لم يكن تصويت صانعي السياسة النقدية في مجلس الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية الأسبوع الماضي موضع إجماع، وهذا أمر إيجابي. إذ إن التوقعات الاقتصادية غير مستقرة بشكل غير معتاد، والمخاطر تدفع البنك المركزي في اتجاهات متضاربة. لذا فإن الاختلاف في مثل هذه الظروف أمر صحي، وقد يصبح ضرورياً عما قريب.
على الرغم من ضبابية الاقتصاد، توقع المستثمرون خفضاً ثالثاً في غضون ثلاثة أشهر، ليصل سعر الفائدة الرئيسي إلى نطاق يتراوح بين 3.5% و3.75%. ويعود ذلك أساساً إلى تشجيع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لهم على اعتبار هذا الخفض أمراً مفروغاً منه. لكن هذا اليقين غير مفيد في ظل وجود كثير من المؤشرات الاقتصادية المتضاربة: التضخم المستمر فوق المستوى المستهدف، والارتباك المتواصل بشأن الرسوم الجمركية الحكومية، ونقص البيانات (بسبب إغلاق الحكومة)، وازدهار سوق الأسهم، ومؤشرات على تباطؤ سوق العمل.
الأسهم العالمية تتراجع وسط عدم وضوح مسار خفض الفائدة الأميركية في 2026
انعكاساً لهذا الواقع، عارض ثلاثة أعضاء مصوتين في لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، حيث دعا أحدهم إلى خفض أكبر، بينما دعا اثنان إلى الإبقاء على الوضع الراهن. كما أبدى أربعة مسؤولين غير مصوتين معارضة طفيفة، معربين عن تفضيلهم الإبقاء على سعر الفائدة عند مستواه الحالي.
هل فعلاً سعر الفائدة الحالي بلا أثر على النمو؟
يقول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إن سعر الفائدة الجديد محايد بشكل عام، أي أنه لا يزيد الطلب في الاقتصاد ولا يضعفه. في الواقع، هذا السعر “المحايد” غير مؤكد أيضاً. (وفقاً لملخص التوقعات نمو الاقتصاد الجديد الصادر عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي، تتراوح تقديرات المسؤولين له بين 2.5% و4%).
هاسيت يشدد على استقلالية الفيدرالي ويرحب بمشورة ترمب
مع بقاء التضخم أعلى من الهدف المحدد، كان منطقياً على الأرجح السعي إلى إبقاء السياسة النقدية “تقييدية بعض الشيء”. مع ذلك، فإن الحقيقة هي أن هذا التعديل الإضافي بمقدار ربع نقطة لم يكن له تأثير يُذكر. المهم مع ورود معلومات جديدة هو أن يبقي البنك المركزي على انفتاحه على جميع الخيارات، وأن ويوضح أنه يفعل ذلك. ويسهم الاختلاف الصريح بين صناع السياسات في تحقيق هذا الهدف.
لإنصاف البنك المركزي، فقد كان واضحاً بشكلٍ مثير للإعجاب بشأن أمرٍ واحد: باستخدام أداة رئيسية واحدة فقط للسياسة الاقتصادية الكلية، لا يمكنه تحقيق هدفين متعارضين. بسبب الرسوم الجمركية بشكلٍ رئيسي، هناك خطرٌ تصاعدي للتضخم. في الوقت نفسه، يشير تباطؤ التوظيف إلى خطرٍ تنازلي للوظائف، وهناك مخاوف من أن الإحصاءات الرسمية تُقلل من شأن المشكلة.
تضع المؤشرات على احتمال حدوث ركود تضخمي البنك المركزي في موقفٍ حرج. إذ يتطلب منه تفويضه المزدوج المتمثل في استقرار الأسعار وتحقيق أقصى قدر من التوظيف، تقييم أي المخاطر أكبر- ولا توجد إجابة واضحة في الوقت الراهن.
ما هو الخطر الأكبر على الاقتصاد الأميركي في 2026؟
من الآن فصاعداً، سيزداد وضعه سوءاً. تنتهي ولاية باول كرئيسٍ للبنك المركزي في مايو، ويتزايد انشغال المستثمرين بمن سيخلفه. وقد منحهم البيت الأبيض كل الأسباب للخوف من أن يكون اختيار الرئيس العتيد للبنك المركزي مبنياً على الولاء والاستعداد لخفض أسعار الفائدة بحدة بغض النظر عن البيانات الواردة. هذا بدوره قد يزعزع توقعات التضخم، ويرفع أسعار الفائدة طويلة الأجل، وبذلك يزعزع استقرار الأسواق المالية.
يُؤمل أن يدرك من سيُختار لهذا المنصب هذا الخطر، وأن يقدّم المصلحة العامة على توجيهات البيت الأبيض بعد تعيينه.
سيكون مفيداً أن يعتاد صانعو السياسات الآخرون في الاحتياطي الفيدرالي على معارضة موقف الرئيس علناً عند اختلافهم معه من حيث الجوهر. لطالما كانت فكرة أن الإجماع الظاهري يعزّز مصداقية البنك المركزي خاطئة، وقد تكون خطيرة في المرحلة المقبلة من تطور الاحتياطي الفيدرالي.
المصدر : الشرق بلومبرج
