إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيسي، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
في رحاب أمّ اللغات
من بدائع الجِناس والتشبيه، قولُ أبي تمّام، يصف حَمامةً:
أتَضَعْضَعَتْ عَبَراتُ عَيْنِكَ إذْ دَعَتْ
وَرْقاءُ حينَ تَضَعْضَعَ الإظْلامُ
لا تَنْشِجنَّ لها فإنَّ بُكاءها
ضَحِكٌ وإنَّ بُكاءكَ اسْتِغْرامُ
هُنَّ الحَمامُ فإنْ كَسَرْتَ عَيافَةً
مِنْ حائهِنَّ فإنَّهنَّ حِمامُ
شبّه دموعه، بعد فراق محبوبته، بوَرْقاء، غادرت عشّها، لكنّ الفرق أنّ بكاءها شبيه بالضحك، وبكاءَه أسىً وشجن.
وقولُ جران العَوْد:
جَرى يَوْمَ جئنا بالجِمالِ نَزُفُّها
عُقابٌ وشَحَّاجٌ من البَيْنِ يَبْرحُ
فأمَّا العُقابُ فهو مِنها عقوبةٌ
وأمَّا الغُرابُ فالغَريبُ المُطَرَّحُ
جانس بين العُقاب والعقوبة، والغُراب والغُرْبة. والشحّاج هو الغراب إذا أسنَّ وغلظ صوته، وهو الشّحيج.
دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
يا مُنية النّفس
ابن خفاجة الأندلسي
(بحر البسيط)
يامُنيَةَ النَّفْسِ حَسْبِيَ مِنْ تَشَكّيكِ
أَنّي أُصابُ وكَفُّ الدَّهْرِ تَرْميكِ
ولَوْ تَسامَحَ خَطْبٌ في فِدائِكِ بي
لَكُنْتُ مَهْما عَرا خَطْبٌ أُفَدّيكِ
وكَيْفَ أُغْفي بِلَيْلٍ تَسْهَرينَ بِهِ
أَوْ أَستَسيغُ شَراباً لَيْسَ يُرويكِ
هُنَيْدَ أَوْجَعْتِ قَلْباً قَدْ أَقَمْتِ بِهِ
مابالُ طَرْفي وما يُدْريكِ يَبْكيكِ
فَرُبَّ لُؤلُؤِ دَمْعٍ كُنتُ أَذْخَرُهُ
عِلْقاً أُغالي بِهِ أَرْخَصتُهُ فيكِ
وإِن نَأى بِكِ رَبْعٌ غَيْرُ مُقتَرِبٍ
أَوِ احْتَواكِ حِجابٌ فيهِ يُقْصيكِ
فَإِنَّ كُلَّ نَسيمٍ خاضَهُ أَرَجٌ
رَسولُ شَوقٍ أَتى عَنّي يُحَيّيكِ
وَرُبَّما شَفَعَت لي غَفوَةٌ نَسَخَت
أُخْرى الظَّلامِ فَباتَ الطَّيْفُ يُدْنيكِ
من أسرار العربية
في تَقْسِيمِ السَّوادِ عَلَى أشْياءَ تُوصَفُ بِهِ: لَيْلٌ دَجوجِيٌّ. سَحابٌ مُدْلَهِمٌّ. شَعْرٌ فاحِمٌ. فَرَس أَدْهَمُ. عَيْنٌ دَعْجاءُ. شَفَة لَعْساءُ. نَبْتٌ أَحْوى. وَجْهٌ أَكْلَفُ. دُخانٌ يَحْمومٌ.
أخْطَبُ٤. أغْبَشُ. أَغْبَرُ. قَاتِم.
الغبش: ظُلمةُ آخِرِ اللّيْلِ أو بياضُها فيه كَدْرَةُ رَمادٍ.
والحاتِمُ: الغُرابُ الأسْوَدُ. السِّلابُ: الثَّوْبُ الأَسْوَدُ تَلْبَسُهُ المَرْأَةُ في حِدادِها. الوَيْنُ العِنَبُ الأسْوَدُ. الحالُ الطِّينُ الأسْوَدُ. الظِّلُّ. سَوادُ اللَّيْلِ. والسُّخامُ سَواد القِدْرِ، قال ابن مقبل:
كأنَّها حينَ يَنْضو النَّوْمُ مِفْضَلها
سَبِيكَةٌ لم تُنَقِّصْها المَثاقيلُ
أوْ بَيْضةٌ بَيْنَ أجْمادٍ يُقَلِّبُها
بالمِنْكَبَيْنِ سُخامُ الزَّفِّ إجْفيلُ
هفوة وتصويب
كثر لا يفرّقون بين حَسْب (بسكون السين)، وحَسَب (بفتحها)؛ والصواب: حَسْب: تأتي بمعنى لا غَيْر، وتُبْنَى على الضمّ؛ فنقول: «نالَ الطالبُ درجتَين فَحَسْبُ، أو وحَسْبُ». قال أبو الطيّب:
كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا
وحَسْبُ المَنايا أَنْ يَكُنَّ أَمانِيا
صَديقاً فَأَعيا أَو عَدُوّاً مُداجِيا
أما حَسَبُ (بفتحها) فمعناها: بمقدار، أو بمقتضى حساب كذا. وفِعلها هو: حَسَبَ يَحْسُبُ حِساباً وحُسْباناً أي عَدَّ وأحْصى. وعلى ذلك فَحسَبُ: بمقدار، ومقتضى حساب.
من حِكَم العرب
إِنَّ الحَياةَ قَصيدَةٌ أَعْمارُنا
أَبياتُها والمَوْتُ فيها القافِيَةْ
مَتِّعْ لِحاظَكَ في النُّجومِ وحُسْنِها
فَلَسَوفَ تَمْضي والكَواكِبُ باقِيَةْ
البيتان لإيليا أبي ماضي، يقول فيهما إنّ هذه الحياة كقصيدة شعر، ونهايتها، مثل قافيتها، فحاول أن تستمتع بكل حسناتها، لأن كل شيء باقٍ بعد رحيلك عنها.
المصدر : صحيفة الخليج
