تحقيق: سارة البلوشي
تقف الأسر العاملة في كل موسم امتحانات أمام معادلة دقيقة تجمع بين ضغوط العمل ومسؤولية دعم الأبناء أكاديمياً ونفسياً.
ورغم الإيقاع السريع للحياة اليومية، يحرص الآباء والأمهات على خلق مساحة هادئة وآمنة يزودون فيها أبناءهم بالتشجيع والطمأنينة وهي مرحلة تختبر قدرة الأسرة على التنظيم والتعاون ويبرز فيها دور الأسرة ركيزةً أساسيةً في توفير البيئة الداعمة، رغم ازدحام الجداول وتزايد الالتزامات. والنجاح ليس مسؤولية الطالب وحده بل ثمرة شراكة حقيقية بين الأسرة والمدرسة والعمل.
ترى د. نادية راشد المزروعي، أكاديمية في جامعة الشارقة، أن أهم ما يمكن أن يقدّمه الأهل خلال الامتحانات هو تنظيم الوقت ووضع توقعات واقعية. وتحرص على ترتيب يومها بحيث تخصص وقتاً ثابتاً لمتابعة أبنائها، حتى لو كان قصيراً، مع ترك مساحة لهم لتحمّل جزء من المسؤولية. كما تهتم بتوفير جو هادئ في البيت وتشجيعهم بلا ضغط. وتشير إلى أنها تتمنّى من المدارس والجامعات تقديم جداول واضحة للامتحانات قبل وقت كافٍ، وتقليل المهام الجانبية خلال هذه المرحلة، مؤكدة أن وجود تواصل سريع وفعّال مع المعلّمين يساعدها كثيراً على متابعة أبنائها من دون ارتباك أو ضياع وقت.
العمل المرن
وتوضح أن العمل المرن يخفف العبء عليها كثيراً، إذ يمنحها خيارات مثل تعديل ساعات العمل أو العمل عن بُعد مساحة ذهنية وجسدية لمساندة أبنائها من دون إرهاق أو نقل التوتر إليهم. وتضيف أن روتين الأسرة يتغير تماماً في هذه المرحلة، فمواعيد النوم تُعدّل، والخروج والزيارات تقل، ويزداد التركيز على تنظيم المذاكرة، وحتى الوجبات تصبح أخفّ وأسرع، في نمط مؤقت لكنه أكثر تنظيماً من الأيام العادية.
وتؤكد الدكتورة نادية أنها تحرص على حماية أبنائها من التوتر رغم ضغوط العمل، بالفصل بين إرهاقها المهني ومشاعرهم تجاه الدراسة. وتحافظ على نبرة هادئة مهما كان اليوم مرهقاً، وتقدّم لحظات دعم بسيطة كاستراحة قصيرة أو كأس شاي أو كلمة تشجيع، وهي تفاصيل تصنع فرقاً كبيراً. وتشير إلى أن الضغط الزائد بدافع العمل قد يفقد الطالب ثقته بنفسه ويجعله يخاف الفشل أكثر مما يرغب في النجاح، لذلك تحرص على عدم تحميلهم ما يفوق طاقتهم، إيماناً منها بأن أفضل النتائج تأتي حين يشعر الطالب بالدعم لا بالخوف.
التواصل الإيجابي
قالت شيخة صالح المخيني، معلمة علوم بمدرسة الرماقية حلقة 2، إن من أهم النصائح التي يمكن أن يقدمها الأهل العاملون خلال فترة الامتحانات هي تهيئة بيئة منزلية هادئة ذات دعم متوازن وذلك عبر تخصيص مكان مناسب جيد الإضاءة وبعيد من الضوضاء ليساعد الطفل على التركيز. وتشير إلى أهمية تنظيم جدول يومي للمذاكرة، بحيث يشارك الأبناء في إعداد خطة واضحة تتضمن أوقات راحة منتظمة. وتؤكد أن للتواصل الإيجابي دوراً كبيراً، عبر الحديث مع الأبناء عن مشاعرهم تجاه الامتحانات وتشجيعهم على التعبير عن قلقهم بدلاً من كتمه، وتزويدهم بالدعم النفسي والمعنوي وتذكيرهم أن الامتحانات ليست نهاية المطاف وأن الجهد أهم من النتيجة. كما تشدد على ضرورة الاهتمام بتوازن غذائي ونوم كافٍ لتعزيز التركيز والطاقة.
الأنشطة المهدئة
وفي ما يتعلق بحماية الطفل من التوتر، عندما يكون الأهل مرهقين، توضح شيخة، أهمية إخفاء القلق أمام الأبناء، لأن الأطفال يلتقطون مشاعر أهاليهم بسرعة، لذلك من الأفضل ضبط الانفعالات. وتضيف أن إظهار الدعم لو كان سهلاً وقصيراً يترك أثراً كبيرا ًفي نفس الطفل، إذ يمكن تخصيص دقائق يومية للحديث أو التشجيع. كما تشجع على الأنشطة المهدئة مثل الرياضة الخفيفة أو تمارين التنفس، مع إمكانية الاستعانة بالأقارب أو الأصدقاء عندما يكون ضغط العمل شديداً، لضمان وجود دعم إضافي يساند الطفل.
تقسيم الأدوار
وتلفت إلى أن تقسيم الأدوار بين الوالدين أسلوب فعال جداً فعندما يتشارك الأهل المسؤوليات كأن يتابع أحدهما المذاكرة بينما يهتم الآخر بالراحة والأنشطة يقل الضغط على كل طرف ويشعر الطفل باستقرار أكبر نتيجة شعوره بوجود شبكة دعم متكاملة. كما يساعد هذا الأسلوب على إدارة أفضل للوقت، خاصة عندما يكون الوالدان يعملان.
دور المدارس
توضح المعلمة أم مهرة، أن أكبر تحدٍّ تواجهه في موسم الامتحانات هو تحقيق التوازن بين ساعات عملها الطويلة معلمة، والمتابعة النفسية والأكاديمية لأبنائها. وتحرص رغم ضغط اليوم وصعوبة متابعة جميع المواد في وقت محدود على توفير جوّ هادئ ومتوازن داخل المنزل، خصوصاً مع تراكم المسؤوليات المهنية والمنزلية. وتشير إلى أنها تنظّم وقتها قدر الإمكان، إذ تخصص ساعات بعد الدوام لمراجعة دروس أبنائها، وتستغل عطلة نهاية الأسبوع للمذاكرة العميقة. كما تسعى إلى إنهاء مهامها المدرسية مبكراً لتتمكن من تخصيص طاقتها لمتابعتهم دون توتر.
وترى أنه يمكن أن يكون للمدارس دور مهم في دعم الأسر خلال هذه المرحلة بتقديم خطط مراجعة واضحة ومنسّقة، والتركيز على المهارات الأساسية للطلاب. كما تقدّر وجود قنوات تواصل فعّالة مع المعلمين لتبادل الملاحظات بسرعة، وتدعو إلى تقديم حصص دعم أو ملخصات قصيرة قبل الامتحانات لتسهيل المذاكرة على الأسر.
وتؤكد أن نظام العمل المرن يسهم كثيراً في تخفيف العبء، خاصة على المرأة، لأنه يمنحها القدرة على إعادة ترتيب يومها بما يساعدها على متابعة أبنائها من دون شعور بالإجهاد، ما يجعل فترة الامتحانات أكثر سلاسة واستقراراً داخل الأسرة. وتشير إلى أن تفاصيل العمل اليومي للأسرة تتغيّر، فيقلّ الخروج والتنقلات، وتحدّد أوقات ثابتة للمذاكرة والراحة والنوم، مع خلق بيئة هادئة توفر التركيز المطلوب، والحفاظ على توازن نفسي يمنع الأبناء من الشعور بالضغط أو الإرهاق.
توضح داليا بديوي، أستاذة مشاركة علم النفس ومديرة مركز التعلم الشامل بجامعة عجمان، أن مرحلة الامتحانات اختبار ليس للطلبة وحدهم، بل للأسرة بأكملها. وتتداخل ضغوط العمل مثل طول الساعات والمهام المرتبطة بالوظيفة والخوف من فقدان الأداء مع متطلبات الرعاية الأكاديمية للأطفال، ما يؤدي إلى ظاهرة يعرّفها الباحثون ب«تضارب العمل والأسرة» التي ترتبط بارتفاع مستويات القلق والاكتئاب لدى الأهل ما ينسحب بدوره على الأطفال. وتشير إلى أن دراسات شاملة أظهرت أن الإجهاد الأبوي يرتبط بزيادة المشكلات الانفعالية والسلوكية لدى الصغار.
نتائج بحثية
وأشارت إلى أن هناك مجموعة من النتائج البحثية الموجزة التي تدعم المقاربة العملية، إذ بيّنت تحليلات مراكمَة (meta-analyses) أن مشاركة الأهل في الشؤون الأكاديمية للطفل لها أثر إيجابي على التحصيل، وإن كان التأثير صغيراً إلى متوسط. وتوضح أن التوقعات الواقعية والتوجيه الأكاديمي أكثر فاعلية من المراقبة الصارمة أو القيام بالواجبات بالنيابة عن الطفل. كما تشير إلى دراسات أحدث تربط بين تضارب العمل والأسرة وارتفاع قلق الآباء والأمهات، وما يسمى «السبيلوفَر» الذي يوضَع في سياق نقل الضيق العاطفي إلى البيت ما يؤثر في مناخ الدراسة لدى الطفل. وعبر مقابلات ميدانية وجلسات استشارية نفّذوها، برزت أدوات عملية استخدمتها أسر في الإمارات مثل تخصيص «ساعات هادئة» يومية قبل الامتحانات حيث يغلق الكبار هواتف العمل، ويتم تقاسم مهام الملاحظة والمراجعة بين الوالدين وفق جدول مرن، والاعتماد على مجموعات تكتّل عائلي كالأجداد والإخوة لدعم الإشراف عند الحاجة، إلى جانب اتفاقات مع المدرّسين لتقديم تحديثات مركزة عبر رسائل قصيرة بدل الاجتماعات الطويلة. وتؤكد أن مثل هذه التجارب تُظهِر أن التنظيم والاتفاق المسبق يقللان التوتر ويزيدان شعور الطفل بالأمان.
وتوصي د. داليا الأهل العاملين خلال الامتحانات بالتخطيط للوقت مع إشراك الطفل في صياغته لزيادة الالتزام. وتشدد على أهمية تحديد أولويات واقعية، فالتركيز على جودة الدعم من توجيه ومراجعة قصيرة ومحددة أفضل من الرقابة المستمرة. وتحثّ على التواصل المبكّر مع المدرسة للحصول على جداول الامتحانات ونماذج الأسئلة أو جلسات المراجعة التي يمكن أن يقدمها المدرسون، إلى جانب الحرص على روتين نوم وغذاء منتظم للطفل. وتذكر أن هذه التوصيات مدعومة بأدلة تشير إلى أن التدخلات التي تعزّز التنظيم الأسري والتواصل مع المدرسة تحسن النتائج وتقلل القلق.
وتدعو إلى احترام حدود التعب، فالتعبير الصادق من الأم أو الأب عن الإرهاق بصيغة سهلة يخفف من شعور الطفل بالذنب أو الخوف. كما تشجع على استخدام بدائل دعم مثل جلسات قصيرة مع المعلم أو مجموعات دراسية أو الاستعانة بالأقارب عند عدم قدرة الوالدين على المتابعة. وترى أن تعليم الطفل مهارات تنظيمية واستراتيجيات تنظيم الوقت والتنفس أدوات تقلل استجابة القلق حتى في غياب دعم أبوي مكثف، مستندة إلى أبحاث تشير أن البيئات الأسرية الهادئة والمتوقعة تقلل من استجابات القلق لدى الأطفال، حتى لو كان الدعم الأبوي محدوداً مؤقتاً.
وتلفت إلى أهمية أن يكون التقسيم متفقاً عليه مسبقاً وعلى أساس نقاط قوة كل طرف، أحدهما مسؤول عن الجوانب التنظيمية، والآخر عن الدعم الأكاديمي أو النفسي، مع إعادة تقييم أسبوعية خلال فترة الامتحانات.
التوصيات
وتختتم بمجموعة من التوصيات السريعة كبرنامج سهل للأسر في الإمارات يتضمن ورشة قصيرة عن تنظيم الوقت، ودليلاً عملياً لاجتماع قصير أسبوعي بين الوالدين لتوزيع المهام، واتفاق تواصل مختصر مع المدرسة في أيام الامتحان. وتؤكد أن الموازنة ليست مثالية دوماً، غير أن التفاوض المنزلي والتخطيط المسبق والاعتماد على شبكات الدعم تحدث فرقاً كبيراً في حماية صحة الطفل النفسية وتحسين أدائه الدراسي.
الضغط الزائد
تحذر شيخة صالح المخيني، معلمة علوم بمدرسة الرماقية حلقة 2 من خطورة الضغط الزائد على الطفل بدافع العمل أو الانشغال، موضحة أن الضغط النفسي قد يؤدي إلى تراجع الأداء الأكاديمي بسبب ضعف التركيز وزيادة الأخطاء، وفقدان الثقة بالنفس عندما يشعر الطفل بأنه غير قادر على تلبية توقعات أهله. وقد يربط الطفل الامتحانات بمشاعر سلبية تؤدي إلى نفور أو خوف مستقبلي من الدراسة، فضلاً عن انعكاسات صحية محتملة مثل اضطرابات النوم والهضم ومشكلات سلوكية ناتجة عن التوتر المستمر.
سلوكيات انسحابية
تشير داليا بديوي، أستاذة مشاركة علم النفس ومديرة مركز التعلم الشامل بجامعة عجمان إلى أن الضغط الأبوي المفرط خصوصاً عندما يُترجم إلى توقعات غير واقعية أو تهديدات مرتبطة بالعقاب، يزيد احتمال ظهور أعراض قلق واكتئاب وسلوكيات انسحابية أو تمردية لدى الأطفال. ومساعدة الأهل المبالغ فيها عبر إنجاز الواجبات عن الطفل تقلل من شعوره بالكفاءة الذاتية وتضعفه على المدى الطويل. وتستند في ذلك إلى «نموذج ضغوط الأسرة» الذي يوضح أن الضغوط الاقتصادية والمهنية للأهل قد تؤثر سلباً في سلوك الأبوة وتنعكس على نتائج الطفل.
المصدر : صحيفة الخليج
