من الرابحون والخاسرون من وفرة المعروض النفطي؟

من الرابحون والخاسرون من وفرة المعروض النفطي؟

تشهد أسعار النفط انخفاضاً مستمراً وسط ترقب السوق لفائض متزايد في المعروض، حيث يُتوقع أن يشهد هذا العام أول فائض كبير في المعروض منذ عام 2020.

توقعت وكالة الطاقة الدولية في نوفمبر أن يفوق العرض العالمي الطلب بمقدار 2.4 مليون برميل يومياً، وتتوقع أن يتسع الفارق إلى مستوى قياسي يبلغ 4 ملايين برميل يومياً العام المقبل. سيُلقي انخفاض الأسعار المستمر بضغوط على الحكومات والشركات التي تعتمد على عائدات النفط، بينما ستستفيد جهات أخرى.

ما الذي يُحرك فائض النفط؟

يشهد نمو الطلب على النفط تراجعاً. وتُلقي السياسات التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترمب بثقلها على آفاق الاقتصاد العالمي، وتعاني الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط الخام، من تباطؤ في سوق العقارات وضعف في إنفاق المستهلكين.

بخصوص العرض، بدأ ”أوبك+“، تحالف المنتجين بقيادة السعودية، في تقليص تخفيضات الإنتاج السابقة. كما أن الدول خارج هذه المجموعة، خاصةً تلك الموجودة في الأميركتين، تُنتج مزيداً من البراميل.

وزير الطاقة السعودي: قرار “أوبك+” يكافىء المستثمرين المؤمنين بنمو الطلب العالمي

ما تزال إمدادات روسيا، ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، عاملاً غير متوقع. فمن ناحية، تواجه البلاد عقوبات أميركية جديدة تُهدد بتعطيل صادراتها. لكن جهود إدارة ترمب المتجددة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا أثارت احتمال رفع بعض العقوبات الدولية، ما قد يسهّل تدفق البراميل الروسية إلى السوق.

من الرابحون من تزايد معروض النفط؟

  • الدول المستوردة للنفط

تُعدّ أسعار النفط المنخفضة مُفيدة للمشترين، وخاصةً الدول الكبيرة المعتمدة حصرياً على الاستيراد، التي تُكمل احتياطياتها الاستراتيجية، والهند، التي واجهت ضغوطاً أميركية لوقف شراء الخام الروسي.

أسواق النفط المذعورة من الفائض تعثر على طوق نجاة في الهند والصين

الهند هي ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم. وقد زادت مشترياتها من روسيا بعد غزو أوكرانيا عام 2022، إذ قدّم المُصدّرون الروس خصومات كبيرة لتعويض خسارة المشترين الأوروبيين التقليديين.

قد يخفّف انخفاض الأسعار العالمية معاناة الهند في تجنب براميل النفط الروسية الخاضعة للعقوبات، ويحولها إلى موردين في الشرق الأوسط، حيث تشبه درجات خامها المتوسطة والثقيلة مزيج خام الأورال الروسي المُصدّر.

يمكن أن يُترجم انخفاض أسعار النفط إلى انخفاض أسعار الوقود. يحبّ ترمب استخدام سعر البنزين كمقياس اقتصادي، وقد تعهد خلال انتخابات العام الماضي بخفضه إلى أقل من دولارين للغالون.

بعد ما يزيد قليلاً عن عشرة أشهر من ولايته الثانية، انخفض متوسط ​​السعر الوطني للبنزين بنحو 12 سنتاً، رغم أنه لم ينخفض ​​بعد إلى أقل من 3 دولارات للغالون، وهو مستوى لم يُشهد منذ عام 2021. قد تحدّ انقطاعات في مصافي النفط الرئيسية في آسيا وأفريقيا، بالإضافة إلى الإغلاقات الدائمة في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، من أي تخفيضات إضافية في أسعار الوقود.

 

إدارة ترمب تسمح ببيع البنزين عالي لإيثانول خلال الصيف

انخفاض أسعار النفط قد يمثل عقبة لترمب، فإذا انخفضت الأسعار بشكل كبير، فقد يُصبح استخراج النفط الخام غير مُجدٍ اقتصادياً في الولايات المتحدة، ما يُقوّض أجندة الرئيس ”احفروا يا أعزائي احفروا” ويضغط على مؤيديه السياسيين الذين يعتمدون على صناعة النفط.

 

يمكن لانخفاض أسعار النفط الخام أن يعزز هوامش أرباح المصافي من تحويل النفط إلى منتجات مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات. في منتصف نوفمبر، وصلت هوامش أرباح مصافي النفط الأميركية إلى أعلى مستوى موسمي لها منذ عام 2022.

نظراً للقيود النسبية على طاقة التكرير العالمية، فإن هذا يحدّ من كمية النفط الإضافية التي يمكن معالجتها، ويعني أن أسعار المنتجات المكررة يُرجح أن تنخفض بقدر أقل من أسعار النفط الخام. وبالتالي، فإن انخفاض أسعار النفط أكثر فائدة للدول التي تستورد النفط الخام وتكرره بنفسها، بدلاً من الاعتماد على تدفقات المنتجات المكررة.

في الفترة التي سبقت فائض النفط، وصل “انحراف خيار البيع” لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي -وهو مقياس لمدى استعداد المتداولين لدفع المزيد مقابل خيارات البيع الهبوطية مقارنةً بخيارات الشراء الصعودية- إلى أعلى مستوى له في شهر. وهذه علامة على استعداد المضاربين لانخفاض الأسعار.

أسعار النفط تنخفض وسط توقعات بفائض في المعروض

في غضون ذلك، وقبل إدراج الولايات المتحدة شركتي النفط الروسيتين العملاقتين ”روسنفت“ و“لوك أويل“ على القائمة السوداء في أكتوبر، كان مديرو الأموال أقل تفاؤلاً بشأن النفط الخام الأميركي على الإطلاق، وذلك وفقاً لأحدث بيانات تحديد مواقع المستثمرين، التي تأخرت بسبب الإغلاق الحكومي.

مع انعكاس التوقعات القاتمة للسوق على أسعار العقود المستقبلية، يرى كثير من المستثمرين في ذلك تأكيداً لتوقعاتهم السلبية التي طالما راودتهم. ويشيرون إلى أمرين كدليل على أنهم كانوا على المسار الصحيح طوال الوقت: ارتفاع إجمالي مخزونات النفط الخام الأميركية (باستثناء الاحتياطي البترولي الاستراتيجي) إلى أعلى مستوى لها في خمسة أشهر في نوفمبر، بينما يواصل حجم النفط الخام على متن ناقلات النفط في البحر تسجيل مستويات قياسية جديدة، ما يشير إلى أن العرض يفوق الطلب.

 

  • الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأميركي

تتيح أسعار النفط المنخفضة فرصة للولايات المتحدة لتجديد مخزونها من النفط الخام المخصص للطوارئ، الذي لم يكن ممتلئاً إلا بنسبة 60% تقريباً حتى منتصف نوفمبر. ما يزال الاحتياطي الاستراتيجي من البترول منخفضاً بعد أن أطلقت إدارة بايدن الإمدادات في السوق لمحاولة ترويض ارتفاع أسعار البنزين الذي أعقب الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا.

تعهد ترمب خلال خطاب تنصيبه بملء احتياطي البترول الاستراتيجي “حتى قمته”. مستغلةً انخفاض أسعار النفط، منحت وزارة الطاقة عقوداً بقيمة تقارب 56 مليون دولار في نوفمبر لشراء 900 ألف برميل لهذا المخزون.

أسعار النفط تتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية

مع ذلك، وكجزء من قانون ترمب الشامل للضرائب والإنفاق الذي أقره خلال الصيف، لم يخصص الكونغرس سوى 171 مليون دولار لشراء النفط لمخزون البترول الاستراتيجي بين عامي 2025 و2029- وهو حدٌّ قد تصل إليه الحكومة بسرعة كبيرة. يعادل هذا المبلغ أقل من 3 ملايين برميل بالأسعار الحالية، وهو مبلغٌ بعيدٌ كل البعد عن حوالي 300 مليون برميل اللازمة لبلوغ احتياطي البترول الاستراتيجي كامل طاقته.

 

من الخاسرون من فائض النفط؟

  • الدول النفطية

بالنسبة للدول المصدرة للوقود الأحفوري التي تعتمد اقتصاداتها اعتماداً كبيراً على صناعة النفط، قد يؤثر انخفاض الأسعار سلباً على إيراداتها ويضغط على ميزانياتها.

تسعى السعودية، ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، إلى تنويع اقتصادها من خلال برنامج رؤية 2030. ومع ذلك، فإن الاستثمارات الضخمة في مشاريع البناء الضخمة، مثل مشروع “نيوم الرائد”، بالإضافة إلى مبادرات أخرى لبناء منتجعات سياحية على البحر الأحمر ومصانع للسيارات الكهربائية ومراكز بيانات، قد جعلتها أكثر اعتماداً على عائدات النفط.

تراكم مليار برميل نفط في بطون الناقلات يشي بضغط العقوبات

في حين أن المملكة تُعيد تنظيم إنفاقها على المشاريع الضخمة -بتأجيل وتقليص بعض المشاريع وتسريع أخرى- فإنها ما تزال تتوقع عجزاً في الميزانية الوطنية للسنوات القليلة المقبلة.

وقدّرت “بلومبرغ إيكونوميكس” في نوفمبر أن الحكومة السعودية تحتاج إلى سعر نفط يبلغ 98 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها، و115 دولاراً عند تضمين الإنفاق المحلي من صندوق الثروة السيادي، صندوق الاستثمارات العامة. وهذا أعلى بكثير من متوسط ​​سعر خام برنت، وهو المعيار العالمي، لهذا العام، والبالغ 69 دولاراً للبرميل حتى بداية ديسمبر.

 

 

أدت العقوبات الغربية إلى اعتماد مُصدّري النفط الروس بشدة على المشترين في الصين والهند، الذين طالبوا بخصومات لمواصلة استيراد هذا الخام المنقول بحراً. وفي ظل غياب اتفاق سلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا، قد تُجبر العقوبات الأميركية الجديدة، بالإضافة إلى فائض المعروض في السوق العالمية، المنتجين الروس على خفض أسعارهم أكثر.

ومع دخول الحظر الأميركي على التعامل مع شركتي ”روسنفت“ و“لوك أويل“ حيز التنفيذ في نوفمبر، انخفض سعر مزيج الأورال الروسي الرئيسي بأكثر من 20 دولاراً للبرميل عن خام برنت، وفقاً لبيانات من ”أرغوس ميديا“ (Argus Media).

هل تنجح أوكرانيا بسعيها لقطع شريان نفط روسيا؟

رغم أن هذه الفجوة أصغر بكثير مما كانت عليه في السنوات الأولى من الحرب في أوكرانيا، إلا أنها ما تزال أوسع بكثير من الخصم التاريخي الذي يتراوح بين دولارين و4 دولارات.

تُمثل الضرائب على صناعة النفط والغاز في روسيا حوالي ربع الميزانية الاتحادية. حتى قبل الإعلان عن العقوبات الجديدة، توقعت الحكومة انخفاض عائدات الضرائب من القطاع هذا العام إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2020 بسبب انخفاض أسعار النفط الخام عالمياً وقوة الروبل.

قللت السلطات الروسية من شأن الأثر الاقتصادي المحتمل للقيود الأميركية الجديدة، مؤكدةً أن البلاد ستتكيف بسرعة وستجد حلولاً بديلة، ما يسمح بتقليص الخصومات على نفطها في غضون شهرين. في غضون ذلك، ازداد حجم النفط الروسي على متن ناقلات النفط، ما يشير إلى أن المشترين، على الأقل على المدى القصير، أقل استعداداً لاستلام هذه الشحنات.

  • صناعة النفط الصخري الأميركية

شكّلت صناعة النفط الصخري الأميركية المحرك العالمي لنمو إنتاج النفط في السنوات الأخيرة، لكن هذا الزخم يتباطأ الآن. يحتاج كثير من المنتجين إلى سعر نفط يبلغ حوالي 65 دولاراً للبرميل لتحقيق أرباح، ويتطلعون إلى زيادة إنتاجهم بأقل من 5% سنوياً مع اقتراب أسعار النفط الخام من نقطة التعادل.

أي فائض نفطي عالمي قد يخفض الأسعار إلى حوالي 50 دولاراً للبرميل من شأنه أن يدفع منتجي النفط الصخري الأميركيين إلى إيقاف منصات الحفر الخاصة مؤقتاً وإيقاف أساطيل التكسير الهيدروليكي، إذ إن هذه العمليات تصبح غير مجدية اقتصادياً.

شركات النفط الصخري الأميركية تواصل التوسع رغم تراجع الأسعار

ما يزال إنتاجهم صامداً في الوقت الحالي، لكن توقف تشغيل أكثر من 10% من منصات الحفر المركزة على النفط منذ بداية العام، وفقاً لبيانات شركة ”بيكر هيوز“. يُرجح أن يتسارع الانخفاض في الأشهر المُقبلة إذا ظلت أسعار النفط مُنخفضة، ما قد يشكّل ضغطاً على شركات خدمات حقول النفط.

قد يُؤدي استمرار انخفاض أسعار النفط إلى مزيد من الاندماجات في قطاع النفط الصخري الأميركي. وقد يستحوذ المنتجون متوسطو الحجم على الشركات الصغيرة المتعثرة لزيادة حجم أعمالهم، إذ إن بعض أفضل مواقع الحفر قد استُغلت.

  • شركات النفط الكبرى

يُؤثّر انخفاض أسعار النفط سلباً على المنتجين، على الرغم من أن شركات النفط الكبرى المتكاملة مع أعمال التكرير والتجارة أقل عُرضة للتأثر من شركات المنبع التي تُركز فقط على الاستخراج.

انخفضت أرباح شركات النفط الغربية الخمس الكبرى -”إكسون موبيل“ و“شيفرون“ و“شل“ و“توتال إنرجيز“ و“بي بي“- بأكثر من النصف مُقارنةً بما كانت عليه قبل ثلاث سنوات، ويُتوقع أن تشهد مزيداً من الانخفاض. مع ذلك، فإن انخفاض أسعار النفط الحالي ليس بسوء ما كان عليه في عامي 2014 و2020. وقد توقع المسؤولون التنفيذيون في شركات النفط الكبرى هذا الانخفاض، وأعلنوا في وقت سابق من هذا العام عن خطط لخفض عمليات إعادة شراء الأسهم والتكاليف.

عمالقة النفط ينضمون إلى “أوبك” في زيادة الإنتاج رغم تراجع الأسعار

حتى أن بعض المسؤولين التنفيذيين يتحدثون بحماس عن الفرص. المحتملة. على سبيل المثال، تبحث ”إكسون“ عن عمليات استحواذ محتملة. في غضون ذلك، صرّحت فيكي هولوب، الرئيسة التنفيذية لشركة ”أوكسيدنتال بتروليوم“، في منتصف أكتوبر، بأن انخفاض الأسعار اليوم سيُثني عن الاستثمارات اللازمة للمستقبل ويُقلّص العرض، مما يجعلها “متفائلة جداً” بشأن انتعاش الأسعار اعتباراً من عام 2027.

  • التحوّل في مجال الطاقة

يُعدّ النقل البري المصدر الأكبر للطلب على النفط. اعتاد المستهلكون على قدرٍ من التقلب في أسعار الوقود، لكنّ الانخفاض المُطوّل قد يُقلّل من ميلهم للتحول إلى السيارات الكهربائية. ومع ذلك، في المناطق التي تُفرض فيها ضرائب مرتفعة على الديزل والبنزين، مثل أوروبا وكاليفورنيا، قد يكون هناك تخفيف محدود في أسعار الوقود بسبب انخفاض أسعار النفط.

لا يُرجح أن يتأثر توسيع مصادر الطاقة النظيفة بفائض النفط الخام. في مُعظم المناطق، باستثناء مناطق مثل الشرق الأوسط، عادةً ما تُنافس مصادر الطاقة المُتجددة الفحم والغاز الطبيعي في توليد الكهرباء على نطاق واسع بدلاً من النفط.

المصدر : الشرق بلومبرج