هل تهز شركة صينية عروش شركات مثل “لوريال” و”إيستي لودر”؟

هل تهز شركة صينية عروش شركات مثل “لوريال” و”إيستي لودر”؟

يقع المقر الرئيسي لشركة ”برويا كوزمتيكس“ (Proya Cosmetics) لمستحضرات التجميل في هانغجو، بمقاطعة تشجيانغ، على بُعد خطوات من مكاتب شركة التقنية المالية الناجحة التابعة لشركة ”علي بابا“.

قال الملياردير جونتشنغ هو، المؤسس المشارك ورئيس مجلس إدارة ”برويا“: “اشترينا منشآت في الموقع نفسه، ومنشأتهم أعلى ارتفاعاً بقليل. في الصين، نقول إن الماء عندما يتدفق من أرض مرتفعة، فإنه يحمل معه الرخاء. لذا، فإن كل مياه الرخاء في (علي بابا) تتدفق إلى (برويا)“.

هذا القرب ليس مادياً فحسب: لقد ارتبط صعود ”برويا“ الصاروخي لتصبح أكبر شركة تجميل في الصين ارتباطاً وثيقاً بالنظام البيئي الواسع للتجارة الإلكترونية لشركة ”علي بابا غروب هولدينغ“. يأتي حوالي 95% من مبيعات ”برويا“ من منصات عبر الإنترنت مثل ”تيمول“ (Tmall) و“تاوباو“ (Taobao) اللتين تملكهما “علي بابا”، إذ أتقنت الاستراتيجيات الرقمية التي ما يزال كثير من المنافسين الأجانب يكافحون ليكرروها في سوق التجميل الصينية وحجمها تريليون يوان (140 مليار دولار).

“لوريال” تتوقع زيادة سوق التجميل بنحو 20 مليار دولار سنوياً

يتمثل التحدي التالي الذي تواجهه ”برويا“ في التوسع خارج نطاق حصورها الضخم عبر الإنترنت على تطبيقات ومواقع مثل ”دويين“ (Douyin)  و“جيه دي دوت كوم“ (JD.com)، بالإضافة إلى الصيدليات الصينية والأسواق الحرة، حيث تعمل في الغالب، إلى المتاجر الكبرى الراقية.

كما تسعى إلى مواجهة تكتلات غربية حكمت عالم التجميل الراقي لفترة طويلة. هو، الذي بلغ من العمر 60 عاماً، قال عبر مترجم خلال رحلة عمل حديثة إلى باريس: “لا نريد أن نكون مجرد (برويا) الصينية. نريد أن نكون (برويا) العالمية”.

شركات آسيوية تخترق ساحة كانت مغلقة

على مدى جزء كبير من القرن الماضي، كانت باريس ونيويورك تُعتبران عاصمتي الجمال العالميتين بلا منازع، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى ”لوريال“ و“إستي لودر“ ومحافظهما الرائعة من المنتجات الفاخرة والعلامات التجارية الشهيرة.

في الآونة الأخيرة، بدأت شركات آسيوية مثل شركة ”شيسيدو“ (Shiseido) اليابانية، التي تملك علامات تجارية منها ”نارس كوزمتيكس“ (Nars Cosmetics) و“درنك إليفانت“ (Drunk Elephant)، وشركة ”أمورباسيفيك“ (Amorepacific) الكورية، المعروفة بمنتجات ”لانيج“ (Laneige) و“كوسركس“ (Cosrx)، في توفير حصة كبيرة من سوق مستحضرات التجميل العالمية.

مليارا دولار جناها “بائع أحمر الشفاه” في يوم واحد

واجهت الصين صعوبة أكبر في اقتحام هذا المجال. فقد ارتبطت عبارة “صُنع في الصين” لعقود من الزمن بمنتجات منخفضة التكلفة ومنخفضة الجودة في أذهان المستهلكين.

 يتصور هو نفسه قوة في تغيير هذه الصورة النمطية إلى جانب ما يُسمى بقادة الجمال الصيني الآخرين، وهو عازم على جعل الابتكار الصيني وتقاليد العناية الذاتية توازي الساحة العالمية. قال: “يحتاج سوق التجميل إلى مشاركة الجميع”. لا ينبغي أن يعتمد الأمر على شركة واحدة أو عائلة واحدة أو مجموعة واحدة تسعى للهيمنة على العالم بأسره.

في ”برويا“، أول شركة تجميل صينية تُعلن عن مبيعات سنوية تتجاوز حاجز 10 مليارات يوان -وهو عتبة ذات دلالة رمزية بلغتها العام الماضي- هناك خطط طموحة وإن كانت غامضة للتوسع العالمي. 

دخول سوق أوروبا عبر الاستحواذ على علامات غربية

أولاً: تهدف “برويا” إلى الاستحواذ على علامات تجارية أوروبية قائمة يُمكنها البيع عبرها في أوروبا وطرحها في الصين والأسواق الآسيوية الأخرى. قال هو: “يمكن لعلامة تجارية تُحقق 30 مليون يورو في أوروبا أن تصل إلى 100 مليون يورو بدعمنا في الصين“.

ينفق المستهلكون المحليون حوالي 50 يورو (58 دولاراً) سنوياً على منتجات التجميل، مقارنةً مع حوالي 400 يورو في أوروبا- وهي فجوة تشير، في رأيه، إلى إمكانات هائلة غير مستغلة في سوقه المحلية.

تُولي ”برويا“ اهتماماً خاصاً بعلامات التجميل الأوروبية في الفئات التي لا تتواجد فيها، ومن ذلك العطور، ومنتجات العناية الشخصية للرجال، ومنتجات العناية بالأطفال.

هبوط شعبية الفيلر والبوتوكس يحرج “أبفي” في سوق التجميل

يُساعد في تمويل الاستراتيجية طرح عام مزمع في هونغ كونغ، بالإضافة إلى إدراجها الحالي في بورصة شنغهاي. وقد رفضت الشركة التي يمر إدراجها بفترة سكون التعليق.

على المدى الطويل، تأمل ”برويا“ أيضاً بأن تبيع منتجاتها الخاصة في الأسواق الغربية، لكن هو يقرّ بأن ذلك سيستغرق وقتاً أطول. في الخريف الماضي، افتتحت الشركة أول مركز ابتكار خارجي لها في باريس لدعم أهدافها التوسعية، بالإضافة إلى مرافقها البحثية في هانغجو وشنغهاي.

يركز مختبرها الفرنسي على أبحاث مكافحة الشيخوخة والعناية بالبشرة الحساسة وتبييض البشرة، وهي فئة مربحة في الصين واليابان وكوريا وأجزاء من جنوب شرق آسيا، إذ غالباً ما يرتبط الجلد الفاتح بالشباب والنقاء والرقي.

(في عام 2020، وسط رد فعل عالمي على التمييز على أساس اللون والتحيز العنصري في صناعة التجميل، أعادت بعض الشركات تسمية هذه الكريمات بأنها تقدم “تفتيحاً” للبشرة، وليس تبييضاً).

توسع كبير في الإنفاق على الأبحاث

تضاعفت نفقات البحث والتطوير في ”برويا“ ثلاث مرات تقريباً على مدى السنوات القليلة الماضية، وعيّنت بعض الموظفين الكبار ذوي الخبرة الدولية، ومنهم ليف ديكلرك، التي قضت جزءاً كبيراً من حياتها المهنية في ”إستي لودر“، كرئيسة للابتكار في مختبر باريس.

قالت ديكليرك إنها لم تسمع بشركة ”برويا“ قبل أن تتواصل معها سعياً لتوظيفها. أضافت: “تعرفت على عملهم وتبادر لي أن هذا شيء مختلف تماماً”. من أهم الاختلافات التي لاحظتها كانت سرعة ”برويا“ في مواكبة أحدث التوجهات، مقارنةً بالوتيرة البطيئة أحياناً للشركات التقليدية. قالت: “سرعة الابتكار في الشركات الصينية أسرع بكثير منها في شركة أميركية“.

مع ذلك، لم يكن كل شيء وردياً في ”برويا“. بعد سنوات من التوسع السريع، مع ارتفاع الإيرادات بأكثر من الثلث في كل من عامي 2022 و2023، تباطأ زخم الشركة، ما يسلط الضوء على مدى صعوبة الحفاظ على نمو مرتفع حتى بالنسبة لأقوى العلامات التجارية الصينية للجمال بعد الوصول إلى حجم معين. 

على الرغم من أن أسهم شركة مستحضرات التجميل ارتفعت أربعة أضعاف عن سعر طرحها الأول في شنغهاي في عام 2017، إلا أنها تنخفض في عام 2025، ويرجع ذلك جزئياً إلى ضعف الاقتصاد الصيني وارتفاع معدل البطالة بين الشباب.

بيل ددلي: تعريفات ترمب الجمركية أسوأ مما كنت أتخيل

في الوقت نفسه، أعاقت التوترات التجارية للرئيس دونالد ترمب مع الصين التطلعات طويلة الأجل للبيع في السوق الأميركية. قال هو، وهو يختار كلماته بعناية: “إذا توترت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، فإن الاستثمار وتطوير الأنشطة التجارية يصبحان غير مواتيين… هذا كل ما يمكنني قوله في هذا الشأن“.

لحسن الحظ، قد يعكس الركود الطويل في قطاع التجزئة في الصين مساره. فقد أعلنت كثير من شركات السلع الاستهلاكية في أميركا الشمالية وأوروبا عن تحسن في نتائج أعمالها في الصين هذا الخريف، وتسير البلاد على الطريق الصحيح لتحقيق هدف الحكومة لنمو الاقتصاد بنسبة 5%.

بمجرد أن يستأنف المتسوقون في الصين الإنفاق بمستويات أعلى، يشعر هو بالتفاؤل بأنهم سيشترون مزيداً من العلامات التجارية المحلية أكثر من أي وقت مضى. لقد استحوذ اللاعبون المحليون بقوة على حصة سوقية من المنافسين الدوليين في السنوات الأخيرة، ويسيطرون الآن على ما يقرب من نصف سوق مستحضرات التجميل في الصين.

“تيك توك” يجعل من لصقات للبثور صيحة تجميل

تعجّ وسائل التواصل الاجتماعي الصينية بمقاطع فيديو لمتسوقين يستبدلون أمصال مكافحة الشيخوخة الأوروبية باهظة الثمن بمنتجات محلية الصنع مثل كريم الوجه ”روبي“ من ”برويا“.

يعزو هو هذه المكاسب إلى الجهود الصينية للحفاظ على انخفاض الأسعار من خلال إعطاء الأولوية للكمية والجودة على الربحية قصيرة الأجل، على غرار النموذج الذي نشره مصنعو السيارات الكهربائية في البلاد.

تملك ”برويا“ تسع علامات تجارية، بما في ذلك خط مستحضرات التجميل ”تيماج“، وعلامة تجارية للعناية بالشعر منتجات “أوف آند ريلاكس” للعناية بالبشرة، بأسعار في متناول شريحة واسعة من المستهلكين الصينيين.

تقول لو لو، وهي عارضة أزياء معجبة بمنتجات ”برويا“: ”إن (برويا) بالتأكيد خيار ممتاز. ما أنفقته على منتج واحد من علامة تجارية أجنبية يكفيني لشراء عدة منتجات من (برويا). أستطيع شراء تونر ولوشن وكريم وسيروم معاً”.

أضافت الشابة العشرينية: “في عام 2021، كنا أنا ومعظم صديقاتي نستخدم العلامات التجارية العالمية الكبرى، لكن كثيراً منا تحول إلى العلامات التجارية الصينية. بعد تجربة هذه العلامات التجارية العالمية لفترة، أدركنا أنها ليست بتلك الجودة. أنا مستعدة لاختيار العلامات التجارية المحلية كخيارات أولى. ففي النهاية، المال لا ينبت كأوراق الشجر“.

في هذه الأثناء، يواصل هو التخطيط لمستقبل شركته التي تسيطر عليها عائلته، والتي يملك منها حصة تبلغ حوالي 35%. في سبتمبر 2024، عيّن ابنه يامينغ هو، وهو مسؤول تنفيذي في ”برويا“ سنه 36 عاماً، مديراًِ عاماً، ليحل محل المؤسس المشارك يويو فانغ، الذي تنحى عن منصبه لأسباب شخصية ولكنه ما يزال يقدم المشورة لمجلس الإدارة ويحتفظ بحصة 15%. قال هو: “يدير ابني الجانب التشغيلي من العمل، وما أزال مسؤولاً عن استراتيجية الشركة”.

هذا بعيد كل البعد عن ما كان عليه حال هو في عام 1982، عندما اضطر حين كان سنه 18 عاماً، إلى العمل في إصلاح قطع غيار السيارات للمساعدة في إعالة والدته بعد وفاة والده فجأةً.

بعد نحو عقد، طلبت منه شقيقاته الأربع الأكبر سناً، اللاتي أنشأن شركةً لتوزيع منتجات التجميل في مركز ييوو الصناعي بمقاطعة تشجيانغ، أن يدير العلاقات الخارجية و التواصل مع المصنّعين.

بعد سنوات من توزيع منتجات شركات أخرى، بدأ هو يشعر بالقلق. قال: “أدركتُ أنه لا يمكنك التحكم في مصيرك حقاً عندما تبيع ما يصنعه الآخرون”. انتقل إلى هانغجو، مصمماً على إطلاق علامته التجارية الخاصة في مجال التجميل، بدءاً بخط ”أوشن أكتيفيشن“ (Ocean Activation) المضاد للشيخوخة. تُقدّر قيمة شركته الآن بحوالي 4 مليارات دولار. قال: “كان عليّ أن أسعى للتحكم في مصيري بنفسي”.

المصدر : الشرق بلومبرج