عذب الكلام | صحيفة الخليج

عذب الكلام | صحيفة الخليج

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات

من لطائف الجِناسُ، قول عُبَيْد الميكاليّ:

يا مَنْ يُضيِّع عُمْرَهُ

مُتمادياً في اللّهْو.. أَمْسِكْ

واعْلم بأنّك لا مَحا

لَةَ ذاهبٌ كَذَهابِ أَمْسِكْ

«أَمْسِكْ» الأولى «توقّفْ»، والثانية «ماضيكَ».

وقول البُحتري:

إذا العَيْنُ راحَتْ وهْي عَيْنٌ على الهَوى

فَلَيْس بِسَرٍّ ما تُسِرُّ الأَضالِعُ

الأولى «العَيْن الناظرة» والثانية «الجاسوس». و«بِسَرّ»: ما يَسُرّ، و«تُسِرّ»: تُخْفي.

دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

أتراك بالهجران

محمد بن سليمان التلمساني (الشاب الظريف)

(بحر الكامل)

أَتُراكَ بالهِجْرانِ حينَ فَتَكْتَ في

قَلْبي عَلِمْتَ بِما يُجَنّ فَتكْتَفِي

إنْ جالَ طَرْفي في سِواكَ فلا غُفي

أوْ حالَ قَلْبي عَنْ هَواكَ فلا عُفِي

أَنا صابِرٌ بَلْ شاكِرٌ في الحُبِّ إنْ

أَخْلَفْتَ عَهْدَ الوَصْلِ أَو لَمْ تُخلِفِ

وأَبثُّ وَجْدِي في الهَوى بِتَوصُّلٍ

وتَوسُّلٍ وتَطفُّلٍ وتَلَطُّفِ

تاللَّهِ لَمْ أَتَوقَّ فِي وَجْدِي وقَدْ

نادى هَواكَ جَوىً ولَمْ أَتوقَّفِ

إِنِّي لأَنْأى مُعْرِضاً عَنْ عاذِلي

إنْ عادَ لي أَوْ عَنَّ فِيكَ مُعَنِّفي

لَوْ زُرْتَنِي يا مُنْيَتي ومَنِيَّتي

ورَحمْتَ فَرْطَ تَلهُّبي وَتَلَهُّفي

لرَأَيْتَ طَرْفاً لَيْسَ يُنْكِر لِلْبُكا

وشَهدْتَ جِسْماً بالضَّنا لم يُعْرَفِ

لَمْ تَخْلُ مِنْ قَلْبِ المُحِبِّ وحَقِّ ما

تَرْضى بِهِ وبِغَيْرِ ذا لَمْ أَحْلِفِ

إِلَّا هَواكَ وأَنْتَ فِيها أَدَّعِي

أَدْرى بِأَنِّي عَنْهُ لَمْ أَكُ أَنْكَفِي

من أسرار العربية

«المَدينَة» كلمة معروفة الآن ومتداولة، فَمِنْ أين جاءت؟ في صحيح اللّغة: مَدَنَ بالمَكان: أَقامَ بِهِ، ومِنْهُ المَدينة، «فَعيلة»، وتجمع على مَدائنَ، ومُدْنٍ ومُدُنٍ. والمَدينة: الحِصْنُ يُبْنى في وَسِط الأَرض. و«المَدينة»: اسم مَدينةِ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، خاصّةً، غَلَبت عليها تَفْخيماً لَها، شرَّفها الله وصانَها. والنّسبة إِلى المَدينة: مَدَنِيٌّ. ويُقال للرّجلِ العالِمِ بالأَمر الفَطِنِ: هُو ابْنُ بَجْدَتِها وابنُ مَدينَتها، قال الأَخطل:

رَبَتْ ورَبا في كَرْمِها ابْنُ مَدِينةٍ

يَظَلُّ على مِسْحاتِهِ يتَرَكَّلُ

و«المَدَائِنُ»: مَدينَةُ كِسْرَى قُرْبَ بَغْدادَ، سُمِّيَتْ لِكِبرِها.

أما القَرْيَةُ، والقِرْيَةُ، فهي: المكانُ الجامِعُ، والجَمعُ: قُرىً. وقيل: هي كلُّ مكانٍ اتَّصلت به الأبنيةُ، واتَّخذ قَراراً. والنِّسْبَةُ: قَرَئِيٌّ وقَرَوِيٌّ. وأقْرَى بالمكان: لَزِمَهُ. والقارِيُّ: ساكِنُ القَرْية. وقَرى الماءَ في الحوضِ: جَمَعَهُ. وقَرَى الضَّيْفَ: أَضافَهُ.

هفوة وتصويب

يقولُ بعضُهم «وانْدَفَعوا بِزَخَمٍ لإنجازِ العَمل». وهي خطأ والصَّوابُ: «انْدفعوا بِحَماسَةٍ وقُوّةٍ»، لأنّ الزَّخَم: الرّائِحَةُ الكَريَهةُ. وطعامٌ له زَخَمَةٌ، أيْ رائحَةٌ كريهَةٌ. والزَّخْماءُ: المُنْتِنَةُ الرّائحةِ. ويُقال: زَخَمَهُ: دَفَعَهُ شديداً، ولا علاقَة لها بالزَّخَمِ الأولى، فِسِياقُها مُخْتلفٌ.

ويَسْتَخْدِمُ كثُرٌ هذه الأيامَ العبارة الآتية: «وبرّر فلانٌ عَمَلَهُ بكذا وكذا..» أي أوْجَدَ ما يُجيزُهُ، وهي خطأٌ، لأنَّ البِرَّ: الصِّدقُ والطّاعَةُ. يقالُ: رَجَلٌ بَرٌّ مِنْ قَوْمٍ أبْرارٍ، وبارٌّ مِنْ قَوْمٍ بَرَرَةٍ. والبِرُّ: الخَيْرُ. وقالَ لَبيدٌ:

ومَا البِرُّ إلاَّ مُضْمَراتٌ مِنَ التُّقَى

وما المالُ إلاَّ مُعْمَراتٌ وَدائِعُ

والصّوابُ «وسوّغ فُلانٌ…»، لأنّ «ساغَ له ما فَعَلَ»: جازَ له ذلك. وساغَ الشَّرابُ في الحلق يَسوغُ سَوْغاً: سَهُل مَدْخلُهُ.

من حكم العرب

غَلَتِ الحَياةُ فإِنْ تُرِدْها حُرَّةً

كُنْ مِنْ أُباةِ الضَّيْمِ والشُّجْعانِ

واقْحَمْ وزاخِمْ واتَّخِذْ لَكَ حَيِّزاً

تَحْميهِ يَوْمَ كَرِيهَةٍ وطِعانِ

البيتان لخليل مطران، يقول إنّ الحياة ملأى بالمشاغل والهموم واستشراف المستقبل الآمن، فإذا أرادها الإنسان مريحة هانئة، فليبذل كل ما في وسعه لتذليل الصعاب.

المصدر : صحيفة الخليج