يعد شعار مهرجان الفنون الإسلامية في دورته الجديدة «سراج»، والذي يستند إلى فكرة الضياء والأنوار، وما تعنيه من معاني السعادة والسرور والجمال، أحد مرتكزات المهرجان والأعمال المشاركة فيه، وهو الذي حفز الفنانين على إنتاج لوحات تشكيلية وخطية وتجهيزات وتكوينات تحتشد بروح الإبداع وترسم الدهشة في عيون الناظرين وتصنع المتعة البصرية، حيث الأشكال الباهرة والألوان الساطعة المنسقة، إلى جانب الفكرة التي تختبئ خلف كل هذا الإبداع، فالمشاهد يمتع بصره وينشط عقله بالتفكير والتأمل العقلي والروحي، وفي ذلك تنافس الفنانون.
معرض «انعكاس» للفنان د. عمر فاروق تاشكلة ونخبة من تلاميذه، كان ضمن المعارض اللافتة في المهرجان، والذي توهج بعبق الفكرة اللامعة وتزين بالألوان الساطعة، فعكس إبداعات باذخة، عطرت ساحات المهرجان بأريج فني نادر حمل العديد من المواضيع مثل: الحب والطبيعة والحياة اليومية، وتتميز اللوحات بألوان يغلب عليها الذهبي والأزرق الداكن، ولا تقتصر هذه الأعمال على النصوص أو الزخارف الكتابية فحسب، بل هي أيضاً أعمال فنية تحمل قصة، وغالباً ما تقدم رسائل عن الحياة. كما أنها صور تعكس الجمال الكامن في الحياة.
الفنان عمر فاروق نفسه شارك بعدد من لوحاته التي تنتمي إلى مجموعة أطلق عليها اسم «وردة»، وفيها احتفاء بالحياة والطبيعة والورود، فيما اختار لهذه اللوحة اسم «المحبة المقدسة»، حيث أعدها فاروق بأسلوبه الخاص الذي اشتهر به وصار له العديد من التلاميذ.
واللوحة ترمز للحياة بدلالة الوردة، وإلى المكانة الروحية السامية للدين الإسلامي، حيث يحتضن العمل أسماء الرسول «صلى الله عليه وسلم»، لتربط اللوحة في بعدها الجمالي والفكري بين الحياة والدين، وجاء شكل الوردة في العمل دائرياً في فراغ باللون الأصفر الذهبي، بينما تبرز الوردة في مشهد اللوحة بألوانها الزاهية، ومع إمعان النظر في هذا العمل، يتجلى للناظر ذلك الألق الروحي الكامن في اللوحة التي تسافر بالمشاهد في رحلة من الفيوض النورانية والمشاهد البديعة.
هذا العمل يقف شاهداً على براعة فاروق، ومنهجه الخاص في عملية التذهيب التي يبدعها من خلال تفسيراته الجديدة، والتي أنتجت ما صار يعرف بالأسلوب الفاروقي، ويظهر جلياً في هذا العمل البديع من حيث الانتقالات اللونية في فن التذهيب والتراكيب غير المتماثلة والتي تحمل ملامح مشروع فني خاص.
وتستمر رحلة الألق داخل هذا المعرض البديع من خلال جملة من المشهديات والصور التي أبدعها الفنانون، ومن أبرز تلك الإسهامات، تلك التي قدمتها الفنانة شيماء أوجور، والتي قدمت لوحة غاية في الإبداع وحملت عنواناً ذا دلالات جمالية وروحية وهو: «بوابة الأحلام»، ووظفت فيه الفنانة ذهب غواش، وألواناً مائية، وورقاً مصنوعاً يدوياً.
اللوحة تحمل الكثير من التفاصيل في مشهديتها وتتصدرها البسملة، ولعل فكرة «البوابة»، نفسها تعتبر من الأفكار المحرضة على الإبداع الفني، فهي عتبة تشير إلى الانتقال من مكان إلى آخر، ومن واقع إلى عالم مختلف، وتعميق فكرة الخيال والأحلام اتخذت البوابة شكلاً مائلاً، وعملت شيماء بدقة متناهية وسكب جمالي واضح على أن يكون المشهد نفسه ينتمي إلى عالم الأحلام الجميلة.
الفنانة سيدا البيرق واحدة من المبدعات اللواتي قدمن اشتغالات مبتكرة ومتنوعة في مشاهدها من خلال لوحات تتسم بالبراعة والمقدرة على تصوير الأشياء والتقاط التفاصيل الحياتية اليومية الصغيرة بصورة ليست تقريرية بل عبر تأويل مشهديات الواقع اليومي وتحويلها إلى لوحات وإبداعات متألقة ومتوهجة بالألوان الزاهية والتفنن في توظيف التقنيات الفنية المختلفة القديمة والحديثة التي أنتجتها تكنولوجيا العصر.
ويبرز ذلك الأمر بشكل أكثر وضوحا من خلال واحدة من اللوحات التي شاركت بها البيرق، والذي جاء بعنوان: «فواكه»، وتفاصيل مشهد اللوحة هو عبارة عن سلة بها مجموعة من الفواكه المتنوعة، مع عمل إبداعي مبهر على الفواكه والسلة من حيث الألوان والزخرفة والتشكيل والتذهيب، باستخدام مواد هي: ذهب غواش، ألوان مائية، وطلاء أكريليك، وورنيش، وورق يدوي مصنع، مع دقة متناهية في استخدام تلك المواد بحيث تظهر جماليات التصميم وتسرب السعادة والمتعة إلى عين المشاهد. اللوحة تعيد إلى أذهان المشاهدين روائع رواد المدرسة الانطباعية خاصة كلود مونيه، وبول جوجان، وعدد من المبدعين، وكذلك فان جوخ، فهي تحمل تعبيرا بديعا عن الحياة اليومية والطبيعة من حولنا، والعمل على تأويلها بشكل مبدع.
وربما المهم في هذه الصورة التي أبدعتها البيرق هو ذلك الألق الجمالي المبهر للعين والمثير للدهشة فالمتعة البصرية تكمن في ذلك الشكل البديع، غير أن البعد الفكري مهم من ناحية التأمل والتفكير في معاني العمل، إلى جانب الأعمال الأخرى في المعرض حيث تتميز جميعها بالزخارف النباتية والرومية والسحابية، إضافة إلى الزخارف الهندسية، ومن الواضح أن كل تلك الأعمال نفذت من خلال نهج حديث حر، وعبر استخدام مواد مختلفة، فضلا عن توظيف التكنولوجيا واستخدام التقنيات الحديثة.
المصدر : صحيفة الخليج
