الفشل الحقيقي في المناخ لم يحدث في البرازيل فقط

الفشل الحقيقي في المناخ لم يحدث في البرازيل فقط

مؤتمر مناخ آخر يعني فشلاً آخر، إن هذا هو الشعور الذي قد يخطر في بالكم عند سماع التصريحات المؤلمة التي رشحت بعد اختتام أعمال اجتماع مؤتمر الأطراف الثلاثين في مدينة بيليم البرازيلية نهاية الأسبوع.

لقد تبددت الآمال في أن يتضمن البيان الختامي خارطة طريق للانتقال من الوقود الأحفوري. وانتهى الأمر بصندوق بقيمة 125 مليار دولار لحماية الغابات إلى تخصيص حوالي 6 مليارات دولار فقط.

إلا أن هذا التقييم الذي استهللت به يربك تقييم مواطن الخلل في تناولنا لقضية المناخ وأيضاً ما نجحنا فيه.

قمة المناخ.. تريليون دولار للطاقة النظيفة وخلافات حادة حول التمويل والوقود

لنأخذ على سبيل المثال الرفض الغريب لذكر الوقود الأحفوري في الاتفاق. ليس هذا كارثي بقدر ما قد يبدو للبعض. نظراً لقدرة الدول المُصدرة للنفط على استخدام حق النقض ضد كل كلمة في النص، المٌلفت هو أن مثل هذه الإشارات قد وصلت إلى مرحلة الصياغة. إن تمنع منتجي النفط الآن في تسمية المشكلة التي نواجهها ليس دليلاً على فشل التحول في مجال الطاقة، بل على نجاحه.

قاعة المؤتمر بعيدة عن المشاكل الحقيقية 

انخفضت التوقعات الأساسية لوكالة الطاقة الدولية لاستهلاك الوقود الأحفوري في عام 2050 بنسبة 12% منذ ذُكرت هذه الكلمة رسمياً لأول مرة في مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في غلاسكو قبل أربع سنوات. وانخفض استهلاك الفحم في أكبر بلدين مستخدمين له، الصين والهند، هذا العام. وهذه نتائج جوهرية تتجاوز بكثير المصطلحات الواردة في وثيقة للأمم المتحدة.

ليس مقصدي أن أقدم رواية انتصار عن تقدم سياسة المناخ في عام 2025، بل أعني فقط أن المشاكل الحقيقية كانت بعيدة عن قاعات المؤتمر في بيليم.

إذا أردتم أن تفهموا ما نرتكبه من أخطاء، فانظروا بدلاً من ذلك إلى صفحةٍ غامضة على موقع الأمم المتحدة تُقدّم فيها الحكومات خططها لخفض الانبعاثات، والمعروفة باسم “المساهمات المحددة وطنياً”. والأفضل من ذلك أن تتفقدوا موقع ”كلايمت أكشن تراكر“ (Climate Action Tracker)، وهو مشروع يسعى إلى ترجمة هذه الوثائق المعقدة إلى لغة أبسط.

هذه “المساهمات المحددة وطنياً” بلا شك أهم عنصر في اتفاقية باريس وهي اتفاقية عام 2015 التي وافقت فيها كل الدول ولأول مرة، على الحدّ من انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري.

مؤشرات إيجابية وأخرى سلبية

تهدف هذه المساهمات إلى وضع أهداف واضحة وقابلة للتحقق، يمكن قياسها وفقاً لأفضل الدراسات العلمية المتاحة، وتزداد طموحاً مع مرور الوقت. وكما سبق أن كتبنا، هناك أدلة قوية على أن الحكومات التي تلتزم فعلاً بهذه الأهداف تُحققها.

كان مفترضاً أن تكون أحدث قائمة للخطط، التي تحدد أماكن انبعاثات عام 2035، محوراً رئيسياً لمؤتمر الأطراف الثلاثين. إلا أنّها أقل بكثير مما هو مطلوب.

من بين أكبر عشر دول أو مناطق مُلوثة للبيئة، وهي مسؤولة عن ثلاثة أرباع انبعاثات الكربون، لم يقدم سوى الاتحاد الأوروبي واليابان وثائق يُؤمل إقرارها. وقدمت إدارة بايدن خطةً أميركيةً بعد 6 أسابيع من انتخاب الرئيس دونالد ترمب، وهو حدث جعل هذا الجهد برمته عقيماً.

بايدن يخصص 26 مليار دولار للطاقة النظيفة قبل تسليم السلطة لترمب

لم تقدم الهند وإيران والسعودية وكوريا الجنوبية مقترحاتها بعد. أما الصين وروسيا وإندونيسيا، فقد قدّمت خرائط طريق خجولة لدرجة أنها تمكنها من زيادة انبعاثاتها بشكل كبير عن المستويات الحالية، مع ادعاء تحقيقها للهدف.

هذا الجهد الباهت يتماشى تماماً مع التوجهات السياسية في عام 2025. سواءً كانوا يتعهدون بفرض عقوبات رداً على إعلانات تلفزيونية، أو يهددون بإطاحة رأس زعيم أجنبي، أو يغزون جيرانهم، أو يُحوّلون المباني السكنية إلى أنقاض، فإنّ الحكام المستبدين في القوى الكبرى لا يحبذون هذه الأيام الالتزام بأي شيء يقيدهم.

اهتمام بالطاقة المتجددة شعبياً

لكن المواطنين هم من سيقرر في نهاية المطاف مسار المستقبل -وهنا، الصورة أكثر إشراقاً، في بعض الأحيان، يتولون عملية التحول في قطاع الطاقة بأنفسهم- سواءً كانوا أسراً باكستانية تركت شبكة الكهرباء التي تعمل بالوقود الأحفوري لتستخدم الطاقة الشمسية الأرخص، أو السائقين الأتراك الذين يتحولون إلى السيارات الكهربائية بوتيرة أسرع من الأميركيين أو الأستراليين.

في أحيان أخرى، يكونون مسؤولين عن تنفيذ السياسات، محققين نتائج إيجابية أكثر بكثير مما يوحي به قادتهم. على الرغم من كل ما قرأته عن كثير من توربينات الغاز ومحطات توليد الكهرباء بالفحم التي تُجهز لتشغيل مراكز البيانات الأميركية المزدهرة، فبعد حوالي 10 أشهر من تولي إدارة ترمب، لا تعتمد سوى 11% من قدرة التوليد قيد الإنشاء على الوقود الأحفوري. وفي أحيان أخرى، يجدون أنفسهم في مواجهة الآثار المدمرة لتغير المناخ.

كيف يجبر ترمب العالم على استهلاك مزيد من النفط والغاز؟

معظم التقنية التي سنحتاجها لحل هذه المشكلة متوفرة لدينا، وهي أرخص من البدائل، لو أزلنا مستنقع الحواجز واللوائح التي أقمناها لإبطاء تقدمها. مشكلتنا هي أن قادة العالم هم من بين آخر من يدركون ذلك.

يدرك كثير من جميع الأجيال فوائد العمل لوقف تغير المناخ. لكن بمتوسط ​​عمر يبلغ 69 عاماً، فإن القادة العنيدين لأكثر عشر دول تسبباً في الانبعاثات في العالم نادراً ما كانوا بهذا القدر من انعدام المخاطرة حيال ما سيكون عليه الحال عند حصاد المساهمات المحددة وطنياً في عام 2035. لكن ما يقرب من نصف سكان العالم أصغر من 30 عاماً، والأمر متروك لنا جميعاً لتوجيه العالم إلى مسار أفضل.

المصدر : الشرق بلومبرج