لا شيء أخطر على أوروبا من التقاعس في الشأن الأوكراني

لا شيء أخطر على أوروبا من التقاعس في الشأن الأوكراني

برغم إعلان المفاوضين عن إحراز تقدم في المحادثات لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ما يزال الاتحاد الأوروبي في جمود بشأن كيفية ضمان استمرار تمويل دفاع أوكرانيا. وما ينبغي على قادة الاتحاد الأوروبي إدراكه هو أن عليهم أن يفكروا أقل بكيفية توفير التمويل وأكثر بأن يوفروه.

مع توقعات بوصول عجز الميزانية إلى 18.5% من الناتج المحلي الإجمالي، قد تواجه أوكرانيا أزمة مالية حادة في النصف الأول من العام المقبل. ستكافح الحكومة لدفع الرواتب والمعاشات التقاعدية، والحفاظ على استمرار الخدمات الأساسية، ومقاومة الهجمات الروسية المتواصلة. والآن بعد أن استبعد البيت الأبيض تقديم مزيد من المساعدات المالية الأميركية، تقع مسؤولية التحرك على عاتق أوروبا.

الاتحاد الأوروبي يمدد تجميد الأصول الروسية دعماً لأوكرانيا

بحسب تقديرات القادة الأوروبيين أنفسهم، لا ينبغي أن يكون هذا قراراً صعباً. فقد أعلنوا تكراراً، وبحق، أن أوكرانيا هي خط الدفاع الأول لأمنهم. إن ترك البلاد تعاني ضائقةً ماليةً لن يؤدي إلا إلى إضعاف موقفها التفاوضي وعلى جبهات القتال، ما يزيد احتمال اضطرارها إلى قبول سلام صوري.

عندئذ ستواجه أوروبا روسيا أجرأ، بدعم من طموحات يعززها جيش صقله القتال وقاعدة صناعات دفاعية متضخمة.

العقبة البلجيكية والعائق المجري

يقف رئيس وزراء بلجيكا بارت دي ويفر عقبةً أمام التمويل الجديد. ينطوي أحدث اقتراحات المفوضية الأوروبية على تقديم قرض بقيمة 90 مليار يورو (105 مليارات دولار) لأوكرانيا، بضمان احتياطيات روسية مجمدة، مودعة بشكل رئيسي لدى ”يوروكلير“ في بلجيكا.

يحاجج دي ويفر بأن بلاده، التي بحوزتها غالبية هذه الاحتياطيات، ستتحمل تبعات مالية وقانونية غير متناسبة في حال رفع العقوبات ومطالبة روسيا بالتعويض. كما أفادت التقارير أن البيت الأبيض حثّ أوروبا على عدم المضي قُدماً في هذا الأمر، على أمل استخدام هذه الأصول كطعم لإغراء الرئيس فلاديمير بوتين بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار.

ترمب: روسيا صاحبة اليد العليا في الحرب ضد أوكرانيا

إن الحجتين غير مقنعتين، إذ إن إعادة الاحتياطيات الروسية دون تحصيل تعويضات ستعني أن العدوان يجدي، وستجعل أوروبا رهينة لقرارات تتخذ في واشنطن وموسكو. في غضون ذلك، عرضت المفوضية آليات لتقاسم مخاطر بلجيكا بين دول الاتحاد الأوروبي، واستخدمت الأسبوع الماضي تدابير طارئة لضمان تجميد الأصول طوال فترة الحرب بدلاً من إخضاعها لإعادة موافقة بالإجماع كل ستة أشهر.

كما التزمت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، بإدراج 25 مليار يورو من الأصول المجمدة في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى ضمن أي قرض تعويضي.

عندما يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل اليوم الخميس، ينبغي عليهم الموافقة على القرض بشكل مباشر. مع ذلك، لا ينبغي أن يكون عدم التوصل إلى توافق في الآراء نهاية المطاف.

المطلوب كثير لكن لدى أوروبا أكثر

على الرغم من أهمية الأموال التي يناقشونها لأوكرانيا، إلا أنها لا تمثل سوى جزء ضئيل من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي وقدره حوالي 18 تريليون يورو.

ينبغي أن تكون هناك طرق متعددة لتوفير هذه الأموال، إذ يمكن للدول الأعضاء التغلب على معارضة المجر وإصدار سندات دين مشتركة، كما فعلت خلال جائحة ”كوفيد-19“، كما فعلت حديثاً لتعزيز الإنفاق الدفاعي. بدلاً من ذلك، يمكن لتحالف من الدول الراغبة أن يجمع الضمانات لتوفير تمويل واسع، على أن يكون السداد مرتبطاً بتعويضات مستقبلية.

ماذا تملك أوروبا إذا تواطأت أميركا وروسيا على حساب أوكرانيا؟

في غياب هذا التعاون، سيتعين على الدول الأعضاء الرئيسية في الاتحاد الأوروبي زيادة التحويلات الثنائية بشكل كبير. ورغم أن هذه الدول تواجه قيودًا على ميزانياتها – ناهيك عن تردد الناخبين في ضمان أمن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تستفيد من مواردها دون مقابل – إلا أن التكلفة ستكون في نهاية المطاف أقل من الاستثمارات اللازمة لصد روسيا انتقامية.

لا يوجد خيار سهل أمام الاتحاد الأوروبي. فجميع الخيارات تتطلب إرادة سياسية، وجهوداً قانونيةً سريعةً، وتقاسماً للأعباء، وقيادةً من برلين وباريس ووارسو.

لكن أمن أوروبا وازدهارها ومصداقية صنع القرار فيها وقدرتها على الدفاع عن مصالحها في مواجهة إدارة مهيمنة في واشنطن كلها على المحك. إن ما لا يمكن تحمله حقاً هو التخاذل.

المصدر : الشرق بلومبرج