في أوائل خريف هذا العام، اجتمع مؤثرون وجراحو تجميل، وواحدة على الأقل من برنامج “ريل هاوس وايف” (Real Housewife) مع الوجه التلفزيوني آندي كوهين، في نادي للجاز في قبو بمدينة نيويورك لحضور فعالية تحت عنوان “كما أنت”.
كان هدف الفعالية أن تكون مكاشفةً بلا تحفظ، وكان الوعد “كشف الستار” عن الفيلر، وهي مواد تُحقن في الشفاه والبشرة، وقد فقدت رواجها بعد سنوات من الشعبية التي غذتها وسائل التواصل الاجتماعي.
قال كوهين، الذي كان يُجسد شخصيته مضيفاً ساحراً لكنه ماكر: “لقد رأيتُ حصتي من أنواع الفيلر”، وأومأ برأسه نحو نجمة البرنامج في مدينة نيويورك دوريندا ميدلي، وتابع: “بعضها رائع وبعضها الآخر تركني أتساءل عن أشياء”. هل يمكن أن تجعلك تبدو غريباً؟ هل يمكن أن تجعل وجهك ينتفخ؟ أكد الأطباء على خشبة المسرح مع كوهين للجمهور أن المشكلة ليست في الفيلر بل هي مسألة تقنية.
كانت تلك الليلة برعاية شركة “أليرجان” (Allergan)، وهي القسم التجميلي لشركة “أبفي” (AbbVie) عملاقة المنتجات الطبية، التي تصنع كلاً من “جوفيديرم” (Juvéderm)، أحد أشهر أنواع الفيلر في العالم، والبوتوكس، وهو سم عصبي يزيل التجاعيد وقد حقنه عشرات ملايين الناس في جباههم.
فرنسا والصين تعملان على إطار تنظيمي لمستحضرات التجميل
تعمل الشركة بجد للتخلص من رأي يقول إن حقنها يجعل الناس يبدون غير طبيعيين، أو حتى أسوأ من ذلك. لقد أثارت قصص تورم الشفاه وتمدد رقعة الفيلر، وفي حالات قصوى، المنتجات المقلدة التي تودي بالناس إلى المستشفيات، مخاوف الزبائن.
في هذه الأثناء، انقضت شركات منافسة لاقتناص حصة سوقية، فتحول ما كان استحواذاً خارقاً بقيمة 63 مليار دولار من شركة “أبفي” إلى ترهل في محفظتها.
يُتوقع أن تنخفض المبيعات السنوية لمستحضرات البوتوكس، وهو دواء تزيد إيراداته عن 2.7 مليار دولار، هذا العام لأول مرة منذ أن اشترت “أبفي” شركة “أليرجان” في 2019. وقد انخفضت مبيعات “جوفيديرم”، وهو منتج تزيد إيراداته عن مليار دولار، بنسبة 23% من أعلى مستوياتها خلال الجائحة.
هل هناك من ترغب بتكتلات تحت الجلد؟
قالت كلير بومان، وهي مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي بلغت من عمرها 34 عاماً، في مقطع مصور عن الإقلاع عن استخدام الفيلر بعد سنوات من استخدامها: “كان لدي تكتلات وانتفاخات لم تختف أبداً… لقد بات مظهري جنونياً”.
حتى الآن وْقي المستثمرون من ضعف أداء شركة “أليرجان”؛ فقد ارتفع سهم “أبفي” بنحو 30% خلال العام حتى منتصف نوفمبر بفضل أدوية جديدة واعدة لعلاج التهاب المفاصل. لكن الشركة، التي فقدت العام الماضي براءة اختراع رئيسية على “هوميرا” (Humira)، وهو الدواء الأكثر مبيعاً في العالم، لا يمكنها أن تسمح لصانع أموال موثوق به بأن يتلاشى.
قال إيفان سيغرمان، المحلل في “بي إم أو كابيتال ماركتس” (BMO Capital Markets): “البوتوكس بقرة حلوب مستدامة… إذا ما بدأ يتراجع، فهذه مشكلة”.
“تيك توك” يجعل من لصقات للبثور صيحة تجميل
عزت الشركة في مكالمة أرباحها في أكتوبر الأداء الضعيف لقسم التجميل إلى “ظروف السوق الصعبة في عدة أسواق رئيسية”، ومن ذلك “استمرار ثقة المستهلك المتراجعة جداً، وخاصة في الولايات المتحدة، حيث تؤثر المخاوف بشأن الاقتصاد والتضخم على الإنفاق التقديري”.
الخطوة الأولى من عودتها هي حملة تسويقية مكثفة، وهي تتضمن بالإضافة إلى مناسبة “كما أنت” التي تناولت الفيلر، حملة بوتوكس تضم “أناساً عاديين”. وقد نجحت في جذب عميل جديد واحد على الأقل إلى شركة “أبفي”، فقد قال كوهين خلال فعالية نيويورك: “لقد تلقيت حقنة بوتوكس لأول مرة هذا العام في جبهتي”، وكان هذا اعترافاً أثار سيلاً من تعبيرات الاستحسان من الجمهور.
هل تلقى النسخة المخففة رواجاً؟
تخطط شركة “أبفي” أيضاً للكشف عن منتج أطلق عليه البعض اسم “بيبي بوتوكس” (Baby Botox)، وهو مصطلح استخدمه العاملون في الحقن لفترة طويلة لوصف تطبيق كميات أصغر من هذا المادة السمية للحصول على تغيير أقل بروزاً في المظهر.
إن هذا العقار المقبل، الذي يُنتظر أن يحصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية في أوائل العام المقبل، هو سم عصبي مثل البوتوكس، يبدأ مفعوله في غضون ساعات ويزول بسرعة أيضاً.
قال دارين ميسينا، نائب الرئيس الأول للبحث والتطوير في شركة “أليرجان”: “إذا لم يعجبك المظهر، فلا بأس إذ سيختفي في غضون ثلاثة أسابيع”. الأمل هو أن يوفر “بيبي بوتوكس”، المعروف أيضاً باسم “ترينيبوت إي” (TrenibotE)، للمستهلكين الذين يزدادون قلقاً نقطة بداية أقل حدة.
قال ميسينا: “هذا المنتج مناسب حقاً لمن ليسوا متأكدين”. لكن الأشخاص الأقرب إلى من يتخلون هن العلاجات التجميلية يقولون إنهم غير متأكدين حتى من أن المبتدئين سيرغبون في مثل هذا التأثير قصير الأمد.
سيلينا غوميز تدرس بيع “رير بيوتي” لمستحضرات التجميل بملياري دولار
قالت رضا بيالا، التي تعمل بالحقن في عيادة “ثيرابي” (Thérapie) في مانهاتن: “أنا لا أعرف ما إذا كان هناك سوق لمنتج مثل هذا… أعتقد أننا سننظر لنرى ذلك”.
بُنيت أعمال “أليرجان” في مجال التجميل، التي تُقدر بمليارات الدولارات، على إقناع الناس بحقن السموم في أجسامهم. يُصنع البوتوكس من سم قوي جداً لدرجة أن استنشاق كمية ضئيلة منه قد يسبب الاختناق. أما في صورته الطبية المُنقّاة، فيُجمّد العضلات مؤقتاً ويُزيل التجاعيد.
هذا شيءٌ كان ملايين الناس سعداء بدفع ثمنه على مدى العقود الثلاثة الماضية، بل وزاد ذلك في عصر مكالمات “زووم”، والمشاهير الذين يبدون كما ولو أنهم لا يشيخون، وتطبيقات التواصل الاجتماعي التي تُركز على الصور والمقاطع المصورة.
سلسلة تجميل كاملة على رأسها البوتوكس
من هنا، طورت الشركة أعمالاً تجميلية متكاملة مع طرح “جوفيديرم” عام 2006، تلى حشوات الثدي وعلاجات نمو الرموش وأمصال البشرة وغير ذلك. ظل البوتوكس وهو المعيار الذهبي، محمياً بتركيبة يصعب تقليدها، وموثوقة جداً، لدرجة أن المنافسين كانوا بطيئين في الظهور.
حين دخلت شركة “أبفي” المضمار في عام 2019، وكانت شركة “أليرجان” تبلغ قيمتها 54 مليار دولار، أي أكثر من 10 أضعاف قيمتها قبل عقد فقط. كانت شركة الأدوية تبحث عن زيادة في الإيرادات لتجنب فقدان براءات الاختراع لدواء التهاب المفاصل “هوميرا” الذي تبلغ قيمته 200 مليار دولار.
ما لم تأخذه “أبفي” في الاعتبار هو أن المنافسين قد بدأوا في تحدي هيمنة “أليرجان”. قال بيالا: “يطلب المرضى البوتوكس لأن هذا هو الاسم الذي يعرفونه، لكن معظم عملائي يحصلون على ”ديسبورت” (Dysport)، وهو منتج تملكه شركة الأدوية السويسرية “غالديرما” (Galderma)، وهو سم عصبي مشابه لبوتوكس لكنه يكلف أقل في عيادتها.
يلوم البعض الإدارة الجديدة في تراجع “أليرجان”. بعد الاستحواذ، فقدت بعضاً من الخدمة ذات الطابع الشخصي التي اشتهرت بها، وفقاً لأحد المديرين التنفيذيين السابقين الذي عمل في “أليرجان” قبل البيع، وطلب عدم كشف هويته لكونه يتطرق إلى عمله السابق.
فريق المبيعات بإمكانه أن يروج وأن يقوض
كانت ترسل، على سبيل المثال، رسائل نصية “عيد ميلاد سعيد” إلى الأطباء. يقول كثير ممن يعملون في حقن البوتوكس والفيلر الذين تحدثوا إلى “بلومبرغ بيزنس ويك” إن ممثلي مبيعات “أليرجان” لا يتواصلون معهم، أو في بعض الحالات لا يعرفون حتى من هم. قال متحدث باسم شركة “أبفي” إن الشركة لديها واحدة من أكبر فرق المبيعات التجارية وأكثرها خبرة في الصناعة.
في سوء تقدير آخر، جددت شركة “أبفي” برنامج ولاء محبوباً يقدم خصومات لمستخدمي البوتوكس و”جوفيديرم” المتكررين، ما جعل الأمر معقداً جداً لدرجة أن بعض العملاء ذهبوا إلى علامات تجارية أخرى.
النساء الأكبر سناً منجم الذهب المستقبلي لصناعة التجميل
في غضون أشهر، عادت الشركة إلى الإصدار القديم، وسرعان ما طردت المدير التنفيذي المسؤول عن ذلك، وفقاً لأشخاص مطلعين على القرار لكنهم غير مخولين بمناقشة الأمور الداخلية.
في يونيو، أخبرت الشركة المستثمرين أن التراجع ساعد البوتوكس في استعادة المعجبين؛ وتقول شركة “أبفي” إن البرنامج يضم حالياً أكثر من 8 ملايين عضو.
لكن البوتوكس ما يزال متخلفاً عن الركب. اتسع سوق السموم العصبية الإجمالي بنسبة 4% العام الماضي، وفقاً للجمعية الأميركية لجراحي التجميل. ومع ذلك، انخفضت حصة “أليرجان” من حوالي 75% قبل حوالي عشر سنوات إلى ما يقل عن الثلثين حالياً، وفقاً للشركة.
الاستخفاف بالمنافسين
قال سيغرمان من “بي إم أو”: “لقد استخفت شركة (آبفي) بالمكانة التنافسية لعلامة بوتوكس التجارية، فتركت المنافسين يغزون ساحتها”.
تؤكد “أبفي” أن “أليرجان إستيتكس” ما تزال الشركة الرائدة في سوق حقن الوجه، وأن عدد عبوات “بوتوكس كوزميتيك” التي تبيعها ما يزال ضعف عدد عبوات أقرب منافسيها.
أعلنت الشركة في بيان: “منذ الموافقة الأولية من إدارة الغذاء والدواء الأميركية على (بوتوكس كوزميتيك) عام 2002، تواصل (أليرجان إستيتكس) البحث عن منتجات التجميل الطبية وتصنيعها وبيعها، وهي تخضع لمراجعة واعتماد إدارة الغذاء والدواء والهيئات التنظيمية حول العالم. لدينا منهج تدريبي متين لمقدمي الخدمات المرخصين حول دواعي استعمالهم المعتمدة لتحقيق نتائج إيجابية للمرضى”.
كيف تحولت “دايسون” من إنتاج مكانس فاخرة إلى عملاقة تجميل؟
أما بالنسبة لسوق الفيلر، فقد توقف نموها بالكامل تقريباً بعد ازدهارها في السنوات الأخيرة، وفقاً للجمعية الأميركية لجراحي التجميل. شركة “أبفي” ليست الشركة الوحيدة التي تضررت، حين تحولت السوق. لكن مبيعاتها السنوية من “جوفيديرم” انخفضت بما يقرب من نصف مليار دولار منذ عام 2021.
رد الفعل العنيف مدفوع جزئياً بتغير الأذواق. فقد بات مظهر بيلا حديد بارز المعالم ومظهر “التقدم في السن برشاقة” (على غرار باميلا أندرسون بلا مكياج) أكثر رواجاً من الحصول على “وجه الوسادة” (المظهر الممتلئ الذي روجت له كيلي جينر).
أريانا غراندي، التي نسبت ذات مرة مازحة مسيرتها المهنية الصاعدة إلى “أصدقائها البوتوكس و(جوفيديرم)”، تراجعت منذ ذلك الحين عن الحقن، قائلة في برنامج تعليمي للمكياج صورته لمجلة “فوغ” إنها أصبحت “مبالغ فيها”.
روايات مرعبة عن نتائج غير متوقعة
لكن هناك أيضاً شعور بأن الناس لم يكونوا يعرفون حقاً ما الذي كانوا مقبلين عليه. ليس صعباً العثور على قصص رعب أينما توجهنا، فهناك مقاطع فيديو لشفاه تضخمت أضعاف حجمها الأصلي، وفحوصات بالرنين المغناطيسي تُظهر أن الفيلر لم يذوب خلال أشهر، أو سنوات، كما هو مُتوقع.
ويشارك آلاف الأشخاص قصصاً في مجموعات دعم “فيسبوك” عن حقن فاشلة من عدد من مقدمي الخدمات. وفي الحالات الأكثر تطرفاً، لم يحصل البعض على حشو طبي على الإطلاق، بل على نسخ مقلدة شوهتهم.
تحاول شركة “أبفي” تغيير هذا الواقع. وتشير أبحاثها إلى أن هناك 28 مليون شخص فكروا في الخضوع لعلاجات تجميلية للوجه، لكنهم لم يُقدموا على هذه الخطوة. وتأمل الشركة أن تكسب تأييد بعضهم من خلال الترويج لمنتجاتها على أنها “طبيعية”، برغم أنها في الواقع محبوبة لقدرتها على إيقاف مسار الطبيعة.
مستحضرات الوقاية من الشمس ما تزال تحتوي على مواد مرعبة
وفقاً لحملتها “على طبيعتك”، فإن حمض الهيالورونيك، المكون الرئيسي في معظم الحشوات الشائعة، هو مجرد “سكر ينتجه الجسم بشكل طبيعي”، والنسخة القابلة للحقن من الشركة “مصممة لمحاكاة حمض الهيالورونيك الذي ينتجه جسمك بشكل طبيعي”، وتستخدم “لتعزيز مظهرك الطبيعي بشكل دقيق”. وتصف حملة البوتوكس الجديدة نفسها بأنها “بطلة الأصالة”.
في حين تحاول “أبفي” مواكبة اللحظة، فإنها تتخلف عن منافساتها في مجال الجمال في ملاحقة الجمهور الطبيعي. في إعلان عام 2022 لمنتج “زيومين” من شركة “ميرتز فارما” (Merz Pharma) منافس بوتوكس، يقول جو جوناس، نجم فرقة الفتيان: “أهتم حقاً بما أضعه في جسدي… أريد شيئاً يجعلني أبدو كما أنا”>
قالت أليسون بارتون، وهي ممرضة ممارسة في عيادة جراحة تجميل في مدينة نيويورك، إن الناس غالباً ما يأتون ويسألون عن “زيومين” لأنهم سمعوا أنه يحتوي على مكونات أقل، ويجعلك تبدو أقل جموداً من البوتوكس. إنها تمنحهم ما يريدون لكنها تقول إن “المظهر الطبيعي، من تجربتي، له علاقة أكبر بكمية السم المحقونة وليس العلامة التجارية”.
تقول شركة “أبفي” إن “أليرجان إستثيكس” أطلقت حملة إعلانية عام 2021 تضم مرضى حقيقيين، بدل عارضات الأزياء. وقالت الشركة إنها استمرت في إبراز مرضى حقيقيين في حملاتها، بما في ذلك حملة (The One & Only Botox Cosmetic) التي تعمل اليوم.
مع منتج البوتوكس الجديد: “ترينيبوت إي”، تأمل “أبفي” في تمييز نفسها. يقول ميسينا، المدير التنفيذي للبحث والتطوير في شركة “أليرجان”: “إذا كنت قلقاً بشأن مظهر غير طبيعي، فغالباً لن يكون الحصول على منتج يدوم من ثلاثة إلى أربعة أشهر هو خيارك الأمثل”. من ناحية أخرى، يمكن أن “يبدأ مفعول” عقار “ترينيبوت إي” في غضون ثماني ساعات فقط بعد الحقن، ويبدأ مفعوله بالكامل في غضون أسبوع، وفقاً للدراسات. وفي أقل من شهر، يختفي مفعوله.
قال سيغرمان، المحلل في “بي أو إم”: “أنا متشكك… كل من أعرفه يريد أن يدوم مفعول البوتوكس لفترة أطول. من سيرغب بتلقي كل هذه الحقن لمجرد أن يدوم مفعوله لبضعة أسابيع؟”. في الواقع، لا يُرجح أن يصل “ترينيبوت إي” إلى مكانة البوتوكس الرائجة. لكن قوته الحقيقية تكمن في قدرته على أن يكون عتبةً. يقول ميسينا: “إذا أعجبك، فلنحدد موعداً لتعود وتتلقى (بوتوكس كوزميتيك)”.
المصدر : الشرق بلومبرج
