إجابات عمر المسمار، مدير عام مجمع دبي للاستثمار، في حوار مع صحيفة الخليج.
سؤال 1: هل يمكنك مشاركتنا رؤيتك لمجمع دبي للاستثمار، ومساره التطوّري منذ تولّيك منصب المدير العام عام 2006؟
عندما تولّيت مهامي عام 2006، كان مجمع دبي للاستثمار في طور التحوّل من مشروع واعد إلى منصة اقتصادية متكاملة، مدعوماً بإقبال استثماري فاعل ورؤية تنموية تستهدف بناء منطقة صناعية ذات بنية تحتية متقدمة وقابلية للنمو المستدام. وارتكزت رؤية مجمع دبي للاستثمار آنذاك نحو تأسيس منظومة عمرانية متكاملة وعصرية ومتطورة تجمع بين النمو الاقتصادي والتنمية المجتمعية.
تطور مجمع دبي للاستثمار خلال السنوات اللاحقة، ليصبح أحد أنجح المشاريع متعددة الاستخدامات في المنطقة، إذ يمتاز بالتكامل الوظيفي الذي يجمع بين الصناعة والتجارة، ضمن بنية تحتية تدعم الحياة السكنية والخدمات التعليمية والصحية والترفيهية. يضم المجمع اليوم أكثر من 5,000 جهة مستأجرة، ويحتضن مجتمعاً متكاملاً يزيد عدد سكانه عن 160,000 نسمة، إضافة إلى عدد كبير من المهنيين ومزودي الخدمات ضمن بيئة عمرانية مكتفية ذاتياً.
وتأتي هذه التحوّلات نتيجة التزام طويل الأمد بالتخطيط المستدام والتعاون البنّاء مع الجهات المعنية. ونعمل اليوم على نقل هذه الرؤية إلى أنغولا، مكرسين نموذجاً تنموياً فريداً يعيد تعريف معنى التكامل العمراني في الأسواق الناشئة.
سؤال 2: كيف أثّرت خبرتك السابقة كمدير للعمليات، وتجربتك العملية بما فيها خبرتك في سنغافورة، في نهجك القيادي؟
تشكّلت رؤيتي القيادية من خلال خلفيتي في مجال الهندسة والعمليات وتجاربي الميدانية التي منحتني خبرة عميقة في مجال تنفيذ المشاريع الكبرى. وتستمر هذه التجارب في إلهامي لاتخاذ قراراتي اليومية بناء على الرؤية الاستراتيجية التي اكتسبتها خلال السنوات الماضية.
شكّلت تجربتي في سنغافورة مع الخليج الاستثمارية نقطة تحوّل محورية في فهمي لمفهوم التنمية العمرانية. إذ منحتني القدرة على فهم الدور الحيوي للتكامل بين التخطيط الدقيق والكفاءة التشغيلية في تأسيس بيئة اقتصادية مستدامة. وتعزز لدي بفضل هذا النموذج قناعات راسخة بأهمية الرؤية بعيدة المدى والمرونة في قيادة المشاريع المعقّدة. كما أدركت أن المرونة وروح التعاون عوامل أساسية لقيادة المشاريع الشاملة ومتعددة القطاعات مثل مجمع دبي للاستثمار.
يرتكز نهجي القيادي على فهم عملي عميق مدعوم برؤية استراتيجية طويلة الأمد، هدفه بناء بيئات عمرانية واقتصادية متوازنة، قابلة للتكيّف، تتفاعل مع التحديات المستقبلية بمرونة ووضوح.
سؤال 3: ما العوامل الاستراتيجية التي أدت إلى اتخاذ القرار بتوسيع فكرة مجمع دبي للاستثمار نحو أنغولا؟
يعد قرار التوسّع نحو أنغولا نتاج رؤية مدروسة من قبل مجلس إدارة شركة دبي للاستثمار، وتوقيت استراتيجي وفرصة تنموية واضحة. وتشهد أنغولا اليوم تحولاً اقتصادياً استثنائياً، بفضل ثرواتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي الواعد، بالإضافة إلى التوجه الديناميكي لتنويع مصادر الدخل. وقد ساهم الانفتاح المتزايد على الاستثمارات الأجنبية، والمصحوب بطموح واضح وإرادة تنظيمية فاعلة، في تعزيز مكانة أنغولا كبيئة مثالية لبناء شراكات طويلة الأمد، تتماشى مع نموذج مجمع دبي للاستثمار وتعيد إنتاجه بما يتناسب مع السياق المحلي.
وتؤمن دبي للاستثمار بأن أنغولا تشكل سوقاً واعداً يتهيّأ لمرحلة تحوّل اقتصادي حقيقي، مدفوعة برؤية حكومية واضحة وانفتاح متزايد على الشراكات طويلة الأمد. وشكّل النجاح الذي حقّقه مجمع دبي للاستثمار في دولة الإمارات نموذجاً متكاملاً أثبت فعاليته كمشروع تنموي متفاعل يجمع بين المكوّنات الصناعية والتجارية والسكنية ضمن بيئة مكتفية ذاتياً. ووفرت أنغولا الظروف الملائمة لتكرار هذا النموذج، رغم ما تحمله من خصوصيات محلية وسياق اقتصادي مختلف، ما أتاح لنا تطوير نموذج تنموي يستند إلى خبرة مجمّع دبي للاستثمار، بما يتماشى مع الواقع الأنغولي.
يقع مجمّع دبي للاستثمار في أنغولا ضمن بلدية داندي، على بُعد 50 كيلومتراً من العاصمة لواندا، بالقرب من المواقع اللوجستية الحيوية، بما في ذلك الميناء البحري، والمنطقة الحرة، والميناء التصديري الجاري تطويره حالياً. وتعد هذه البنية التحتية محورية لتشكيل نقطة جذب استراتيجية للمستثمرين الساعين إلى التوسع في الأسواق الأفريقية الناشئة.
ويعد هذا التوسّع خطوة استثمارية رائدة، وتحوّلاً استراتيجياً مدروساً نحو منطقة تتّسم بإمكانات اقتصادية واعدة. ولا تقتصر أهمية المشروع على تطوير مرافق حيوية، بل في تأسيس منصة استثمارية تربط أنغولا بالعالم، وتمنح المستثمرين منفذاً مباشراً نحو أحد أكثر الأسواق الأفريقية نمواً.
السؤال 4: كيف يُشكّل مجمّع دبي للاستثمار في أنغولا بوابة عبور للمستثمرين الإقليميين والدوليين الراغبين في دخول الأسواق الأفريقية؟
لا يعد مجمع دبي للاستثمار- أنغولا مجرد مشروع عمراني، بل محطة استراتيجية للانطلاق نحو واحدة من أكثر المناطق نمواً في أنغولا. ويمنحه موقعه في بلدية داندي، على بُعد خطوات من الميناء البحري والمنطقة الحرة والميناء التصديري الجاري تطويره حالياً، مستوى متقدّم من الترابط اللوجستي. ويساهم هذا الترابط في خدمة السوق الأنغولي على النحو الأمثل، وفتح آفاق جديدة أمام الشركات الإقليمية والدولية لتعزيز حضورها في الأسواق الأفريقية الواعدة
ولا تقتصر أهمية المجمع على موقعه الاستراتيجي فحسب، بل في ما تم إنجازه على صعيد بناء منظومة متكاملة تجمع بين المرافق الصناعية والتجارية والسكنية ومرافق الضيافة في بيئة واحدة. يوفّر المشروع بيئة متكاملة تُمكّن المستثمر من التأسيس والتوسّع وإدارة عملياته بثقة واستدامة.
نحن نتعاون بشكل وثيق مع الجهات المحلية لتوفير بيئة تشريعية مرنة، تشمل تسهيلات لتسجيل الأعمال وحوافز ضريبية وخيارات مدروسة لتخصيص الأراضي لتعزيز الحضور الفعّال والمتكامل داخل السوق. ويمثّل مجمع دبي للاستثمار أنغولا بوابة عملية للمستثمرين الإقليميين والدوليين، تتيح لهم تأسيس حضور طويل الأمد، وتعزيز تجارتهم في أفريقيا، والمساهمة في تنمية اقتصادية فاعلة.
السؤال 5: كيف يُساهم مجمع دبي للاستثمار في تطوير القطاع الصناعي وتوفير فرص العمل ونقل المعرفة داخل أنغولا؟
يستند مجمّع دبي للاستثمار–أنغولا إلى النموذج الناجح الذي رسّخه مجمّع دبي للاستثمار في دولة الإمارات، وقد بدأ بالفعل في إحداث أثر ملموس على أرض الواقع داخل أنغولا. ومن منظور التنمية الصناعية، يُعد أول منطقة اقتصادية متكاملة في البلاد، إذ يوفّر بنية تحتية مناسبة للأنشطة التصنيعية واللوجستية والتجارية. وقد لمسنا اهتماماً متزايداً من شركات إقليمية ودولية بالإنضمام إلى المجمع، ما يساهم في تنويع القاعدة الصناعية في أنغولا وتعزيز قدرتها الإنتاجية.
في ما يتعلّق بتوفير فرص العمل، من المتوقع أن تساهم المرحلة الأولى من تطوير المجمع في توفير أكثر من 1,500 وظيفة، ونتطلع مع توسّع المجمع، إلى توفير فرص توظيف طويلة الأمد لأكثر من 140,000 شخص. لكن الأمر لا يقتصر على الوظائف فحسب، بل يتعلّق ببناء مجتمعات متكاملة. فالمشروع يضم مناطق سكنية ومدارس ومرافق ترفيهية تهدف إلى توفير خيارات العمل والسكن، ضمن بيئة متوازنة ومستدامة.
وعلى صعيد نقل المعرفة، يُشكّل مجمع دبي للاستثمار-أنغولا عامل تحفيز حقيقي. إذ نعمل عبر استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتطبيق نماذج ناجحة مستوحاة من تجربة دولة الإمارات، إلى توفير الخبرات العالمية، والتكنولوجيا المتقدّمة، بالإضافة إلى أفضل الممارسات التشغيلية في السوق الأنغولي. ومن المؤكد أن يساهم هذا التفاعل في تطوير الصناعات المحلية، وتمكين الكفاءات الأنغولية بمهارات جديدة وقدرات نوعية.
السؤال 6: ما هي القطاعات الرئيسية والشراكات الاستراتيجية التي تُحفّز اهتمام المستثمرين في مجمع دبي للاستثمار-أنغولا؟
ينبع اهتمام المستثمرين بمجمع دبي للاستثمار من تركيزه الاستراتيجي على قطاعات واعدة، وبناء على الشراكات النوعية عالية التأثير، والتي تتماشى مع أولويات التنمية الوطنية في أنغولا.
وتمكن مجمع دبي للاستثمار منذ تأسيسه من تعزيز مكانته كمركز متعدد القطاعات، إذ شهدنا زخماً متسارعاً في مجالات التصنيع والخدمات اللوجستية والإنشاءات والتطوير السكني. وقد أعلنت شركات مثل “ترايس كيميكيلز” و”مار مارين” و”ريبورتاج جروب” وغيرها، عن اتخاذ خطوات فعلية للانضمام إلى المجمع، ما يؤكّد أهميته كمحطة انطلاق استراتيجية للعمليات الاقتصادية والتجارية على مستوى أفريقيا.
ويعتبر قطاع تصنيع الأدوية من أبرز القطاعات التي تحظى باهتمام متزايد. إذ وقّعت شركة غلوبال فارما، التابعة لشركة دبي للاستثمار، مذكرة تفاهم استراتيجية مع وزارة الصحة الأنغولية لإنشاء مصنع ضمن مجمّع دبي للاستثمار-أنغولا، وتُعد هذه الشراكة بمثابة نقطة تحوّل حقيقية، عبر المساهمة في تعزيز الإنتاج المحلي للأدوية الأساسية، وتحسين البنية التحتية للقطاع الصحي في أنغولا، ودعم قدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي.
كما نشهد اهتماماً متزايداً من قبل الشركات العاملة في قطاع المواد الصناعية، إذ تدرس بعض الشركات التابعة لدبي للاستثمار مثل الإمارات لأنظمة المباني الحديدية والإمارات للزجاج، الفرص المناسبة لإطلاق أعمالها ضمن مجمّع دبي للاستثمار-أنغولا، ما يعكس تنوّع القطاعات التي يستقطبها المشروع.
على صعيد الشراكات، يواصل مجمع دبي للاستثمار- أنغولا بناء روابط استراتيجية مع مؤسسات حكومية أنغولية، وهيئات تجارية أفريقية، ومستثمرين دوليين، بما في ذلك شركاء من المملكة العربية السعودية. وقد شكّلت بعثة الأعمال الأخيرة بين أنغولا والسعودية نقطة انطلاق لتعاون واعد في مجالات الزراعة والصناعات البتروكيماوية والخدمات اللوجستية، بما ينسجم مع رؤية السعودية 2030 والرؤية الصناعية المستقبلية في أنغولا.
السؤال 7: هل يمكنكم تسليط الضوء على خطط التوسّع المستقبلية والمشاريع القادمة ضمن مجمّع دبي للاستثمار-أنغولا؟
نستند في توسّعنا خلال المرحلة المقبلة على اهتمام المستثمرين والإنجازات التي حققناها خلال المرحلة الأولى، ما يُمهّد لانطلاقة نوعية في تطوير مجمع دبي للاستثمار كمجتمع اقتصادي متكامل. وستشكّل المرحلة الثانية خطوة محورية نحو تحويل مجمع دبي للاستثمار إلى منظومة متكاملة ومستدامة ذاتياً. وإلى جانب التجمعات الصناعية، ستتضمّن هذه المرحلة مراكز لوجستية، ومناطق تجارية، ومجتمعات سكنية، ما يفتح المجال أمام تكامل حقيقي بين النشاط الاقتصادي والحياة اليومية.
ويركّز المشروع على استقطاب قطاعات صناعية متنوعة، للمساهمة في تعزيز المشهد الاقتصادي في أنغولا وفتح آفاق جديدة للأعمال عبر مجالات متعددة. وتشمل رؤية التطوير مرافق مجتمعية ومعيشية بمعايير عالمية، من بينها ملاعب غولف، وفنادق، ومشاريع سكنية، وخدمات أساسية، لضمان توفير بيئة متكاملة تدعم الاستثمار، وتساهم في توليد فرص العمل، وضمان النمو المستدام على المدى الطويل.
السؤال 8: كيف ترون أثر تنويع القطاعات بما يشمل الخدمات اللوجستية، والصناعات الخفيفة، والطاقة المتجددة في تشكيل مسار نمو مجمّع دبي للاستثمار-أنغولا؟
نعتقد بأن المرحلة المقبلة ستشهد مساهمة محورية من قبل قطاعات الخدمات اللوجستية، والصناعات الخفيفة، والطاقة المتجددة في تطوير مسار مجمع دبي للاستثمار- أنغولا. وتوفر هذه القطاعات قابلية توسّع واستدامة تتماشى مع تطلّعات المستثمرين والأولويات الوطنية. وتستفيد الخدمات اللوجستية من الموقع الاستراتيجي للمجمّع قرب الممرّات الحيوية للنقل، فيما تُعد الصناعات الخفيفة مثالية للاستفادة من الكفاءات المحلية والموارد المتاحة. أما الطاقة المتجددة، فهي خيار طبيعي في ظل وفرة الطاقة الشمسية والمائية في أنغولا، ونحرص على استكشافها بشكل أوسع ضمن التزامنا بالتنمية المستدامة.
ونتعاون عن كثب مع شركائنا والجهات المعنية لضمان نمو هذه القطاعات بطريقة تدعم الجهود الرامية لتوفير فرص العمل، وتحفّيز الابتكار، وتساهم في بناء قاعدة اقتصادية مستدامة تخدم مصالح المنطقة على المدى البعيد.
السؤال 9: ما أبرز التحديات التي تواجهونها في تأسيس مجمّع دبي للاستثمار في سوق ناشئة مثل أنغولا، وكيف تتعاملون معها؟
يمثّل إطلاق مجمّع دبي للاستثمار في أنغولا خطوة استراتيجية تحمل في طيّاتها فرصاً واعدة وتحديات مدروسة. إذ تتميز أنغولا بإمكانات هائلة، لكنها كسائر الأسواق الجديدة، تطرح تحدياتها الخاصة. ومن أولى العقبات التي واجهناها، التعامل مع منظومة تنظيمية وتشغيلية تختلف عن تلك التي اعتدناها. ما دفعنا للتعاون عن كثب مع الجهات الحكومية لضمان مواءمة المشروع مع أهداف التنمية الوطنية، وتسهيل إجراءات الموافقات وتخطيط البنية التحتية.
كما واجهنا التحديات ذات الصلة ببناء الثقة وإيصال المفهوم الحقيقي لمجمع دبي للاستثمار- أنغولا، والذي يعتبر مفهوماً جديداً في المنطقة، منطقة اقتصادية متكاملة تجمع بين المكوّنات الصناعية والتجارية والسكنية والترفيهية في إطار واحد. ومن هنا، يتمثل الجزء الأساسي من رحلتنا في التواصل مع أصحاب المصلحة المحليين، وإبراز القيمة طويلة الأمد للمشروع، والتأكيد على التزامنا بالجودة والاستدامة.
وقد تمكنا حتى اليوم من استقطاب عدد كبير من المستثمرين المهتمين بتأسيس أعمالهم داخل مشروعنا. ووقعنا حتى اليوم عقود تأجير وبيع أراضي لأكثر من 12 مستثمراً في قطاعات متنوعة تشمل الصناعة والخدمات اللوجستية والعقار . ويتم حالياً وضع اللمسات الأخيرة على عدد من العقود التأجيرية في قطاعات جديدة.
المصدر : صحيفة الخليج
