مع طول أمد الحرب المندلعة في السودان لأكثر من 21 شهراً تفاقمت الأوضاع الإنسانية التي يعيشها النازحون الفارون من ويلات الصراع بحثاً عن الأمن والحياة، وبات الموت يحاصرهم ويهددهم من جديد، لكن هذه المرة بالجوع وسوء التغذية، إذ تضاعفت معاناة الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل في معسكرات النزوح واللجوء بإقليم دارفور بسبب النقص الحاد في الغذاء وتوقف المساعدات الإنسانية.

وبين وطأة الأزمات الإنسانية وضعف الرعاية الصحية وجد سكان المعسكرات أنفسهم في مواجهة أخرى أشد ضراوة مع الأمراض بخاصة مع دخول فصل الشتاء، فضلاً عن توقف العمل في كثير من المستشفيات التي وصلت حتى الانهيار، وكذلك عجز المرضى عن شراء الأدوية المنقذة للحياة، مما خلف مئات المصابين وأدى إلى وفاة العشرات.

 

وجبة واحدة

يقول المواطن السوداني إسحاق حامدين الذي يقيم في معسكر “كساب” شمال دارفور إن “النازحين واللاجئين يعيشون أوضاعاً مزرية، خصوصاً بعدما ضربت موجة برد الإقليم، حيث دهم الجوع معظمهم، وتدهورت الأحوال المعيشية بصورة تضعهم في مواجهة الموت البطيء تضوراً، إضافة إلى تفشي الأوبئة وانعدام الرعاية الصحية والأدوية والغذاء”. وأضاف حامدين أن “الأطفال والمسنين فقدوا جزءاً كبيراً من أوزانهم بسبب تناولهم وجبة واحدة في اليوم، ويقتات كثر على بعض المنتجات الزراعية، وهناك آخرون يعتمدون على البقوليات ولا يجدون رغيف خبز منذ أشهر عدة بسبب انعدام الدقيق”، ونوه بأن “حالات الإصابة بأمراض الحميات وسوء التغذية والملاريا ارتفعت بصورة ملحوظة، إلى جانب انتشار الالتهابات الرئوية وسط الكبار والنساء الحوامل، فضلاً عن انعدام الرعاية الصحية”.

ولفت النازح في معسكر “كساب” إلى أن “أكثر ما يفتقدونه هو المواد الغذائية والأدوية، لأن بعض الأسر نفدت مدخراتها المالية ولا تستطيع تدبير الوجبات لأطفالها، علاوة على عدم إمكانية شراء العقاقير الطبية”.

 

ضعف المناعة

وأفاد محمد ديدان وهو أحد النازحين في معسكر “زمزم” بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، من جهته بأن “النازحين واللاجئين أصبحوا مكشوفين أمام موجات الجوع المستشري بصورة مخيفة، علاوة على تزايد معدلات الوباء بسبب موجة البرد، ونتيجة لهذه الأوضاع حصد ضعف المناعة وسوء التغذية أرواح الأطفال وكبار السن على وجه الخصوص”، وأشار ديدان إلى أن “سكان معسكرات الإيواء في إقليم دارفور كانوا، خلال أكثر من عام ونصف العام، يسدون الفجوة في الغذاء الجماعي بالتجمع وتشارك الوجبات كل بحسب ما يملك من كمية ونوعية طعام، لكن التعثر المادي أدى إلى توقف هذه المبادرات بصورة كاملة”. ولفت النازح السوداني إلى أن “انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت وصعوبة الحركة بسبب ارتفاع الأخطار الأمنية أدى إلى تضاؤل جهود الدعم وصولاً إلى الأوضاع الشديدة الخطورة، التي يواجهها السكان بسبب القصف العشوائي والمتعمد على مدينة الفاشر في ظل المعارك المستمرة بين الجيش وقوات ’الدعم السريع‘”.

 

أوضاع مزرية

وأوضح المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور آدم رجال أن “الأوضاع الإنسانية الراهنة في مخيمات النزوح ومراكز الإيواء والمجتمعات المستضيفة صعبة ومزرية للغاية، ولا يمكن وصفها بأي صفة سوى أنها كارثية، إذ يضطر الجوعى إلى أكل أوراق الأشجار للبقاء على قيد الحياة”، وأضاف أن “مخزونات الأغذية استنفدت تماماً بالنسبة إلى الصغار والكبار معاً، وأسهم خروج منظمة أطباء بلا حدود، آخر المنظمات التي كانت تكافح سوء التغذية وسط الأطفال بمعسكر زمزم، في تفاقم المعاناة”، وكشف رجال عن أن معسكرات النازحين بدارفور تشهد وفيات بمتوسط 20 إلى 25 حالة وفاة في اليوم الواحد، ولا سيما من قبل الأطفال والنساء الحوامل والأمهات والعجزة والمسنين وذوي الحاجات الخاصة، بسبب سوء التغذية الحاد وشح الغذاء وانعدام الدواء والعلاج، بينما لم يصلهم إلا قدر قليل جداً من المساعدات وفي حالات نادرة، منذ اندلاع الحرب الراهنة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انعدام الرعاية

في السياق أشار الطبيب المتطوع بمعسكر “أبو شوك” نجم الدين بحر إلى أن “معسكرات النزوح واللجوء تتفشى في أوساطها أمراض سوء التغذية التي تؤدي إلى فقدان المناعة، كذلك فإن توقف عمل المنظمات العاملة ومغادرتها أسهم في غياب الدعم وعدم وجود مساعدات إنسانية، وبدأ الجوع يفتك بالأطفال وكبار السن بصورة مرعبة، مما يدعو إلى الأسى والحزن، ويموتون بأعداد متزايدة في ظل غياب تام للرعاية الصحية وعدم توافر الوجبات الغذائية”. وتابع “السكان الذين فروا من مدينة الفاشر يعيشون في العراء بانتظار مواد إغاثية وخيام تقيهم البرد القارس، واضطر الفارون من ويلات الصراع إلى أكل العشب وعلف الحيوانات وإطعام الصغار ورق الأشجار المغلي بالماء كحساء لإبقائهم على قيد الحياة”.

ودعا بحر طرفي الحرب “إلى التعاطي مع حقيقة أن عشرات الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن يواجهون خطر الموت بالجوع والمرض، ما لم تتم إجراءات عاجلة لتدارك هذا الوضع غير الأخلاقي، لإنقاذ النازحين واللاجئين في معسكرات إقليم دارفور”.

تفاقم المعاناة

على صعيد متصل أوضحت الناشطة في المجال الإنساني مواهب سليمان أن “موجة البرد في معسكرات النازحين ضاعفت من المعاناة والغالبية عاجزة عن شراء المستلزمات الأساس للوقاية في فصل الشتاء، إذ داهم الجوع الجميع، ونخشى من تفشي الأوبئة في ظل انعدام الأدوية والغذاء”، ولفتت إلى أن “بعض النازحين يعتمد على مدافئ تقليدية من الحطب والفحم على رغم الأخطار التي قد تحدث خلال فترة الراحة ليلاً من استخدام النار في وجود الأطفال وكبار السن”.

ونبهت سليمان أن “العراقيل التي يضعها طرفا الصراع لمنع وصول المساعدات الإنسانية تعرض حياة آلاف الأطفال والنساء والمسنين للخطر، بتوقفهم عن تلقي المواد الغذائية والأدوية المنقذة للحياة، بينما الشحنات محجوزة على مشارف الفاشر أو مناطق أخرى في الإقليم”.

تزايد النزوح

وبحسب التقارير والإحصاءات يوجد نحو 175 معسكراً في إقليم دارفور، منها 155 للنازحين و20 للاجئين. وتوجد ستة معسكرات في شمال دارفور، أشهرها “أبوشوك” و”السلام” و”كساب” و”زمزم” الذي يؤوي أكثر من نصف مليون نازح تتزايد أعدادهم باستمرار.

كما تضم وسط دارفور 20 معسكراً أبرزها “السلام” و”الحميدية” و”الحصاحيصا” و”أبو ذر” و”نيرتتي”.

وتوجد بولاية شرق دارفور ستة معسكرات، أكبرها “النيم” و”الفردوس” و”شعيرية” و”ياسين”، أما ولاية غرب دارفور فتضم العدد الأكبر بنحو 37 معسكراً، أبرزها “كريدنق” و”مستري” و”هبيلا” و”القردود” و”فوربرنقا” و”كلبس” و”سربا”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية