هل تتحول الشوكولاتة إلى سلعة فاخرة؟

• تقلبات أسواق الكاكاو دفعت صانعي الحلوى إلى إعادة النظر في مصادر الشوكولاتة
• بينما تشهد بعض المنتجات انخفاضاً في نسبة الكاكاو تتخلى منتجات أخرى عنه تماماً 
• شركات ناشئة تُصنّع بدائل الكاكاو تتهيئ لزمن «الشوكولاتة سلعة فاخرة»
• «شوكولاتة دبي» مرتفع الثمن قد يكون الاتجاه السائد في المستقبل

إذا كنتَ تفتح غلاف حبة الشوكولاتة في موسم العطلات بنهاية العام، فقد لا تحتوي على أي كاكاو حقيقي في داخلها.

أثارت اضطرابات السوق، والمخاوف ذات البعد الأخلاقي، وتساؤلات الاستدامة، حركةً بين بعض صانعي الشوكولاتة للاستغناء عن الكاكاو لصالح مكونات بديلة، مما أثار دعواتٍ بأن الشوكولاتة الحقيقية قد تصبح قريبا سلعة «فاخرة» للمستهلكين.

• اضطرابات السوق

أدت الظروف الزراعية السيئة في غانا وساحل العاج، أكبر منتجي الكاكاو في العالم، إلى تراجع غلة المحاصيل في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى تقلبات حادة في أسعار الكاكاو.

وبعد أن بلغت أسعار العقود الآجلة للكاكاو مستويات قياسية تجاوزت 12,000 دولار أمريكي قرب نهاية العام 2024، انخفضت بأكثر من 50% خلال عام 2025 وسط مؤشرات أولية على تعافي المحصول.

وقد أدى تقلب الأسعار إلى حالة من التوتر لدى الشركات العاملة في هذا القطاع، وامتد تأثيره في نهاية المطاف إلى السلع الاستهلاكية، حيث تُظهر بيانات من شركة سيركانا ومكتب إحصاءات العمل الأمريكي ارتفاع أسعار الشوكولاتة بنسبة 30% سنوياً في أكتوبر/ تشرين الأول 2025.

وفي تقرير أرباحها للربع الثالث، أشارت شركة مونديليز إنترناشونال، الشركة المصنعة لعلامات كادبوري وميلكا وتوبليرون، إلى «تقلب أسعار الكاكاو» و«قدرتها على التحوط بفعالية ضد» ضغوط التكاليف المرتبطة بها، باعتبارها مشاكل محتملة قد تعرقل تحقيق الشركة لأهدافها المالية.

وبينما يكافح المصنّعون للتعامل مع هذا التذبذب، يلجأ بعضهم إلى تقليل اعتمادهم على سوق الكاكاو من خلال تغيير مزيج مكونات منتجاتهم.

في وقت سابق من هذا العام، أحدث تغيير في تركيبة ألواح شوكولاتة ماكفيتيز كلوب وبينجوين ضجة في المملكة المتحدة، حيث أفادت التقارير أنه لم يعد بالإمكان وصف هذه المنتجات بالشوكولاتة. يجب الآن وضع ملصق «بنكهة الشوكولاتة» على كلا المنتجين، بعد أن خفضت الشركة الأم، بلاديس، نسبة الكاكاو في محاولة لخفض التكاليف.

• الشوكولاتة «الحقيقية»

وفقًا لماسيمو ساباتيني، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة فوريفرلاند الإيطالية الناشئة، فإن الابتعاد عن الكاكاو يكتسب زخما بين مصنعي الحلويات العالميين، لدرجة أنه قد يصبح من المعتاد رؤية استخدام «الشوكولاتة البديلة» في منتجات بأسعار معقولة. تستخدم «فوريفرلاند الخروب» وبذور اليقطين والحمص لإنتاج منتج شبيه بالشوكولاتة يُباع لشركات تصنيع الحلويات والمخبوزات والآيس كريم.

قال ساباتيني لشبكة سي إن بي سي: «يضم سوق الشوكولاتة منتجات متنوعة، من ألواح الشوكولاتة إلى منتجات لا يُعدّ الكاكاو فيها المكون الرئيسي، بل مجرد عنصر ثانوي»، مشيرًا إلى سلع مثل البسكويت، وحبوب الإفطار بنكهة الشوكولاتة، والوجبات الخفيفة المغطاة بالشوكولاتة.

وأضاف: «أعتقد أن الشوكولاتة البديلة ستستحوذ على هذا السوق الضخم، بينما ستصبح ألواح الشوكولاتة النقية منتجًا فاخرًا بشكل متزايد».

وأشار ساباتيني إلى رواج «شوكولاتة دبي» مؤخراً لتوضيح وجهة نظره، مشيرا إلى أن بعض ألواح الشوكولاتة هذه تُباع بسعر يصل إلى 80 يورو (93.09 دولار) للكيلوغرام.

وتابع: «سوق الشوكولاتة يتجه بالفعل نحو هذا المسار».

• تجربة البرغر النباتي

إضافةً إلى ضغوط الأسعار، تُسوّق شركة فوريفرلاند وغيرها من الشركات المصنّعة للبدائل منتجاتها كحلول لمخاوف قديمة بشأن الاستدامة والتوريد الأخلاقي في صناعة الكاكاو.

وقال ساباتيني: «إذا قارنّا هذا البديل ببدائل أخرى في السوق، مثل البرغر النباتي، نجد أن الشوكولاتة تُستخدم في تطبيقات عديدة ومتنوعة، بينما البرغر يبقى برغرا».

وأضاف: «يمكن أن تكون الشوكولاتة وجبة خفيفة، أو لوح شوكولاتة، أو بسكويت، أو أي شيء آخر. هناك مئات المنتجات المختلفة التي لا تُعدّ الشوكولاتة عنصرا أساسيا فيها، حيث يمكن أن تُشكّل الشوكولاتة البديلة حلا حقيقيا، لتقديم منتجات أكثر استدامة إلى السوق، وفي الوقت نفسه تخفيف الضغط على سلسلة توريد الكاكاو».

• أسعار الشوكولاتة النقية

ونقلت «سي إن بي سي» عن درو جيراغتي، وسيط السلع في شركة ICAP بنيويورك، قوله أنه على الرغم من مؤشرات انتعاش الأسعار في سوق العقود الآجلة، إلا أن الشوكولاتة النقية قد تستمر في الحفاظ على أسعارها المرتفعة لبعض الوقت.

عادةً ما يقوم كبار مستهلكي الكاكاو بتثبيت الأسعار مسبقا بفترة طويلة، تغطي غالبا ما بين ثمانية إلى عشرة أشهر من الإنتاج، مما يمنحهم سيطرة أكبر على مخاطر تقلبات الأسعار. لكن جيراغتي أشار إلى أن المصنّعين الصغار لا يتمتعون بهذه المرونة، لذا فهم عادةً ما يكتفون بالتحوط لفترة 3 إلى 6 أشهر.

• العقود الآجلة

العقود الآجلة هي عقود يوافق فيها مشتري العقد على شراء سلعة ما – في هذه الحالة، الكاكاو – بسعر محدد وفي تاريخ محدد. وقد سُجّل آخر سعر لعقود الكاكاو الآجلة للتسليم في مارس/ آذار 2026 عند 5897 دولارا للطن في نيويورك.

وأشار جيراغتي إلى أن المصنّعين الذين اشتروا العقود الآجلة قبل ثمانية أشهر كانوا يشترون بأسعار مرتفعة خلال أواخر عام 2024 وأوائل عام 2025.

• استجابة بطيئة

في عامي 2023 و2024 وبداية عام 2025، لم تستجب الأسعار في المتاجر بالسرعة المطلوبة، لأن المستهلكين كانوا لا يزالون يستهلكون عقودهم الآجلة ذات الأسعار المنخفضة – فما اشتروه في سوق العقود الآجلة قبل ستة إلى ثمانية أشهر هو ما سيحدد الأسعار، كما أوضح.

وأضاف: «الأسعار المنخفضة اليوم، مع انخفاض السوق بنسبة 50% مثلاً خلال 2025، ستؤدي إلى انخفاض الأسعار في متاجر التجزئة بعد ستة إلى ثمانية أشهر».

• مُستخلص بذور دوار الشمس

وافقت جيسيكا كارتش، مديرة التسويق في شركة «بلانيت إيه فودز» الألمانية – التي تُصنّع بديلاً للشوكولاتة مُستخلصاً من بذور دوار الشمس – على أن بدائل الكاكاو ستنتشر بشكل متزايد في المستقبل.

وقالت: «نعتقد أن المشاكل التي نشهدها حالياً في سلسلة توريد الكاكاو لن تختفي. لذا، قد تستقر الأسعار إلى حدٍ ما، لكنها لن تعود إلى رخصها السابق».

وأشارت كارتش إلى أن «بلانيت إيه» تشهد بالفعل طلباً متزايداً، ولاحظت وجود تنوّع متزايد في البدائل التي تُطرح في السوق.

وأضافت: «نحن نحب الشوكولاتة، ولا نريد استبدالها، لكننا نرى فجوة متزايدة أيضاً. فمن جهة، لدينا مشاكل في سلسلة التوريد، ومن جهة أخرى، لدينا طلب متزايد، خاصة في دول مثل الصين والهند، ولهذا السبب نرى هذه الفجوة، ونريد المساعدة في سدّها».

• تطبيقات مُدمجة

أكّد كلٌّ من كارتش وساباتيني لشبكة «سي إن بي سي» ارتفاع الطلب على منتجاتهما. وهما ليسا الوحيدين في هذا السوق، إذ تُقدّم العديد من الشركات الناشئة، بما فيها شركة نوكوكو البريطانية وشركة فويج فودز الأمريكية، ما يُطلق عليه كارتش «شوكولاتة خالية من الكاكاو».

وقالت ناتاشا لينهارت، الرئيسة التنفيذية لشركة أتلانتي لتجارة الجملة في السلع الاستهلاكية سريعة التداول، إنّ بدائل الشوكولاتة ستنتشر على الأرجح في «قطاعات مُحدّدة وتطبيقات مُدمجة».

وأضافت: «تُستخدم المواد الخالية من الكاكاو أو المُصنّعة بالتخمير بشكل متزايد في التغليف والحشوات والمخبوزات كبديل جزئي للكاكاو. ويقوم العديد من المُصنّعين بالفعل بتخفيف تركيز الكاكاو من خلال زيادة نسبة الشوكولاتة في منتجاتهم. فعلى سبيل المثال، وسّعت علامات تجارية مثل ميلكا نطاق منتجاتها حيث تُملأ نسبة كبيرة من ألواح الشوكولاتة بكريمة الزبادي أو رقائق الأرز المقرمشة، ما يُخفّف من تركيز الكاكاو مع الحفاظ على الشعور بالمتعة والقيمة».

• «حشوات» التحكم في التكاليف

وقالت لينهارت إنها تتوقع رؤية المزيد من المنتجات التي تُكمّل فيها حشوات الكاكاو التقليدي للتحكم في التكاليف ومخاطر الإمداد.

وأضافت: «مع ذلك، سيظل الكاكاو الركيزة الأساسية لألواح الشوكولاتة الشائعة، نظرًا لتوقعات المذاق والقيمة العاطفية المرتبطة بـ’الشوكولاتة الحقيقية’».

وقال جيراغتي من شركة ICAP إنه نظرًا لـ «حالة الصدمة النفسية في السوق»، فمن المرجح أن يزداد استخدام بدائل الكاكاو حيثما أمكن للمصنعين ذلك.

• زبدة الكاكاو ثلاثة أضعاف السعر

وأوضح: «في وقت من الأوقات، كان سعر زبدة الكاكاو ثلاثة أضعاف سعر العقود الآجلة للكاكاو، حيث بلغ سعر العقود الآجلة للكاكاو 9000 إلى 10000 دولار للطن، بينما كان سعر زبدة الكاكاو يتراوح بين 27000 و30000 دولار للطن – وهو سعر باهظ للغاية».

وقال: «لذا، يتسابق المصنعون لصنع ألواح شوكولاتة أصغر حجماً، ويبحثون عن بدائل حيثما أمكن. على الرغم من انخفاض الأسعار إلى النصف، سيفكرون لماذا ننفق هذا المبلغ بينما يمكننا التوجه نحو زبدة الشيا أو بعض أنواع الشوكولاتة المركبة؟»