الثقافة مشروع وطني مستدام | صحيفة الخليج

الثقافة مشروع وطني مستدام | صحيفة الخليج

عبّر مثقفون إماراتيون لـ«الخليج» عن تقييمهم لحصاد العام الثقافي 2025، وآفاقهم المشرقة للعام المقبل.

يرى الكاتب والشاعر خالد الظنحاني أن العام 2025 شكّل محطة فارقة في وعي المثقف الإماراتي والعربي في ما يتعلق بدوره الفكري والإنساني، خصوصاً في زمن التحولات الثقافية والتكنولوجية، ففي هذا السياق المتغير، يبين الظنحاني أن الكلمة غدت التزاماً أخلاقياً ومسؤولية معرفية، تفرض على المثقف أن يكون حاضراً في المجال العام، مشاركاً في النقاش، ومسهماً في تشكيل الوعي الجمعي.

ويضيف أن التجربة الثقافية داخل دولة الإمارات نموذجاً متقدماً في إدارة العلاقة بين الثقافة والمجتمع، حيث يتعزز حضور المثقف بوصفه شريكاً في المشروع الحضاري، فقد أفرز هذا المشهد حراكاً ثقافياً، يعكس وعياً مؤسسياً بأهمية الثقافة في التنمية الإنسانية والمعرفية، ويؤكد أن الاستثمار في العقل والخيال لا يقل شأناً عن الاستثمار في البنية التحتية والاقتصاد. هذا التفاعل بين المؤسسات الثقافية والمبدعين أسهم في ترسيخ ثقافة الاستدامة، القائمة على التخطيط طويل الأمد، والانفتاح على العالم، مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية.

ويؤكد أن من أبرز سمات المشهد الثقافي في 2025، هو توسيع دوائر الحوار وبناء جسور تواصل حقيقية بين مثقفين وأكاديميين من خلفيات متعددة، تحوّلت معها هذه اللقاءات إلى فضاءات لتبادل الأفكار والخبرات، ومناقشة قضايا تتصل بالهوية، والتعليم، والإنسان المعاصر، وقيم السلام والتسامح والمسؤولية المجتمعية. ليتأكد أن الثقافة قادرة على الإسهام في مواجهة أزمات العالم، حين تقترن بالصدق والانفتاح.

وعند استشراف عام 2026، يبين الظنحاني أن الرؤية الثقافية تتجه نحو مشاريع مستدامة ومبادرات فكرية عابرة للحدود، تخاطب الإنسان بوصفه قيمة مشتركة، وتعمل على تعزيز حضور المثقف الإماراتي والعربي في المشهد العالمي، بوصفه صانعاً للثقافة ومشاركاً في صياغة خطاب إنساني معاصر. وفي هذا الإطار، يعكس حصاد 2025 إيماناً راسخاً بأن الثقافة قوة ناعمة قادرة على التأثير والتغيير، من دون التفريط بالجذور أو الوقوع في العزلة.

* تنوع

على مستوى المسرح، حمل عام 2025 زخماً لافتاً في الحركة المسرحية الإماراتية، كما يوضح فيصل علي، مدير المسرح الحديث بالشارقة، الذي يتوقف عند اتساع رقعة النشاط المسرحي على مستوى الدولة، وامتداده إلى أكثر من إمارة، مع تركيز واضح في الشارقة بوصفها مركزاً أساسياً لهذا الحراك. فقد شكلت «أيام الشارقة المسرحية» في دورتها الرابعة والثلاثين حدثاً محورياً، استضافته مرافق ثقافية متعددة، وقدّم عروضاً متنوعة صاحبتها ندوات فكرية وورش عمل، واستقطب فنانين ونجوماً من مختلف أرجاء الوطن العربي.

ويلفت علي إلى أن الإمارة شهدت عدة فعاليات مسرحية أهمها مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، ومهرجان المسرح الثنائي في دبا الحصن، فضلاً عن مهرجان المسرح الصحراوي في دورته التاسعة بمنطقة الكهيف، حيث جرى توظيف المكان الطبيعي كجزء من العرض المسرحي، مانحاً التجربة بعداً جمالياً وبصرياً مختلفاً. وفي سياق الاهتمام بالجمهور العائلي، يبين علي أن مهرجان الإمارات لمسرح الطفل واصل أداء دوره بوصفه رافداً أساسياً لتكوين أجيال جديدة على صلة مبكرة بالفن المسرحي.

كما سجلت الفجيرة حضوراً لافتاً عبر مهرجانها الدولي للمونودراما في دورته الحادية عشرة بمنطقة العقة التراثية، بمشاركة عروض من دول عدة، وندوات تطبيقية وحوارية، رافقتها فعاليات شعبية وأكلات تقليدية أسهمت في تعزيز البعد التراثي والمعرفي للتجربة المسرحية. هذا التنوع، بحسب فيصل علي، كشف عن نقاط قوة وتحديات في آنٍ واحد، مع تعدد المنصات بين المسرح التنافسي، والتخصصي، والموقعي، والشبابي، كما في مهرجان دبي لمسرح الشباب، الذي أتاح مساحة حقيقية لتمكين المواهب الشابة في الإخراج والكتابة والتمثيل وسائر عناصر العرض.

أما التطلعات لعام 2026، فيرى علي أنها تتجه نحو توسيع دائرة الورش المسرحية المتخصصة، لا سيما في التقنيات الحديثة، وإعداد الممثل، وبناء العرض المسرحي المتكامل، على مدار العام وفي أغلب الفرق المسرحية، بما يعزز الحراك الثقافي ويطور التجربة المسرحية محلياً وخارجياً. ويخلص إلى أن حصاد 2025 يعكس التزام الدولة بجعل المسرح فضاء للتنوع والتجريب، وعنصراً أساسياً في المشهد الثقافي.

*هوية

يصف الباحث في التراث الشعبي الإماراتي فهد المعمري عام 2025 بأنه موسم ثقافي حافل بالإنجازات المحلية والعالمية، جسّد جهود وزارة الثقافة والمؤسسات المعنية في تعزيز المعرفة وصون الهوية الوطنية. فقد حافظ معرض الشارقة الدولي للكتاب على مكانته بوصفه أحد أبرز المعارض عالمياً، مع تركيز واضح على دعم الإصدارات الإماراتية وبرامج التراث والحوار الفكري، بما يعكس عمق الحراك الثقافي في الدولة.

ويوضح المعمري أن اختتام مؤتمر «آيكوم» للمتاحف في دبي شكّل محطة مهمة، ناقشت عبرها جلسات وورش عمل قضايا تطوير المتاحف وصون الذاكرة الإنسانية، بمشاركة واسعة من جهات ثقافية محلية وعالمية. وفي مجال التراث غير المادي، نجحت الإمارات في إدراج أربعة عناصر جديدة في قائمة اليونسكو، إضافة إلى إدراج موقع الفاية الأثري في الشارقة ضمن قائمة التراث العالمي، بوصفه شاهداً على الوجود البشري المتواصل منذ مئات الألوف من السنين.

ويؤكد المعمري أن طموحه يتجاوز التوثيق إلى إنتاج كتابة معرفية تمنح التراث قيمته بوصفه منظومة متكاملة، ترتبط بالبيئة واللغة والاقتصاد والعمران والعلاقات الإنسانية. ويرى أن خدمة التراث مسؤولية علمية وأخلاقية، تتطلب قراءة معمقة وتحليلاً واعياً، بعيداً عن التكرار والاستنساخ، مشيراً إلى أن حصاد 2025 يعكس التزام الإمارات بجعل التراث عنصراً فاعلاً في بناء الهوية الوطنية وتعزيز حضورها الإنساني عالمياً.

* ثراء

تنظر الفنانة خلود الجابري إلى عام 2025 بوصفه لحظة تتويج لمسار طويل من التحولات البنيوية التي شهدها المشهد الفني في دولة الإمارات، مسار بدأ بإمكانات محدودة ومساحات عرض قليلة، لينتهي اليوم إلى حالة من الثراء المؤسسي والتنوع اللافت في المنصات والتجارب. فقد شهدت مختلف إمارات الدولة خلال هذا العام تكاثراً واضحاً في المعارض والملتقيات الفنية والغاليريات، بدعم مباشر من وزارة الثقافة وهيئات ثقافية متعددة، إلى جانب حضور فاعل للمؤسسات الخاصة التي لعبت دوراً مهماً في توسيع دائرة العرض وإتاحة الفرص أمام الفنانين.

وتشير الجابري إلى أن هذا التراكم لم ينعكس فقط على الكمّ، بل أسهم في رفع مستوى التجربة الفنية، وخلق بيئة أكثر احترافية تسمح للفنان بالتجريب والانفتاح على مدارس وأساليب متعددة. وبات الفن، وفق هذا السياق، جزءاً من المشهد اليومي والحياة العامة، ومؤشراً على وعي حضاري يتعامل مع الإبداع بوصفه حاجة مجتمعية. كما أتاح هذا الحراك للفنانين الإماراتيين والمقيمين مساحة أوسع للحضور والتفاعل، سواء عبر المعارض المحلية أو المشاركات الخارجية.

وعند استشراف المرحلة المقبلة، تركز الجابري على أهمية توجيه الدعم نحو الفنانين الشباب والمقيمين، عبر ورش عمل دولية وبرامج تدريبية متقدمة تسهم في تطوير المهارات التقنية والفكرية على حد سواء. كما ترى ضرورة ربط الفنون التشكيلية بالتراث الرقمي ووسائطه الحديثة، للوصول إلى الأجيال الجديدة، ومواكبة تحولات التلقي وأساليب العرض. وتؤكد في هذا السياق أن تطوير الفنان لذاته، بالبحث والتجريب والانفتاح، يظل الركيزة الأساسية لأي تجربة فنية ناجحة، مهما اتسعت دائرة الدعم وتنوعت المنصات.

* مشروع

في قراءة للمشهد الثقافي، تذهب الشاعرة والكاتبة مريم الزرعوني إلى أن الثقافة في دولة الإمارات تحولت إلى مشروع دولة متكامل يعيد صياغة العلاقة مع المعرفة، وينقلها من منطق الحدث العابر إلى منطق السياسات الثقافية المستدامة. هذا التحول، في تقديرها، يعكس وعياً مؤسسياً بدور الثقافة في بناء الإنسان، وفي صياغة هوية وطنية قادرة على الحوار مع العالم دون فقدان خصوصيتها.

وتلفت مريم الزرعوني إلى أن هذا التوجه تجلّى بوضوح في دعم النشر والإنتاج الأدبي، وازدهار معارض الكتب في مختلف إمارات الدولة، إلى جانب برامج الإقامات الأدبية والورش المتخصصة التي لم تعد تكتفي بصقل المهارات، بل باتت تسهم في بناء كفاءات ثقافية قادرة على الاستمرارية. هذا الحراك، برأيها، أسهم في تنشيط المشهد الأدبي، وفتح مساحات جديدة أمام الكتابة الإماراتية لتجريب أشكال وأسئلة أكثر جرأة وعمقاً.

كما تشير إلى الحضور الإماراتي اللافت في الجوائز العربية والعالمية في مجالي الرواية والشعر، بوصفه مؤشراً على نضج التجربة وتراكمها، إلى جانب حراك مسرحي وفني متواصل، وافتتاح مؤسسات ثقافية وبحثية كبرى تؤكد تكامل الثقافة مع الاقتصاد الإبداعي والسياحة والتعليم. وترى أن هذا التكامل يعكس فهماً حديثاً لدور الثقافة بوصفها محركاً للتنمية، لا قطاعاً معزولاً عنها.

وفي استشرافها لعام 2026، تتطلع مريم الزرعوني إلى مرحلة أكثر عمقاً وتأثيراً، تقوم على تمكين الكتابة الإماراتية، وبناء الكفاءات الثقافية، وترسيخ حضور عالمي يعكس وضوح الرؤية وعمق الرهان على الثقافة القادرة على إنتاج المعنى وتعزيز الحوار في عالم مضطرب.

المصدر : صحيفة الخليج