الذهب والفضة يطويان عاماً من اللمعان والبريق

الذهب والفضة يطويان عاماً من اللمعان والبريق

كان الذهب والفضة نجمي هذا العام حيث حقق المعدنان النفيسان قفزات كبيرة أذهلت الأسواق وعادت بأموال على المستثمرين لم يكونوا يتوقعونها، ورغم التقلبات صعوداً وهبوطاً إلا أن المستويات المسجلة تُعد قياسية في تاريخ الأصفر والأبيض.

فقد ارتفع الذهب بقوة، ثم توقف في منتصف العام، ثم تسارع مجدداً مع اقتراب نهاية العام، مدعوماً بالطلب القوي من المستثمرين وبتدفقات إلى الصناديق المدعومة بالذهب، مما أدى إلى زيادة كبيرة على أساس سنوي.

ما زال المعدنان يتقدمان بشكل يومي وقد شارف العام على الانتهاء، وربما يدخلان العام الجديد بذات القوة حيث إنهما يتخذان وضعهما في الأسواق كأدوات تحوط موثوقة تتجنب الكثير من التبعات الجيوسياسية.

وأصدر بنك «جيه بي مورغان» توقعاته للذهب للعام الجديد قائلاً: «على الرغم من أن هذا الارتفاع في أسعار الذهب لم يكن، ولن يكون، متتابعاً إلا أننا نعتقد أن الاتجاهات التي تدفع هذا الارتفاع في أسعار الذهب لم تنتهِ بعد، وأن الاتجاه طويل الأجل لتنويع الاحتياطيات الرسمية واستثمارات المستثمرين في الذهب مستمر، ونتوقع أن يدفع الطلب على الذهب الأسعار نحو 5000 دولار للأونصة بحلول نهاية عام 2026».

عام قياسي

تجاوز سعر الذهب مؤخراً 4500 دولار للأوقية (الأونصة)، ويتوقع المحللون أن يصل سعره إلى 5000 دولار إذا استمرت الاتجاهات الحالية في السياسة النقدية والظروف الاقتصادية.

وسارت الفضة بخطى سريعة خلال الأسابيع الأخيرة حتى تجاوز سعرها 76 دولاراً للأوقية، وحظيت بذات التوقعات إذ أن العام في نهاياته ولم تظهر تراجعاً.

وهذا العام ارتفع سعر الذهب بأكثر من 70% مسجلاً أكبر مكاسب سنوية له منذ عام 1979، ما دعم هذا الارتفاع الكبير هو عمليات الشراء القوية من قبل البنوك المركزية والتدفقات المستمرة لصناديق الاستثمار المتداولة، ويعد سعر الفضة مرتفعاً بأكثر من 150% هذا العام وهي أيضاً تتجه لتحقيق أفضل أداء سنوي لها منذ عام 1979.

وأظهرت المعادن النفيسة الأخرى أيضاً بريقاً مشهوداً في هذا العام وحققت جميعها مكاسب تاريخية، وكان البلاتين الأقوى ارتفاعاً على الإطلاق في الأسبوع قبل الأخير من العام.

ظروف مؤاتيةشهد الذهب والفضة عاماً استثنائياً في 2025، حيث حطما جميع الأرقام القياسية للأسعار على الإطلاق، إذ ارتفع كلاهما مدفوعين بالطلب عليهما كملاذ آمن، فرغم أن عدم الاستقرار الجيوسياسي، كالمعارك التجارية بين الولايات المتحدة والصين والصراعات في الشرق الأوسط والمخاوف المستمرة من التضخم، أثرت سلباً في الاقتصاد الكلي إلا أنها شكلت ظروفاً مؤاتيه للذهب والفضة حيث عملت، بجانب عمليات الشراء الضخمة من قبل البنوك المركزية، في دعم المعدنين النفيسين.

فهذه الظروف التي تُعد سلبية للاقتصاد كانت هي وتوقعات خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، الداعم الذي جعل من الذهب والفضة أدوات تداول بديلة للعملات الورقية والسندات، وما صب أيضاً في صالح الفضة مشاكل العرض والطلب الصناعي.

أداة تحوطية

شهد العام الحالي توجهاً قوياً من البنوك المركزية حول العالم نحو شراء الذهب، وفي الغالب تقوم هذه البنوك بشرائه لعدة أسباب أهمها تنويع احتياطياتها، وتكتنزه كأداة تحوط ضد التضخم والمخاطر الجيوسياسية وتقلبات الدولار الأمريكي، مما يوفر ملاذاً آمناً خالياً من مخاطر الائتمان، ويعزز الثقة والاستقرار خلال فترات عدم اليقين الاقتصادي.

كما أن هذه الاستراتيجية تقلل الاعتماد على العملات الورقية، وخاصة الدولار، وتحمي الثروة الوطنية من تجميد الأصول أو انخفاض قيمتها، وخير مثال على ذلك العقوبات الأخيرة المفروضة على روسيا.

وبالعودة للتاريخ فإن الدول التي تمتلك عملاتها الخاصة شهدت خلال الحرب العالمية الثانية تقلبات في أسعار الصرف، ويعود ذلك إلى اختلاف الجهات التي تحدد قيمة العملة لتحقيق مكاسب تجارية، كخفض قيمة العملة لتشجيع الصادرات، واعتمدت بعض الدول على الذهب لدعم أسعار صرفها كما ساد الحذر في التجارة والاستثمار الدولي. وإضافة إلى ذلك تبنت العديد من الدول سياسات تجارية مغلقة، وتشكلت عوائق التجارة والاستثمار بأشكال مختلفة، كفرض ضرائب مرتفعة، ودعم الصادرات، مما أدى إلى نشوب نزاعات في أنحاء العالم، وكان من بين العوامل التي أسهمت في اندلاع الحرب العالمية الثانية.

وبعيداً عن السياسة والحروب فإن الذهب من جهة أخرى، على عكس السندات، لا ينطوي على أي مخاطر ائتمانية أو مخاطر تعثر، لأنه ليس التزاماً من طرف لطرف آخر، كالسندات التي تشتريها دولة من دولة أخرى.

ولأن الذهب سلعة مادية ذات معروض محدود فهو يحافظ على قيمته بمرور الوقت ما يجعله ركيزة ثابتة للاحتياطيات الوطنية وذات موثوقية.

توقعات الفائدة

يرتبط الذهب وأسعار الفائدة تقليدياً بعلاقة عكسية، ورغم أنه أمر ليس حتمياً إلا أن سعر الذهب يرتفع في العادة عندما تنخفض أسعار الفائدة، وينخفض عندما ترتفع الفائدة.

والسبب وراء هذه العلاقة العكسية أن ارتفاع أسعار الفائدة يجعل الأسهم والسندات الحكومية وغيرها من الاستثمارات أكثر جاذبية للمستثمرين، أما انخفاض أسعار الفائدة فيجعل هذه الأصول البديلة أقل جاذبية، مما يدفع المستثمرين نحو الذهب ويزيد الطلب عليه وبالتالي سعره، ولهذا السبب، يُنظر إلى الذهب على أنه ملاذ آمن للثروة في أوقات الأزمات المالية.

ففي العادة تؤدي تخفيضات أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) إلى زيادة أسعار الذهب لأن انخفاض أسعار الفائدة يجعل الأصول غير المدرة للدخل، مثل الذهب، أكثر جاذبية مقارنة بالسندات، مع إضعاف الدولار الأمريكي في ذات الوقت.

ومؤخراً تسبب الطلب القوي على الملاذ الآمن وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية في دفع الذهب إلى مستويات قياسية منذ أواخر ديسمبر بسبب توقعات استمرار التيسير النقدي من قبل الاحتياطي الفيدرالي.

ومع ازدياد الثقة في الاقتصاد يميل المستهلكون والشركات المتوسعة، بفضل ما أتيح لهم من زيادة دخل، إلى زيادة الاقتراض، وفي هذه الحالة، غالباً ما ترتفع أسعار الفائدة. ويمكن للبنوك المركزية والمؤسسات المالية أن تتوقع عوائد أكبر على قروضها عندما ترتفع كلفة الاقتراض.

وفي مثل تلك الأوقات المزدهرة تتضاءل جاذبية الاستثمار في الملاذات الآمنة، مع دعم أسعار الفائدة للعملة المحلية، وبالتالي يصبح من المتوقع أن ينخفض سعر الذهب على المدى القصير.

كما تُستخدم زيادات أسعار الفائدة أحياناً كوسيلة لمكافحة التضخم المتزايد، فإذا ارتفعت الأسعار بسرعة، ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لتشجيع الناس على ادخار أموالهم وتقليل الإنفاق، على أمل منع التضخم من أن يصبح مشكلة.

وتختلف أسعار الفائدة من دولة لأخرى، مما يؤثر بشكل متفاوت في اقتصاداتها وعلى أسعار الذهب فيها، وتتمتع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بتأثير أكبر من معظم الدول الأخرى، ونظراً لأن تداول الذهب يتم في الغالب بالدولار الأمريكي، فإن أسعار الفائدة فيها تؤثر بشكل خاص في سعر الذهب. وبناءً على ذلك، عندما يرفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة، فقد يكون لذلك تأثير كبير في سعر الذهب، فعادةً ما يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى انخفاضه، بينما يساعد خفضها على الحفاظ على ارتفاعه.

تراجع هيمنة الدولار

مع انخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسية في العالم كاليورو والين، ترتفع أسعار الذهب، ولأن سعر الذهب يُتداول بالدولار، فعندما يضعف الدولار يصبح الذهب أرخص مقارنةً بالعملات الأخرى التي يحتفظ بها المستثمرون.

والعلاقة العكسية بين الذهب والدولار الأمريكي تعني أن قيمة الذهب ترتفع في الغالب عندما يضعف الدولار، مما يحمي الاحتياطيات.

وهذا ما جعل الاقتصادات الناشئة، كالصين وروسيا وتركيا، تتجه لشراء الذهب هذا العام، وقد قادت هذه الدول الارتفاع الأخير في سعر المعدن الأصفر. ومما يجعل الطلب على الذهب لا يتزعزع هو أن الدول التي تقتنيه تقليدياً، كالولايات المتحدة وألمانيا، ما زالت تحتفظ باحتياطيات كبيرة منه.

ويشير هذا التوجه إلى تحول استراتيجي نحو التخلي عن هيمنة الدولار، بسبب البحث عن مزيد من الاستقلالية المالية والقدرة على مواجهة الاضطرابات الاقتصادية المحتملة.

ويقوم المستثمرون بتحويل الأموال من الأصول المقومة بالدولار إلى الذهب كخطوة دفاعية، كما تقوم الدول بشراء الذهب كبديل لسندات الخزانة الأمريكية، وهذا ما شهدناه في عام 2025 الذي يعد بالفعل عاماً قياسياً للمعادن النفيسة وخاصة الذهب.

المصدر : صحيفة الخليج