سوريا بعد عام التحول: إنجازات تحققت وتحديات تنتظر

سوريا بعد عام التحول: إنجازات تحققت وتحديات تنتظر

شهد عام 2025، العديد من الإنجازات التي تُحتسب للإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بداية من رفع العقوبات وإدخال سوريا إلى النظام العالمي، وصولاً إلى تطوير وتحسين القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل النفط والغاز. 

رغم ذلك، فإن المسيرة ليست سهلة، بل تواجه تحديات متشابكة عند أكثر من مستوى، فبداية من ملف إعادة الإعمار إلى تثبيت الأمن، وصولاً إلى كيفية نسج سوريا لعلاقاتها مع الصين وروسيا من جهة وواشنطن من جهة أخرى، كلها تحديات على الإدارة الجديدة معرفة كيفية التعامل معها خلال 2026 والأعوام التالية.

رفع العقوبات أهم الإنجازات

ليس من باب المبالغة القول إن رفع العقوبات الغربية المفروضة على نظام بشار الأسد من أبرز الإنجازات التي تمكنت سوريا من تحقيقها. ففي 19 ديسمبر الجاري، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب قانون تقويض الدفاع الذي يتضمن إلغاء عقوبات “قانون قيصر” عن سوريا. 

أشار محافظ مصرف سورية المركزي عبد القادر حصرية إلى أن هذا القرار سيفتح فرصاً مهمة أمام البلاد، من بينها الحصول على تصنيف ائتماني سيادي. وأضاف أن الإلغاء يزيل حاجزاً قانونياً أساسياً أمام إعادة اندماج سوريا في النظام المالي الدولي.

حصرية لمّح إلى السعي للحصول على تصنيف ائتماني سيادي غير معلن واستشاري كخطوة أولى، ثم الانتقال إلى تصنيف علني عندما تسمح الظروف، لافتاً إلى أن من المرجح أن تحصل سوريا في البداية على تصنيف ائتماني منخفض، معتبراً أن ذلك أمر طبيعي بالنسبة للدول الخارجة من نزاعات.

عملياً، سيحقق إلغاء العقوبات أثراً اقتصادياً ضخماً بالنسبة لسوريا. وفي مقابلة مع “الشرق”، رأى حصرية أن هذه الخطوة سترفع الاستثمار والنقل، وتزيد من مساهمة القطاع المالي في الناتج المحلي الإجمالي، مؤكداً أن القطاع المالي سيكون المستفيد الأول، بعدما تسببت العقوبات في “عزل القطاع عن العالم”. 

ظهرت آثار إزالة العقوبات حتى قبل توقيع القانون، إذ أعلنت البلاد عودتها للعمل بنظام “سويفت” العالمي، كما بدأت بعض المصارف العالمية والإقليمية في التعامل مع سوريا، في وقت وقّع مصرف سورية المركزي اتفاقية مع شركة “فيزا” العالمية تتضمن خارطة طريق لبناء منظومة المدفوعات الرقمية.

اقرأ أيضاً: بنك سوري يستأنف التعامل مع المصارف السعودية لأول مرة منذ 15 عاماً

تحديات في ملف العقوبات

لكن هذه الإنجازات لا تلغي التحديات التي ستواجه هذا القطاع في 2026، إذ يطلب القانون من الرئيس الأميركي تقديم تقرير للكونغرس كل 6 أشهر خلال السنوات الأربع المقبلة لتقييم أداء الحكومة السورية، ومدى اتخاذها “إجراءات ملموسة” في عدة ملفات من بينها القضاء على تهديد “الجماعات الإرهابية”.

اقرأ أيضاً: المركزي السوري يمنح البنوك 6 أشهر لتقديم خطط لتغطية خسائرها في لبنان

هذا يعني أن الحكومة السورية ستكون أمام مطالب أميركية وغربية للقضاء على تهديدات هذه الجماعات، في وقت أنها لم تنه بعد عملية بناء الجيش وترسيخ سلطتها على كامل الأراضي السورية، وسط تزايد لهجمات “داعش” في البلاد.

تحسن في الكهرباء وإنتاج النفط والغاز

منذ الأيام الأولى لتسلمها السلطة، سارعت الإدارة الجديدة إلى البدء بعمليات صيانة وتطوير لمنشآت الكهرباء والغاز والنفط، خصوصاً أنها تمثل حجر الأساس لتطوير الاقتصاد، وتشكّل عاملاً مباشراً في تحسين معيشة المواطنين مع وصول نسبة الفقر داخل البلاد إلى 90%.

خالد أبو دي، المدير العام لمؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء، أكد في تصريحات سابقة لـ”الشرق” أن الإنتاج الكهربائي لا يغطي إلا 20% من إجمالي الاحتياجات الحالية لافتاً إلى أن كلفة إعادة تأهيل القطاع تُقدّر بنحو 40 مليار دولار، وهو ما يعادل ضعف الناتج المحلي الإجمالي الحالي.

رغم ذلك، تمكنت البلاد خلال هذه السنة من زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية إلى 2400 ميغاواط بدعم من التحسينات وعمليات الصيانة، ما خفف من ساعات التقنين الكهربائي في مختلف المحافظات، في وقت تواصل العمل على جذب شركات إقليمية وعالمية للعمل في هذا القطاع.

أبرز الاتفاقات الموقعة في مجال الكهرباء في 2025

  • نوفمبر: سوريا تستعين بـ”أكوا باور” السعودية لوضع خطة تطوير قطاع الطاقة حتى 2040.
  • نوفمبر: دمشق تبحث مع البنك الدولي إطلاق مشاريع في قطاع الكهرباء.
  • نوفمبر: تفاوض مع “سيمنز” و”جنرال إلكتريك” لتوريد توربينات كهرباء ضمن مشروع ضخم لإعادة بناء قطاع الطاقة. 
  • أغسطس: السعودية وسوريا توقعان اتفاقية و6 مذكرات لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة.
  • مايو: أعلنت سوريا توقيع مذكرات بقيمة 7 مليارات دولار مع عدد من الشركات، بهدف إنعاش قطاع الكهرباء في البلاد.
  • فبراير: سوريا تبدأ إنتاج الغاز من بئر “تيأس 5” لدعم محطات الكهرباء

في قطاع النفط، عملت البلاد أيضاً على رفع معدلات الإنتاج لتناهز 100 ألف برميل يومياً، بعدما بلغت في 2023 نحو 30 ألف برميل يومياً، انخفاضاً من 400 ألف برميل بين 2008 و2010. 

وتقدر احتياجات سوريا من النفط حالياً قرابة 120 ألف برميل يومياً، بحسب تصريحات محمد البشير وزير الطاقة السوري لـ”تلفزيون سوريا”، مرجحاً ارتفاع هذه الحاجة إلى نحو 200 ألف برميل في المرحلة المقبلة، مع تسارع متطلبات إعادة الإعمار وعودة النشاط إلى القطاعات الإنتاجية والخدمية.

وتمتلك البلاد مصفاتين رئيسيتين للنفط، هما “بانياس” بطاقة إنتاجية تبلغ 120 ألف برميل يومياً، ومصفاة “حمص” التي تبلغ طاقتها 100 ألف برميل يومياً.

اقرأ أيضاً: خارطة طريق غاز ونفط سوريا.. من الدمار إلى الإعمار

وأعلنت البلاد في أبريل تشغيل مصفاة “بانياس” للمرة الأولى منذ سقوط نظام الأسد، في حين صدّرت لأول مرة منذ سنوات شحنة قدرها 600 ألف برميل من النفط الثقيل. 

وعلى صعيد الغاز، وقعت البلاد عدة اتفاقات مع شركات إقليمية وغربية لتطوير هذا القطاع، في مسعى يتوقع أن ينعكس تدريجياً على الإنتاج المحلي. ويأتي ذلك بعد أن تسببت الحرب في تراجع إنتاج الغاز إلى نحو 10 ملايين متر مكعب يومياً، وهو مستوى يقل عن احتياجات محطات توليد الكهرباء المقدّرة بنحو 18 مليون متر مكعب يومياً.

اقرأ أيضاً: 4 شركات سعودية تطور حقول النفط والغاز السورية

أبرز تطورات ملفي الغاز والنفط في 2025

  • أعلنت البلاد في أبريل تشغيل مصفاة “بانياس” للمرة الأولى منذ سقوط نظام الأسد
  • تعكف البلاد على بناء مصفاة جديدة بطاقة تبلغ 150 ألف برميل يومياً.
  • تمكنت من تصدير شحنة قدرها 600 ألف برميل من النفط الثقيل، في خطوة هي الأولى من سنوات. 
  • وقّعت سوريا في نوفمبر مذكرة مع شركتي “كونوكو فيليبس” و”نوفاتيرا” الأميركيتين، لتطوير قطاع الغاز.
  • وقعت “دانة غاز” الإماراتية مذكرة تفاهم تمهيداً للاستثمار في قطاع الطاقة بالبلاد.

أبرز تحديات ملفي النفط والغاز

تتمثل العقدة الرئيسية في هذين الملفين في “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إذ تسيطر على غالبية مواقع إنتاج النفط في شمال شرقي البلاد.

ورغم التوصل لاتفاق بين الحكومة و”قسد” في 10 مارس الماضي، إلا أن التعقيدات لا تزال متواصلة، وأبرز مثال على ذلك الاشتباكات التي وقعت في الأيام الأخيرة بين القوات الحكومية وقوات من “قسد” في حلب.

بالإضافة لذلك، فإن الاهتمام الإقليمي والغربي في تطوير قطاعي النفط والغاز لن يوصل إلى زيادة الإنتاج بشكل فوري، خصوصاً أن الاستثمارات في هذه القطاعات غالباً ما تكون “طويلة الأجل”، بحسب تعبير حصرية.

تخطط سوريا للبدء بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر وفق وزير الطاقة محمد البشير، في وقت هناك تداخل تاريخي لمكامن النفط والغاز بين سوريا ولبنان، ما يتطلب اتفاقاً واضحاً بين البلدين على ترسيم الحدود البرية والبحرية.

اقرأ أيضاً: ترسيم الحدود السورية اللبنانية.. عقبات التاريخ وضرورات الواقع

ولذلك، فإن السلطات السورية بحاجة لإنهاء هذه الملفات وحلها، لإعطاء ضمانات واضحة وطويلة الأمد للشركات الراغبة في تطوير القطاعين، بهدف إعادة الإنتاج لما كان عليه قبل الحرب، أو حتى رفعه عن هذا المعدل.

النقل والسياحة أولوية

لم تقتصر الإنجازات على القطاعات النفطية، إذ ركزت البلاد أيضاً على القطاعات الخدمية وتلك التي قد تعزز تدفق العملات الصعبة إلى البلاد مثل السياحة.

وبدأت السلطات بالعمل على تعزيز عمليات نقل المنتجات النفطية من السعودية وتركيا وقطر، وحتى أذربيجان، إلى سوريا، كما ستُخصص أجزاء من منحة البنك الدولي البالغة 146 مليون دولار لإصلاح محطات التحويل في المناطق المتضررة، في وقت تبحث مع لبنان تحديث اتفاقية ربط الكهرباء، وتعمل على تحسين تشغيل أنبوب النفط الذي يربط البلاد بالعراق. 

بالإضافة لذلك، شكّل الرئيس السوري في نوفمبر، “الهيئة العامة للمنافذ والجمارك”، في خطوة تهدف إلى إعادة تنظيم عمل المنافذ البرية والبحرية والمناطق الحرة، وتعزيز كفاءة الإجراءات الجمركية واللوجستية. 

يأتي ذلك بعدما أعلنت سوريا في أغسطس، عن واحدة من أضخم خططها الاستثمارية منذ عقود، كاشفة عن 12 مشروعاً استراتيجياً، على رأسها تطوير وتوسعة مطار دمشق الدولي، وشبكة مترو في العاصمة، إضافةً إلى مشروعات عقارية وتجارية ضخمة، وبلغت العقود الموقعة المرتبطة بهذه المشاريع 14 مليار دولار.

كما أعلنت دمشق في ديسمبر الجاري، عن حزمة مشاريع في القطاع السياحي بقيمة 1.5 مليار دولار تشمل تطوير منشآت قائمة، وإنشاء فنادق ومنتجعات ومدن ترفيهية. 

تحديات أمام قطاع السياحة في 2026

رغم إبداء العديد من الشركات مثل “بن داود للاستثمار” السعودية و”الحبتور” الإماراتية اهتماماً بالدخول إلى هذا القطاع في سوريا، إلا أن أي تحسن في القطاع يتطلب استقراراً أمنياً. 

وتعاني البلاد من تزايد هجمات تنظيم “داعش”، بالإضافة إلى اشتباكات متفرقة بين الحين والآخر، كان آخرها اشتباكات السويداء. الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة لا تقل خطورة، وهي من التحديات الرئيسية التي تعيق قدرة الدولة على بناء القطاعات والاقتصاد. 

هذه التوترات الأمنية قد تؤثر على شهية الشركات الراغبة في الدخول إلى السوق السورية، بالإضافة إلى تدفق الاستثمارات المخصصة لهذا القطاع الذي يعتمد بشكل رئيسي على الاستقرار الأمني والسياسي.

إنجازات السياسة النقدية

تدرك سوريا أن النهوض باقتصادها يتطلب إصلاحات أساسية في السياستين المالية والنقدية.

حصرية كشف في نوفمبر عن خطوات تركز على ثلاثة أدوار رئيسية، أبرزها “توفير مؤسسات مالية استثمارية”. وأصدر المصرف المركزي التعليمات التنفيذية لترخيص المصارف الاستثمارية، وبدأ بالفعل حواراً مع عدد من البنوك والمستثمرين الراغبين في الحصول على تراخيص لتأسيس هذه المصارف الجديدة.

أما الدور الثاني فيتعلق بـ”إصلاح القطاع المصرفي وإعادة تأهيل المصارف القائمة”، لبلوغ عدد المصارف في البلاد 30 مصرفاً بحلول عام 2030، في حين أن الدور الثالث يركز على أن تصبح سوريا “مركزاً إقليمياً” للتمويل الإسلامي إلى جانب دول الخليج وماليزيا.

كما أعلن عن خطط لتطبيق “الانضباط المالي”، بالإضافة إلى إعادة هيكلة هيئة مكافحة غسل الأموال، التي تعمل على تحسين تصنيف البلاد في القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي “فاتف”، إلى جانب التحضير لمجموعة من القوانين الجديدة لمكافحة غسل الأموال.

بالإضافة إلى ذلك، يعمل المركزي السوري على قدم وساق لتغيير العملة التي تحمل صوراً من حقبة النظام السابق. 

تحديات السياسة النقدية

أول وأبرز التحديات أمام البنك المركزي والسلطات النقدية تتمثل في غياب البيانات الموثوقة، وهو أمر اعترف به حصرية.

حصرية أشار  إلى وجود تقديرات أولية تشير إلى تراجع التضخم من 170% إلى نحو 15%، موضحاً أن أسعار عدد من المواد شهدت انخفاضاً بعد فتح باب الاستيراد وخفض الرسوم الجمركية وتحسن سعر الصرف بنسبة 30%.

اقرأ أيضاً: إصلاح مصارف سوريا.. ولادة من الخاصرة

ودلل على مظاهر تعافي الاقتصاد السوري، متوقعاً أن يحقق “نمواً مكوناً من رقمين”، بدعم من عودة اللاجئين، في زيادة كبيرة عن 1% قدرها “البنك الدولي”، في وقت اعتبر استيراد سيارات بقيمة تناهز 5 مليارات دولار خلال العام المنتهي، دليلاً على توافر التدفقات الأجنبية وتوافر الدولار في الداخل.

بالإضافة لذلك، فإن القطاع المصرفي في سوريا يحتاج إلى إعادة تأهيل، خصوصاً وسط انكشاف على أزمة لبنان الاقتصادية، ما دفع بالمركزي إلى إعطاء مهلة للمصارف لستة أشهر لتقديم خطط لتغطية خسائرها في لبنان.

اقرأ أيضاً: حصرية لـ”الشرق”: جدار برلين سقط في الشرق الأوسط.. ونلمس رغبة أميركية بالاستثمار في سوريا

ولفت حصرية إلى استعادة أكثر من 50% من ودائع القطاع الخاص التي كان النظام السابق قد تصرّف فيها. أما بخصوص الودائع الموجودة في الخارج، فأكد أن العمل جارٍ على تفعيل استخدامها بعد رفع العقوبات، بهدف إعادة بناء الاحتياطيات الخارجية للبلاد. 

كان يُتوقّع على نطاق واسع، أن تعلن سوريا عن عملتها الجديدة تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لسقوط النظام، ولكن تأخر هذه الخطوة يعكس حجم التعقيدات المرتبطة بهذا الملف. وصف حصرية هذه الخطوة بأنها “ليست سهلة أو بسيطة” رغم تأكيده على أنها جارية وستُنفّذ قريباً.

إنجازات مالية مرتقبة

يعود القانون الضريبي الحالي في سوريا إلى عام 1949، واستمر لعقود رغم تغير الحكومات والأنظمة، ويعتمد على نموذج الضرائب النوعية، وهو النموذج الذي تخلت عنه معظم دول العالم لصالح الضرائب التصاعدية التي تُفرض على إجمالي دخل الأفراد والشركات.

ووضعت وزارة المالية المعالم النهائية لنظام ضريبي جديد يُفترض أن يبدأ تطبيقه مطلع العام المقبل. 

ويشمل النظام تحديد نسب ضريبية عادلة للشركات حسب القطاعات، ودمج وتوحيد الرسوم لإزالة أي تكرار، مع سعي لتحقيق التنافسية مع دول الجوار من حيث الإجراءات والنسب، وفقاً لبيان عن وزارة المالية في يوليو الماضي.

اقرأ أيضاً: عام على سقوط نظام الأسد في سوريا… اقتصاد جديد يبزغ رغم التحديات

كما أدخلت الوزارة تغييرات على نهجها الذي كان سائداً خلال النظام السابق، إذ أكدت في يناير الماضي أن الحكومة تدرس خصخصة الشركات الحكومية، لا سيما تلك الخاسرة.

وفي ما يتعلق بالسوق المالية، كشف برنية أن البلاد تخطط لرفعها إلى مراتب الأسواق الناشئة خلال سبع سنوات، في إطار مسار اقتصادي جديد يتضمّن إصلاحات ضريبية، وإعادة هيكلة الإنفاق، وإطلاق أدوات تمويل حديثة، بينها صكوك سيادية للمرة الأولى في تاريخ البلاد.

اقرأ أيضاً: سوريا تطمح لموقع بين الأسواق الناشئة خلال 7 سنوات.. وتمضي نحو أول إصدار صكوك سيادية

وأوضح أن العمل جارٍ على تطوير سوق دمشق للأوراق المالية التي عادت للعمل في يونيو الماضي، وإعادة هيكلتها لجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والدوليين، بالتوازي مع إصلاحات في قطاع التأمين وحوكمة الشركات العامة، بما يخدم التنافسية والاستدامة.

وارتفعت القيمة السوقية الإجمالية لسوق دمشق للأوراق المالية، منذ إعادة التداول فيها في يونيو الماضي وحتى الآن إلى 25 تريليون ليرة (حوالي 2.25 مليار دولار) بزيادة 636 مليون دولار، وبنمو 37%، في مؤشر على عودة الثقة لأسواق المال السورية، بحسب رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق المالية في دمشق عبد الرزاق القاسم لـ”الشرق”.

تحديات السياسة المالية

مع مرور سنة على سقوط النظام السابق، لم تضع الإدارة الجديدة بعد موازنة للعامين الجاري أو المقبل.

ورغم غياب الموازنة، إلا أن بعض خصائصها الرئيسية موجودة. إذ شدد وزير المالية السوري في أغسطس الماضي، على أن موازنة 2026 ستركز على الإنفاق على قطاعَي الصحة والتعليم أولاً، مع تحسين مستويات الرواتب والأجور للعاملين في الدولة”، كما ستتضمن اهتماماً كبيراً بالإنفاق الاستثماري.

رفع الأجور أيضاً من التحديات الرئيسية أمام البلاد. وفي يناير الماضي، أعلنت سوريا عن خطط لزيادة رواتب موظفي القطاع العام بنحو 400% “اعتباراً من الشهر المقبل”، وفقاً لما قاله وزير المالية السابق محمد أبازيد لوكالة “رويترز”. 

ولكن ذلك لم يحصل في الموعد المحدد ما يلمح إلى التحديات التي تواجه سوريا في تمويل هذه الخطوة. وعوضاً عن ذلك تم زيادة الأجور بنسبة 200% كمرحلة أولى، على أن تتم المرحلتين الثانية والثالثة في 2026، وفق وزير المالية الحالي محمد يسر برنية في سبتمبر الماضي.

اقرأ أيضاً: كيف تخطط سوريا لمضاعفة أجور القطاع العام 4 مرات؟

ولفت آنذاك إلى أن هذه الإجراءات “لم تؤدِّ إلى اختلالات كبيرة بفضل تحسين الإيرادات الجمركية والضريبية”، مشيراً إلى أن استدامة هذه الزيادات ستعتمد “على الموارد الذاتية عبر تحسين الإيرادات ومكافحة الفساد، إلى جانب مراقبة الأسعار لمنع التضخم”.

إعادة الإعمار أبرز تحديات 2026 الطارئة

يشكّل ملف إعادة الإعمار أبرز التحديات الاقتصادية الطارئة أمام البلاد، خصوصاً أنه الممكن الرئيسي لبقية القطاعات لكي تعمل بطاقتها القصوى، كما أنها أساسية لعودة ملايين السوريين المهجرين إلى بلدهم. 

قدّر البنك الدولي أن كلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى 216 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو 10 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي المتوقع في 2024. وتشمل التكلفة التقديرية، 75 مليار دولار للمباني السكنية، و59 مليار دولار للمنشآت غير السكنية، و82 مليار دولار للبنية التحتية.

لكن الرئيس السوري أحمد الشرع، في مقابلة مع شبكة “سي بي إس” الأميركية، قدّر تكلفة عملية إعادة الإعمار بما يتراوح بين 600 و900 مليار دولار.

ضخامة هذا المبلغ مقارنة بحجم الاقتصاد السوري بعد الحرب، يؤكد أن البلاد لن تتمكن من إنجاز هذه المهمة بمفردها، وهو ما شدد عليه الشرع في مقابلته، قائلاً إن العملية “تتطلب دعماً واسعاً من المجتمع الدولي”.

دعم عربي وإقليمي

بدا الدعم الخارجي واضحاً في 2025، إذ تمكنت البلاد بالفعل من استقطاب استثمارات خارجية بقيمة 28 مليار دولار خلال العام الجاري، وتطمح لاستقطاب 100 مليار دولار في إطار مساعي إعادة الإعمار. كما تخطط خلال العام المقبل لإطلاق جولة ترويجية في الخليج والولايات المتحدة وأوروبا، تهدف لجذب استثمارات.

دول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً، لعبت دوراً رئيسياً في دعم سوريا في هذا الملف، إذ أرسلت المملكة إلى دمشق وفداً برئاسة وزير الاستثمار خالد الفالح وأكثر من 120 مستثمراً، لـ”تدشين عهد استثماري جديد” بين البلدين. كما وقعت اتفاقيات استثمار مع سوريا بقيمة تزيد عن 6 مليارات دولار، في حين تتوجه الشركات السعودية للاستثمار في قطاعات مختلفة داخل سوريا.

اقرأ أيضاً: مستثمرون من السعودية وتركيا وألمانيا مهتمون بإنشاء مصانع في سوريا

هذه الاستثمارات يُرتقب أن تُوجه إلى نحو 11 قطاعاً هي: الإسكان، والسياحة، والبنية التحتية، والأغذية، والصناعة، والطاقة، والموارد البشرية، والطيران والملاحة، والتجارة والاستثمار، والاتصالات وتقنية المعلومات، والمشاريع والخدمات المالية، وفق وزير المالية محمد يسر برنية في تصريح سابق لـ”الشرق”. 

ظهر “العهد الجديد” بين المملكة وسوريا بوضوح من خلال تعزز العلاقات الثنائية. وكمثال على تطور هذه العلاقة، بلغت قيمة الصادرات السعودية إلى سوريا إلى 1.2 مليار ريال في 9 أشهر فقط، ارتفاعاً من 558 مليون ريال لعام 2024 بأكمله.

كما أكد صندوق النقد الدولي التزامه بدعم جهود دمشق للتعافي في سوريا، مشدداً على أن البلاد تحتاج إلى مساعدات دولية كبيرة لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة وإعادة بناء بنيتها التحتية.

اقرأ أيضاً: سوريا تسعى للحصول على منح بمليار دولار من البنك الدولي

نسج علاقات سياسية مع خصوم الأمس

دعمت الصين وروسيا بشكل واضح النظام السابق، حتى أن موسكو منحت بشار الأسد حق اللجوء لديها. 

ولكن الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، أصرت على طي صفحة الصراع، ومد جسور التعاون إلى خصوم الأمس، بالتزامن مع تعزيز العلاقات مع الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة.

وفي نوفمبر الماضي، أبدت الصين استعدادها للمشاركة في جهود إعادة الإعمار، مؤكدة احترامها لخيارات الشعب السوري، وذلك بعد زيارة أجراها وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى بكين، لمناقشة سبل التعاون الثنائي. 

اقرأ أيضاً: هكذا تُدار “معركة” إعمار سوريا

موقف روسيا التي كانت الحليف الموثوق لنظام بشار الأسد، لم يختلف عن الموقف الصيني، إذ أكد نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك استعداد بلاده لدعم إعادة الإعمار والعمل في حقول النفط. 

يتمثل التحدي الأبرز في هذا الملف في كيفية بناء هذه العلاقات المستجدة بما يحفظ حقوق سوريا، من دون المخاطرة بإغضاب واشنطن.

تطلعات لما أبعد من 2026

جميع هذه الملفات صعبة ولكنها أساسية لإعادة بناء دولة جديدة متموضعة بشكل قوي في الاقتصاد العالمي. ولكن الفشل أو التأخر في معالجة أي من هذه الملفات، قد ينعكس بصورة مباشرة على طموحات وآمال سوريا في التعافي من فترة الحرب وما قبلها. 

حتى الآن، يتضح من تصريحات المسؤولين أن الإدارة الجديدة تدرك حجم التحديات الضخمة التي تواجهها، وتحاول التعامل معها بخطط متوسطة إلى طويلة الأمد. 

وظهر ذلك بوضوح من خلال تصريحات حصرية، إذ أكد أن البلاد تعاملت مع عام 2025 بمثابة “سنة تحضيرية ركزنا فيها على الاستقرار”، ما يشير إلى أن الأعوام المقبلة ستكون حاسمة في عملية الانطلاق نحو اقتصاد أكثر تعافياً.

سوريا تقف على مفترق طرق

في المحصلة، تدخل سوريا عام 2026 وهي تقف على مفترق طرق حاسم بين مرحلة تثبيت الاستقرار ومرحلة الانتقال إلى إعادة بناء الدولة والاقتصاد بشكل فعلي.

فنجاح مسار إعادة الإعمار، وتأمين الكهرباء والطاقة، وإدارة الملف المالي والنقدي، إلى جانب معالجة التحديات السياسية والأمنية، سيحدد ما إذا كانت البلاد قادرة على تحويل الزخم الحالي إلى مسار تنموي مستدام، أم الاكتفاء بمرحلة تعافٍ هش. 

وبينما تشير المؤشرات إلى إدراك الإدارة الجديدة لحجم التحديات، فإن العام المقبل سيكون الاختبار الحقيقي لقدرتها على الانتقال من التعهدات والخطط إلى التنفيذ، ووضع حجر الأساس لدولة سورية جديدة متموضعة في الاقتصاد الإقليمي والعالمي.

المصدر : الشرق بلومبرج