثلث تقريباً خلال الفترة نفسها. إننا نتواصل بشكل متزايد من خلال الرسائل النصية والبريد الإلكتروني أكثر بكثير من التواصل المباشر وجهاً لوجه، فلدينا مئات الأصدقاء على الإنترنت ومع ذلك قد لا نعرف الجيران الذين يسكنون بجوارنا، فضلاً عن أن أول مكان نبحث فيه عن المعلومات هو محرك البحث جوجل.
ويترتب على هذا الانتشار التكنولوجي الواسع والطوفان الإلكتروني الغامر حدوث تحولات جوهرية في المواقف والسلوك، وهذا ما يرمي إلى استكشافه كتاب ريتشارد واطسون «عقول المستقبل كيف يغير العصر الرقمي عقولنا؟» (ترجمة عبد الحميد محمد دابوه) إنه يناقش كيف تغير الحقبة الرقمية عقولنا، ويرصد ما يحدث الآن، ويتناول ما قد يأتي في المستقبل.
لكن هل يمكن لشيء يبدو بريئاً مثل الهاتف الجوال أو محرك بحث جوجل أن يغير بالفعل الطريقة التي يتصرف بها الناس والطريقة التي يفكرون بها؟ هذا سؤال يشغل عقول عدد من العلماء البارزين خاصة أولئك الذين يدرسون سيكولوجية العقل، لأن هذا السؤال يتضمن فكرة مفادها بأن العصر الرقمي قد يغير عقولنا.
يشير الكتاب إلى أن أحد رواد علم الأعصاب من خلال تجاربه اكتشف أن مخ الإنسان طيع، يستجيب لأي مثير أو خبرة جديدة، ولهذا يحاط تفكيرنا بإطار من الأدوات التي نختار منها ما نستخدمه، وكانت هذه هي الحال دائماً إلا أن الأمر قد احتاج إلى آلاف السنين لنفكر في العواقب، ويمكن القول إن ذلك قد تغير الآن.
وذهب هذا العالم إلى أن الإنترنت لديها القوة التي تؤدي إلى تغير أساسي في عقولنا، على النحو الذي يؤدي إلى إعادة تشكيل المخ، على نطاق واسع، إننا بالفعل نتواصل من خلال شبكات التواصل الرقمية، الأمر الذي أدى إلى تطور ثقافة الاستجابة السريعة، إننا الآن في حالة تأهب على نحو مستمر إلى حد أننا لم نترك لأنفسنا وقتاً كافياً لأن نفكر بشكل صحيح فيما نفعله.
*سلبيات
تعمل الحقبة الرقمية على تقليص قدرتنا على التركيز أيضاً، وتؤثر سلباً في أسلوب تفكيرنا فنعاني بالتالي عند اتخاذ قراراتنا فالأجهزة الرقمية تحولنا إلى مجتمع من الأذهان المشتتة، فإذا كان من الممكن استدعاء معلومة بالنقر على «الماوس» فلماذا إذن نحفل بتعلم شيء جديد؟ إننا في سبيلنا لأن نصبح مهووسين بغوغل، تسير بنا الأيام من دون التفكير بعمق فيما نفعله فعلاً، أو إلى أين نحن ذاهبون حقاً.
يوضح الكتاب أن القراءة من شاشة الحاسب سريعة، وتناسب من يتطلعون للحصول على الحقائق، وفي مقابل ذلك القراءة من الورق تبعث على التأمل والتفكير وهي تلائم على نحو أفضل محاولة فهم القضية أو المفهوم بشكل شامل.
ولما كانت الكتب الرقمية في سبيلها لأن تصبح متاحة على نحو فوري وبكلفة زهيدة فهناك مخاطر النظر إليها على أنها سلعة أخرى يمكن التخلص منها، أو شيء يمكن استهلاكه بسرعة، ثم التخلص منه، إننا نفقد شيئاً ذا أهمية كبيرة لأن الكتب المطبوعة المصنوعة من الورق، تشغل حواسنا، وتشركها بطرق لا تفعلها المنتجات الإلكترونية، إن قراءة كتاب من الورق تستثير تجربة لمس عالية القيمة تولد إحساساً بالتقدم والتتابع، والكتب المطبوعة تعطي قيمة مادية ومجازية لتجربة القراءة.

المصدر : صحيفة الخليج

وسوم: