التفاصيل الكاملة.. شركة دفاع عملاقة تهدد بسحب استثماراتها من بريطانيا

التفاصيل الكاملة.. شركة دفاع عملاقة تهدد بسحب استثماراتها من بريطانيا

في تحذير صارخ يهز المشهد الصناعي والعسكري البريطاني، هددت شركة «ليوناردو» الإيطالية العملاقة للدفاع بسحب جميع استثماراتها من بريطانيا، معلنة أن مصنعها الحيوي في سومرست بات على حافة الإغلاق.
جاء هذا التهديد المباشر نتيجة إحباط متزايد من التأخير الحكومي البريطاني في منح عقد توريد طائرات هليكوبتر عسكرية جديد، على الرغم من مرور عام ونصف العام على انفراد الشركة بالمشروع.
رسالة إلى وزير الدفاع البريطاني
الرئيس التنفيذي لشركة ليوناردو، روبرتو سينغولاني، أرسل رسالة إلى وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، وصف فيها عقد «المروحية المتوسطة الجديدة» (NMH) البالغ قيمته مليار جنيه إسترليني بأنه «حجر الزاوية» لاستراتيجية الشركة في البلاد. وأكد سينغولاني أن «أي تأخير أو إلغاء في منح البرنامج، سيجبر الشركة على إعادة تقييم وجودها في المملكة المتحدة بالكامل»، لافتاً إلى هذا التقييم يشمل ليس فقط مصنع طائرات الهليكوبتر، بل أيضاً استثمارات الشركة الضخمة في مجالات الإلكترونيات المتطورة والأمن السيبراني المنتشرة عبر عدة مواقع في بريطانيا، وفق «تليغراف».
قلب الصناعة في خطر
يتركز التهديد المباشر على مصنع الشركة في يوفيل، سومرست، وهو آخر منشأة في بريطانيا قادرة على تصميم وتصنيع طائرات الهليكوبتر بالكامل. ولم يفز هذا المصنع، الذي يمثل إرثاً صناعياً وتقنياً فائق الأهمية، بعقد حكومي رئيسي لتوريد طائرات جديدة منذ ما يقرب من عقدين.
ويعمل في الموقع نفسه حوالي 3 آلاف موظف مؤهل تأهيلاً عالياً، ويُقدّر أن أكثر من 9 آلاف وظيفة أخرى في سلسلة التوريد الممتدة تعتمد عليه بشكل غير مباشر. ويرى خبراء أن أي إغلاق لهذا المرفق لن يكون مجرد خسارة وظائف فادحة، بل سيكون بمثابة ضربة قاضية للقدرة السيادية البريطانية على بناء طائرات الهليكوبتر العسكرية، مما يجعل البلاد معتمدة بالكامل على موردين أجانب في هذا المجال الاستراتيجي.
وعود زيادة الإنفاق وواقع الشلل الحكومي
يأتي هذا التأخير الحرج في لحظة يرى البعض فيها ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي وتعزيز الصناعة المحلية، خصوصاً بعد مراجعة استراتيجية الدفاع والتحذيرات المتكررة من كبار القادة العسكريين، بمن فيهم كبار القادة العسكريين، حول الحاجة الملحة لإعادة بناء الصناعة الدفاعية لمواجهة التهديدات المتصاعدة من دول مثل روسيا.
يشير مطلعون إلى أن حالة من «الجمود» بين وزارة الدفاع البريطانية ووزارة الخزانة، التي تواجه عجزاً بمليارات الجنيهات، هي السبب وراء هذا الشلل في اتخاذ القرار. بل إن حكومة كير ستارمر تراجعت أيضاً عن وعدها بنشر خطة الاستثمار الدفاعي طويلة الأمد قبل نهاية العام، مما زاد من حدة عدم اليقين.
تحذيرات صناعية وخسائر تتجاوز الحدود
جمعية «Make UK» الصناعية حذرت بقوة الحكومة من أنها على وشك ارتكاب «خطأ تاريخي». وقال ستيفن فيبسون، الرئيس التنفيذي للجمعية: «بينما تنشغل جميع الدول الأوروبية الأخرى تقريباً ببناء طائرات الهليكوبتر لجيوشها، تؤجل المملكة المتحدة هذا القرار.. إن المخاطرة بمستقبل إنتاجنا المحلي الحيوي للمروحيات العسكرية سيكون خطأً جسيماً».
وأوضح أن الأزمة لا تقتصر على الداخل البريطاني، فالنرويج التي اشترت مؤخراً فرقاطات بريطانية بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني، تراقب الموقف عن كثب، حيث كانت تدرس شراء طائرات هليكوبتر مضادة للغواصات من مصنع يوفيل لمرافقة أسطولها الجديد.
خيار بين السيادة والاعتماد الخارجي
عرضت ليوناردو، ضمن مقترحها للعقد، نقل الإنتاج الكامل لطائرتي الهليكوبتر AW101 وAW149 إلى يوفيل، مما يضمن للمصنع عملاً لسنوات قادمة ويفتح الباب أمام صادرات كبيرة لدول أخرى، معتبرة أن رفض أو تأخير العقد لا يعني فقط دفع آلاف العائلات ثمن عدم الكفاءة الحكومية، بل يعني التخلي طواعية عن قطاع استراتيجي كامل.
وفي حين حرصت الحكومة البريطانية على تأكيد أنها تجعل الدفاع «محركاً للنمو الاقتصادي»، توضح أزمة ليوناردو الهوة بين الخطاب الرسمي والواقع المؤسف لصناعة تعاني غياب الرؤية واتخاذ القرار، ما يضع الكرة في ملعب وزارة الدفاع البريطانية.
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع: «لا يزال برنامج المروحيات المتوسطة الجديدة في المملكة المتحدة مستمراً، ولم يتم اتخاذ أي قرارات نهائية بشأن عملية الشراء حتى الآن. وسيتم تأكيد هذه النتيجة في الوقت المناسب». ومن ثم فإن القرار الذي ستتخذه في الأسابيع المقبلة لن يحكم فقط بمصير مصنع يوفيل وآلاف العائلات، بل سيحدد أيضاً ما إذا كانت بريطانيا جادة في الحفاظ على حد أدنى من السيادة الصناعية والدفاعية في عالم يزداد اضطراباً وخطورة.

المصدر : صحيفة الخليج

وسوم: