في وقت يقترب القتال المندلع في السودان بين الجيش وقوات “الدعم السريع” من عامه الثاني من دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل لإنهائه سواء عبر التفاوض أو الحسم العسكري من قبل أي طرف، فضلاً عما يشهده الوضع في البلاد من انقسامات حادة بين السودانيين حول شكل الحكم بعد توقف هذه الحرب، قال نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار، إن حكومة بلاده تعمل على مراجعة قانون الأحزاب السياسية تمهيداً لبدء عملية سياسية تقود لانتخابات عامة، داعياً القوى السياسية والمدنية لتجاوز ما أسماه بمرحلة التناقض والمطلبية الضدية.
فكيف يرى المراقبون واقع ومستقبل الحكم المدني بعد إنهاء الحرب في ظل هذا الواقع الذي يشهد في الوقت نفسه قبضة من جانب العسكريين؟
تناقض وغموض
يقول عضو لجنة السياسات في المكتب السياسي بحزب “الأمة القومي” عوض جبر الدار، “هل المقصود من مراجعة قانون الأحزاب السياسية القيام بتسجيلها وفق مفهوم معين لعمل تلك الأحزاب أم المراد تغيير القانون بآخر أكثر تعقيداً في ممارسة العمل السياسي للأحزاب، أي شبيه بقانون التوالي السياسي الذي ابتدعته حكومة الرئيس السابق عمر البشير في بداية مشوارها بضم قوى سياسية موالية للسلطة لتمرير أجندتها السياسية، أم المطلوب من هذه الخطوة فعلاً إيجاد قانون للأحزاب لتمارس عملها ونشاطها السياسي بكل حرية من دون تعطيل أنشطتها حتى تنعم البلاد بالأمن والأمان والاستقرار”.
وأضاف “في تقديري واحترامي لهذه الخطوة، إلا أنها قد تعقد المشهد السياسي أكثر لأن الأحزاب السياسية قد لا تستجيب مع هذه الدعوة، بخاصة وأن السلطة القائمة طالبت تلك الأحزاب بتجاوز مرحلة التناقض والمطلبية الضدية، وهذا الوصف فيه إنقاص من قيمة الأحزاب السياسية ومكانتها الاجتماعية والاقتصادية”.
وزاد “صحيح هناك انقسام وسط المجتمع وقواه السياسية والاجتماعية في ظل عدم تحكيم صوت العقل من أجل الدين والوطن وإنهاء هذه الحرب عاجلاً غير آجل وتحقيق السلام، وهذا الانقسام قد زاد من حدة الحرب واشتعالها وأصبح المجتمع منقسماً بين طرفي النزاع وقد يفلت إيقاف الحرب وتحقيق السلام من بين يديها”.
ويرى جبر الدار أن “مستقبل الحكم المدني بعد الحرب سيكون أكثر غموضاً، فهو يحتاج إلى قوة عسكرية ذات بندقية أكثر قوة من بندقية الطرفين المتحاربين من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في ربوع البلاد، نظراً لأن السيولة الأمنية وحمل السلاح خارج الأطر الأمنية بات أمراً مقلقاً، مما يحتاج إلى قوة رادعة تعيد للمواطن الأمن وبسط هيبة الدولة، لكن الواضح أن القوة الرادعة والفاعلة غير متوافرة لدى القوى السياسية المدنية، والخوف أن يفرض المجتمع الدولي هذه القوة وبذلك يدخل السودان في دوامة الهيمنة الدولية ولا يستطيع الفكاك منها في الوقت القريب، وذلك حماية لمصالحه الجيوسياسية والاقتصادية”.
وواصل “في ظل هذا الواقع لا بد من تكوين جبهة مدنية واسعة من كل القوى المدنية من أجل الوطن، وتناسي مرارات الماضي عبر توافق وطني على قرار الحقيقة والمصالحة كما حدث في بلدان كثيرة تجاوزت هذه المرارات من أجل الوطن ومستقبل الأجيال القادمة وإعادة بناء الوطن، وهذا التوافق يحتاج إلى إرادة وطنية تعلي قيمة الوطن بعيداً من المصالح الحزبية والشخصية الضيقة”.
واستطرد “هذه الحرب فرضت واقعاً جديداً، إذ أصبح صوت البندقية هو الأعلى، لكن لا بد من إعلاء صوت العقل وتسريع الحوار السياسي باعتباره السبيل الوحيد والمسار الصحيح لإيقاف الحرب، فكل الحروبات الداخلية التي حدثت في دول كثيرة انتهت بالتفاوض”.
وبين عضو لجنة السياسات في المكتب السياسي في حزب “الأمة القومي” أن “المشهد السياسي الآن يحتاج لقوى مدنية سياسية يجمع عليها الشعب ويثق فيها وقد تسبب انقسام القوى السياسية وعدم توافقها بإضعاف مشروعها السياسي، ولذلك فهي بحاجة للتوافق في ما بينها عبر مشروع وطني لا يستثني أحداً إلا من أجرم في حق الشعب والوطن. وبالتالي لا بد من تناسي مرارات الماضي والعمل على تعزيز بناء الثقة وتقديم قوى وشخصيات سياسية تتمتع بالثقة لدى كل فئات المجتمع، لأنه ما لم تتوافر الثقة سينهار المشروع ويصبح مسار الحكم المدني في السودان في مهب الريح”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تطبيع الحياة
من جانبه، قال الكاتب السوداني ياسر يوسف “في نظري لا بد من العودة للحكم المدني باعتباره الوضع الطبيعي، لكنه يحتاج ظروفاً طبيعية، فحالة الحرب الحالية تجعل من الصعب المضي في إجراءات انتقال سلسة”.
وتابع يوسف “الأولوية الآن هي استعادة الاستقرار وتطبيع الحياة، ومن ثم يتحتم إجراء حوار وطني بناء وشامل بين القوى السياسية للاتفاق على قضايا وخريطة الانتقال نحو الحكم الديمقراطي المستدام، ومن أهم القضايا التوافق على الأمور المركزية كالهوية، وطبيعة الحكم والمصالحة الوطنية الشاملة والعدالة”.
وأردف “القوى المدنية بجميع تياراتها الفكرية وتوجهاتها السياسية بحاجة لتسوية تاريخية تنهي حالة العداء غير المبررة، وتنتج أرضية للتراضي على أصول اللعبة السياسية والتعايش المشترك”.
وأشار الكاتب السوداني إلى أنه “يجب ألا نلتفت إلى ما يثار من تشكيك في نوايا العسكريين، وأن نركز على الظاهر وهو ما أكده نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار بالسعي نحو الانتخابات العامة من أجل بسط سلطة الحكم المدني”.
هروب للأمام
من جهته، أفاد المتخصص في الاقتصاد السياسي حسن بشير محمد نور بأن “الدعوات الصادرة من حكومة الأمر الواقع في بورتسودان ليس لها أي معنى لأنه لا توجد هناك قوى سياسية تتعامل معها بصورة جادة، فالحكومة السودانية في أزمة عميقة بسبب الحرب، ولا توجد دولة في حالة حرب تتحدث عن انتخابات في ظل وجود جزء كبير جداً من الأرض خارج سيطرتها، فضلاً عن وجود عدد كبير من السكان لا يستطيعون العيش بأبسط ما يكون، ناهيك عن أن أكثر من 24 مليون شخص مهددون بالموت جوعاً بحسب المنظمات الدولية”.
وأضاف محمد نور “في مثل هذه الظروف فإن خطوة كهذه تمثل ترفاً بعيداً جداً من الواقع وهروب إلى الأمام ومجرد تخيلات سياسية لا أساس لها على الأرض، فلا يمكن الآن الكلام عن قوانين وانتخابات وإصلاح وما شابه ذلك، لأن مثل هذه القضايا تتطلب أولاً وقف الحرب وإنهاء الترتيبات الأمنية ووصول المساعدات إلى المحتاجين وإعادة توطين المواطنين، ثم بعد ذلك إجراء حوار حول حكومة انتقالية مناط بها القيام بمراجعة القوانين والتشريعات بمختلف أشكالها، إضافة إلى الترتيب لعقد مؤتمر دستوري”.
ومضى في القول “بالتالي كل ما يدور في هذا الشأن هو مجرد أحاديث في فضاء لا علاقة له بالواقع إطلاقاً وهروب من المشكلات الكبيرة التي يعاني منها السودان أو ما تبقى منه، فضلاً عن أنها أفعال غير ناضجة تهم هؤلاء المشاركين في حكومة الأمر الواقع ولا تهم أي طرف آخر، فهناك قطاعات كبيرة من الشعب السوداني لا تعبأ إطلاقاً بمثل هذه الأشياء فهي بين الحياة والموت”.
وختم المتخصص في الاقتصاد السياسي “الآن وصلنا في هذه الحرب لمرحلة حرب قومية وقتل على الهوية واتهامات بإبادة جماعية في كل مكان، إلى جانب فرض عقوبات دولية طاولت رأس النظام الموجود في الحكومة في أعلى قمتها، وهي عقوبات فرضتها دولة محورية ومهمة جداً وعندها سطوة كبيرة جداً في العالم”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية