هل تعتقدون أن زوكربيرغ يتخلى عن حلم ميتافيرس؟

هل تعتقدون أن زوكربيرغ يتخلى عن حلم ميتافيرس؟

ينتشر شعور بالرضا الزائف على الإنترنت كلما أشارت التقارير إلى أن رؤية مارك زوكربيرغ للميتافيرس في مأزق. وهذا ما حدث الأسبوع الماضي عندما كشف زميلي كورت فاغنر عن نية شركة ”ميتا بلاتفورمز“ خفض نفقات قسم مختبرات الواقع، المسؤول عن هذه التقنية التجريبية، بنسبة تصل إلى 30%.

علّق هنري بلودجيت، المعروف بترويجه لأسهم شركات الإنترنت الفاشلة، قائلاً: ”وأخيراً، لقد كانت محاولة حسنة، والآن، فلننتقل إلى أمور أخرى”. وصفت صحيفة وول ستريت جورنال هذا القرار بأنه “تحول” عن “رؤية استمرت لسنوات”. وهتف المستثمرون ابتهاجاً. وكتب محللو شركة ”تي دي سيكيوريتيز“ (TD Securities): “قد تُعوّض التخفيضات المحتملة في التكاليف جزئياً الإنفاق التاريخي على بناء البنية التحتية للذكاء الاصطناعي لشركة (ميتا)“، مقدرين وفورات في التكاليف تتراوح بين 5 و6 مليارات دولار. وأغلقت أسهم ميتا الأسبوع مرتفعة بنسبة 4% تقريباً.

زوكربيرغ يتجه لتقليص إنفاق “ميتا” على رهان “ميتافيرس”

لكن هذا ليس تحولاً عن الميتافيرس. إنها عملية إعادة تسمية. وللمرة الثانية، أعاد الرئيس التنفيذي لشركة ”ميتا“ صياغة طموحاته لجعل إنفاقه أكثر قبولاً لدى وول ستريت، وقد نجحت هذه الخطوة.

لطالما نُظر إلى الميتافيرس على أنه أكثر مشاريع زوكربيرغ جنوناً. فقد خسر 71 مليار دولار منذ عام 2021 دون تحقيق نتائج تُذكر. لم تشحن الشركة سوى أقل من مليون سماعة رأس ”كويست“ (Quest)، التي تُعتبر بوابة الميتافيرس، على مستوى العالم في الربع الثاني من هذا العام.

أما منصة ”هورايزون ورلدس“ (Horizon Worlds) التابعة لشركة ”ميتا“، وهي مساحة افتراضية للعيش والتفاعل، تبدو موحشة. وقد علّق موقع (The Verge) الإخباري التقني ساخراً: ”عدد اللاعبين الجاهزين: لا يوجد”.

إصرار على الهدف “الجنوني”

لكن لو كانت السخرية وضعف المبيعات كافيين لثني زوكربيرغ عن شغفه بمشروعه هذا، لكان قد تخلّى عنه منذ سنوات. إن اعتبار التخفيضات الوشيكة – التي تعد جزءاً من إجراءات التقشف الأوسع نطاقاً لدى ”ميتا“ – دليلاً على تغيير رأيه سيكون خطأً، أو سوء فهم لهدفه المتمثل في بناء الجهاز “الواحد” الذي سيجعلنا نعيش يوماً ما في عالم الميتافيرس.

حدث تطوران مهمان خلال العامين الماضيين أثّرا على تفكير الشركة ودفعا إلى هذه التخفيضات المخطط لها.

إنفوغراف: ماذا أضافت “ميتافيرس” لزوكربيرغ؟

أولهما كان فشل دخول شركة ”أبل“ إلى هذا القطاع. لم تُقدّم الشركة التي تصنع هواتف ”أيفون“ أي ابتكار تقني حقيقي لم يسبق لفريق مختبرات الواقع الافتراضي التابعة لشركة ”ميتا“ أن حلّ مشاكله، ولا أي استخدامات إبداعية غير مسبوقة. مع ذلك، كانت واجهة المستخدم الخاصة بها أجمل وبديهية بقدر أكبر. وقد عيّنت ”ميتا“ حديثاً المدير التنفيذي الذي كان المسؤول عن تطويرها.

ثانيهما كان الأداء القوي لنظارات ”راي بان“ الذكية من ”ميتا“. أعلنت شركة ”إيسيلور لوكسوتيكا“ (EssilorLuxottica)، التي صنعت الجهاز، في أكتوبر أنها تستعد لشحن ما يصل إلى 10 ملايين وحدة سنوياً. وقد استحوذت ”ميتا“ على حصة تقارب 3% في الشركة.

منافسة أضعف تعني إنفاقاً أقل

أشارت هذه الأحداث لشركة ”ميتا“ إلى إمكانية خفض الإنفاق على البحث والتطوير، الذي كان قد تم رفعه بحذر تحسباً لمنافسة شرسة وطويلة الأمد مع ”أبل“ في مجال الواقع الافتراضي والمختلط عالي الجودة. هذه المنافسة، التي يمكن أن تتحول إلى حرب ضروس بين أجهزة الألعاب، لم تحدث. بدلاً من ذلك، تستطيع ”ميتا“ التركيز على منتج يبدو أن المستهلكين يرغبون به (النظارات) بدلًا من منتج لا يرغبون فيه (سماعات الرأس).

هذا يغير مسار العمل، لكنه لا يغير الهدف النهائي. في البداية، كانت خطة زوكربيرغ هي إعطاء الأولوية لسماعات رأس كبيرة الحجم وكاملة الميزات، التي يمكنه لاحقاً تصغير حجمها، على غرار مسار الحوسبة الشخصية.

“أبل” تستكشف دخول مجال النظارات الذكية لمنافسة “ميتا”

لكن المستهلكين يُخبرونه بوضوح أنه يجب أن يبدأ بأصغر حجم ممكن، حتى لو كانت إمكانياته أدنى، وأن يعمل على إضافة الميزات لاحقاً. في النهاية، وكما أكد زوكربيرغ لأكثر من عقد، سيأتي الوقت الذي يمكن فيه تحقيق الواقع المختلط الكامل – الميتافيرس – في نظارة لا يمكن تمييزها عن النظارات العادية.

لتحقيق كل هذا، أنشأ زوكربيرغ استوديو تصميم جديد داخل الشركة. وكتب الأسبوع الماضي: “فكرتنا هي التعامل مع الذكاء كمادة تصميم جديدة”. يوم الجمعة، أعلنت الشركة استحواذها على شركة ”ليمتليس“ (Limitless) المتخصصة في الذكاء الاصطناعي القابل للارتداء، مقابل مبلغ لم يُفصح عنه.

تصنع الشركة قلادة قابلة للارتداء تُسجّل المحادثات وتُحلّلها. يُتيح هذا التركيز على الذكاء الاصطناعي في تطوير الأجهزة القابلة للارتداء لزوكربيرغ غطاءً إضافياً لمواصلة العمل على الميتافيرس مع إبقاء المستثمرين بعيداً. قال العام الماضي: “النظارات هي الشكل الأمثل لكل من الذكاء الاصطناعي والميتافيرس”. لا شيء في عمليات التسريح المقبلة يشير إلى أنه يغير رأيه اليوم.

إن توقع تخلي زوكربيرغ عن الميتافيرس يشبه توقع توقف إيلون ماسك عن النشر عبر منصة ”إكس“ (X). صحيح أن الأمر مُحرج أحياناً، وصحيح أنه كلّف شركة ”ميتا“ مبالغ طائلة، وصحيح أن المستثمرين يُفضّلون توقفه. لكنّه لا يستطيع كبح جماحه: فهناك عالم خيال علمي، وطالما هو يدير شركة ”ميتا“، فإن زوكربيرغ مصمم على الوصول إليه.

إذا ثبتت صحة كلامه، فتعالوا لتشاهدوا منتقديه وهم يقولون إنهم آمنوا به طوال الوقت.

المصدر : الشرق بلومبرج