عندما سُئل رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر مراراً عما إذا كانت راشيل ريفز ستظل وزيرة خزانته طوال مدة البرلمان، قرر عدم الرد على هذا السؤال وقال أحد حلفائه “رأيه كان أنه لا يريد الانجرار وراء هذه التفاهات، وكان يعتقد أن هذا نوع من الأسئلة سخيف ولا يريد الدخول فيه”.

وبدلاً من ذلك اختار ستارمر دعم ريفز قائلاً إنه “يثق بها” وأنه يعتقد أنها تقوم بعمل رائع، لكن حال الأسواق المشتعلة وزيادة التكهنات حول مستقبل ريفز جعلت صمت رئيس الوزراء في شأن الأمر يصبح قضية في حد ذاته.

واليوم تواجه وزيرة الخزانة واحدة من أصعب أسابيعها في منصبها، فخلال عطلة نهاية الأسبوع سافرت إلى بكين في رحلة مخططة مسبقاً، بينما وصلت كلفة اقتراض الحكومة البريطانية إلى أعلى مستوياتها خلال 30 عاماً، حتى إن بعض الوزراء في الحكومة قارنوا وضعها بدينيس هيلي الذي ألغى رحلة إلى هونغ كونغ عام 1976 قبل أن يصعد الطائرة للعودة للندن لمواجهة أزمة الجنيه الإسترليني، وهذا التشبيه غير عادل، فمنذ أن عاودت الأسواق فتح أبوابها يوم الإثنين من هذا الأسبوع لم تظهر أي بوادر للاستقرار، إذ استمرت كلفة الاقتراض في الارتفاع وواصل الجنيه الانخفاض.

ضربة قاسية للنمو الاقتصادي

وتواجه وزيرة الخزانة مزيداً من الأخبار الصعبة مع توقع صدور أرقام جديدة تظهر أن التضخم لا يزال عند 2.6 في المئة خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أي فوق الهدف الذي وضعه بنك إنجلترا والبالغ اثنين في المئة، وهناك الآن مخاوف من أنه قد يتجاوز ثلاثة في المئة خلال الربيع، مما يقلل احتمال حدوث خفوض أعمق في أسعار الفائدة هذا العام، وهو ضربة لـ 1.8 مليون مالك منزل يستعدون للانتقال من عقود الرهن الثابت.

وقال ستارمر إنه بالنظر إلى حجم المهمة التي تواجه حكومته عند توليها المنصب فلم يكن بإمكان أحد أن يتوقع منهم تحويل الاقتصاد في غضون ستة شهور، لكن الأسواق تتبنى وجهة نظر مختلفة.

ويُرافق تنصيب دونالد ترمب الإثنين المقبل تهديده بفرض تعرفات جمركية شاملة على الواردات الأميركية، وهو ما قد يكون له تداعيات كبيرة على بريطانيا واقتصادها، وإذا فشل ستارمر وريفز في تأمين استثناءات فإن أي آمال في تحقيق نمو اقتصادي مستدام ستتلقى ضربة قاسية.

وفي حين يزداد قلق نواب حزب العمال من أن ريفز هي من صنعت مصائبها بنفسها، فبعد أن وضعت نفسها في موقع “وزيرة النمو” قبل الانتخابات فرضت موازنتها زيادات ضريبية ضخمة على الشركات، ويقولون إن تحذيراتها القاسية في شأن حال الاقتصاد كانت فعّالة بصورة مفرطة مما جعل المتداولين يعتقدون أن بريطانيا هي “حال ميؤوس منها” ولا يمكن إصلاحها.

وقال أحد مساعدي الوزراء لصحيفة “تايمز” إن “لديها من ستة شهور إلى عام الآن لتحسين الاقتصاد، وستارمر لديه تاريخ في التظاهر بالثقة في أن الأمور لن تتغير، ثم فجأة يغير كل شيء عندما يدرك أن الوضع لا يعمل، وهو لن يترك الأمور تنزلق إلى حال من الفتور”.

وهناك من يشعرون بالقلق حيال التزام ريفز الواضح بتغطية أي عجز في الموازنة من خلال تقليص النفقات، وحتى الآن كانت الانتقادات العامة مقتصرة على نواب حزب العمال اليساريين مثل ديان آبوت وكيم جونسون وجون ماكدونيل، ومع ذلك يرفع عدد كبير من نواب حزب العمال الذين يُفترض أنهم مخلصون علناً مخاوفهم في الخفاء، وقالوا “يبدو أن ريفز سلمتنا مجموعة من القواعد المالية التي تعني أننا نعود للتقشف بغير اسمه، وفكرة أننا سنعمل على استقرار الاقتصاد من خلال خفض موازنة المجالس والرعاية الاجتماعية لا تلقى استحسان الناس”.

وقبل الانتخابات كان فقدان ريفز وظيفتها أمراً غير قابل للتصور، واليوم أصبح الأمر في مناقشة مفتوحة وسط حديث عن بدائل محتملة مثل مستشار دوقية لانكستر، بات مكفادن، ووزير الصحة ويز سترينغ.

ريفز استخدمت موازنة ليز تراس المصغرة

ومع تصاعد الأصوات المطالبة بإزاحتها، ليس فقط من الحزب المعارض والأحزاب الأخرى بما فيها حزبها، دافعت ريفز عن نفسها واختارت أن تلقي بياناً في مجلس العموم حول رحلتها إلى بكين في محاولة للتصدي لمنتقديها وإظهار قوتها، وفي بيان مليء بالتحدي رفضت أي انتقاد بإسهامها في الأزمة مُلقية باللوم على “الشكوك الاقتصادية العالمية” التي تسببت في ارتفاع كلفة الاقتراض.

وبدلاً من أن تبدو مهزومة كانت ريفز متعالية علناً تجاه منتقدي حزب المحافظين، إذ كانت تضحك في بعض الأحيان مع أنغيلا راينر وزملائها في الحكومة بينما كان النواب المعارضون يهاجمونها، بحسب صحيفة “تايمز”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت المتحدثة باسم حزب العمال ميل سترايد التي اقترحت عليها الاستقالة، إن ريفز استخدمت موازنة ليز تراس المصغرة لرد الانتقادات من قبل “المحافظين”، مضيفة أنه “ليس من المعقول أن يُقال إن السبب في ارتفاع عوائد السندات في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا هو القرارات التي اتخذتها هذه الحكومة الآن، فهي غير جادة لأنها لم تقدم أي بدائل”.

وأطلق الوكلاء والمساعدون الوزاريون حملة “التفاف حول راشيل” لضمان وجود عدد كبير من النواب المتعاطفين في القاعة لطرح أسئلة داعمة، في حين يعتقد كثيرون في حزب العمال أن الأسئلة حول منصب الوزيرة ضخمت من قبل وسائل الإعلام، وقال أحد النواب البارزين إن ريفز “تحظى بتقدير كبير”، مشيراً إلى أن الشكاوى هي ببساطة نتيجة العدد الكبير من النواب الجدد، ومضيفاً “أعتقد أن الاضطراب حقيقي بالنسبة إلى أولئك الجدد في المجال، لكنني لا أعتقد أنه بداية العد التنازلي لإقالتها”.

وتظل الأسواق غير رحيمة فيما تشكل رئاسة ترمب أخطاراً حقيقية على اقتصاد بريطانيا، وبالنسبة لريفز فقد تسوء الأمور قبل أن تتحسن، وفق تقرير الصحيفة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية