2025.. الثقافة قلب «القوة الناعمة» للإمارات

2025.. الثقافة قلب «القوة الناعمة» للإمارات

برزت الثقافة في العام 2025 كرافد مهم في صياغة المشهد الاجتماعي والفكري داخل الإمارات وعلى الساحتين العربية والدولية، وتنوع الحراك الثقافي بين مجموعة من الفعاليات والمعارض والفعاليات الأدبية، كم امتد ليشمل نقاشات نقدية وجوائز أدبية ومبادرات معرفية، عبرت عن تعاظم الوعي بمكانة الثقافة كركيزة في بناء المجتمعات وتوسيع آفاقها.

شهدت محطات المشهد الثقافي لعام 2025، زخماً على صعيد الفعاليات والمعارض والجوائز الأدبية والفنية، محلياً ودولياً، من معارض الكتب الكبرى ومهرجانات المسرح والفنون التشكيلية إلى المبادرات التراثية والورش التعليمية، حيث شكّلت هذه المحطات فضاءات للتفاعل بين المثقف والجمهور، ولتعزيز الحوار بين الثقافات.

ازدهار مسرحي

شهد المسرح الإماراتي في عام 2025 حالة من الازدهار اللافت، تمثلت في تنوع المهرجانات وتوسع رقعة الأنشطة المسرحية في مختلف الإمارات، ما جعل العام محطة مهمة في مسيرة الحركة المسرحية الخليجية والعربية. فقد افتُتحت أيام الشارقة المسرحية في دورتها الرابعة والثلاثين بعروض إماراتية وعربية تناولت قضايا الإنسان والمجتمع برؤى معاصرة، واحتضن مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي نخبة من الفرق الخليجية التي قدمت أعمالاً مميزة تعزز الحوار الثقافي بين شعوب المنطقة. كما شهد مسرح خورفكان انطلاقة جديدة مع مهرجان خورفكان المسرحي، الذي جمع مواهب إماراتية شابة ضمن إنتاجات مسرحية نوعية هدفت إلى ترسيخ مكانة المدينة كمركز ثقافي ناشط في الإمارة.

وفي سياق متصل، تواصلت الجهود الرامية إلى دعم الأجيال الجديدة من خلال مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي ومهرجان الفجيرة للمسرح المدرسي، اللذين قدّما تجارب طلابية مبدعة في الأداء والإخراج، بينما برز مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة كمنصة لصقل مهارات الفنانين الشباب في العروض المكثفة. كما احتفى مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي بروح البيئة الإماراتية من خلال عروض أقيمت في عمق الصحراء، مجسداً تلاقي الفن بالتراث.

وفي الجانب الكشفي، قدم مهرجان الشارقة للمسرح الكشفي نماذج تجمع القيم الكشفية بروح الإبداع الفني، في حين واصل مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما استقطاب أبرز الفنانين العرب والعالميين في عروض فردية مؤثرة، ليسهم بذلك في ترسيخ موقع الإمارات كحاضنة للمسرح العربي والعالمي على حد سواء.

مركزية القصيدة

تصدر المشهد الشعري في الإمارات خلال 2025 عدد من المهرجانات والبرامج والجوائز التي جسدت الرهان المؤسسي المتواصل على القصيدة، مع تنوع لافت بين الشعر الفصيح والنبطي والنقد الشعري والبرامج التلفزيونية ذات الانتشار الجماهيري.

فقد واصل «مهرجان الشارقة للشعر العربي» ترسيخ موقع الإمارة كحاضنة مركزية للقصيدة العربية عبر أمسيات وقراءات وندوات تكريمية ونقدية، بالتوازي مع «مهرجان الشارقة للشعر النبطي» الذي استقطب شعراء النبط من الإمارات والخليج، محافظاً على الذاكرة الشفاهية ومجدداً صلتها بالأجيال الجديدة. وإلى جانب ذلك، حافظ معرض الشارقة الدولي للكتاب على حضوره الشعري عبر فضاءات مخصصة للقصيدة، فيما واصلت الجوائز المتخصصة، مثل جائزة ندوة الثقافة والعلوم للشعر العربي وجائزة الشارقة لنقد الشعر العربي، تعزيز البيئة التحفيزية للإبداع والقراءة النقدية معاً.

في موازاة هذا الحراك، لعبت برامج المسابقات الشعرية التلفزيونية في أبوظبي، وعلى رأسها «شاعر المليون» للشعر النبطي و«أمير الشعراء» للشعر الفصيح، دوراً محورياً في نقل الشعر إلى الفضاء الجماهيري الواسع، عبر منصات تجمع بين التنافس والإبهار البصري والحضور الإعلامي الكثيف، ما أتاح اكتشاف أصوات جديدة وترسيخ حضور القصيدة على الشاشة.

وفي الشارقة، برز «بيت الشعر» بوصفه ذراعاً ثقافية نشطة عبر سلسلة أمسيات وندوات وورش عمل استضافت شعراء ونقاداً من الإمارات والعالم العربي، وربطت أنشطته بدورات مهرجان الشارقة للشعر العربي والنبطي، بينما حافظت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية وندوة الثقافة والعلوم على برامج منتظمة جمعت بين القراءات الشعرية والحوارات النقدية، لترسّخ مجتمعة صورة الإمارات كأحد أهم المراكز العربية الراهنة لثقافة الشعر.

تألق

بدورها واصلت معارض الكتاب في الإمارات تألقها الثقافي، حيث تصدّر «الشارقة الدولي للكتاب» المشهد بوصفه إحدى أبرز الفعاليات العالمية السنوية، إذ انطلق في مركز إكسبو الشارقة تحت شعار «بينك وبين الكتاب»، مستقطباً دور نشر عالمية ومئات الكتّاب والمبدعين مع ضيف شرف يوناني يمثل جسراً حضارياً بين الشرق والغرب.

قدم المعرض برنامجاً غنياً يجمع بين جلسات توقيع كتب مكثفة تجمع الكتّاب مع قرائهم مباشرة، وورش عمل إبداعية تركز على فنون الكتابة والنشر الرقمي، وملتقيات فكرية عميقة تناقش قضايا المعرفة المعاصرة مثل دور التكنولوجيا في تعزيز القراءة والترجمة العربية للأدب العالمي، إلى جانب عروض أدائية تجمع بين الشعر والموسيقى والفنون البصرية لربط التراث الثقافي العربي بالتجارب العالمية المعاصرة، مما جعله فضاء حيوياً يعكس التزام الشارقة بدعم صناعة الكتاب وتشجيع الإبداع الأدبي على المستويين الإقليمي والدولي.

أما «معرض أبوظبي الدولي للكتاب»، فقد عزز دوره كمنصة رئيسية لصناعة النشر والتبادل الثقافي تحت شعار «مجتمع المعرفة… معرفة المجتمع»، حيث جذب آلاف الزوار والعارضين من دول عديدة، مقدماً مجموعة متنوعة من الإصدارات الجديدة في مجالات الأدب والعلوم والفلسفة والتاريخ، إلى جانب فعاليات مكثفة لمتحدثين من جهات حكومية وثقافية تشمل ندوات حول مستقبل القراءة في عصر الذكاء الاصطناعي والنشر الرقمي، ولقاءات مع كبار الكتّاب والمفكرين العرب والأجانب.

واستقطب مهرجان العين للكتاب 2025 دورته الـ16 تحت شعار «العين أوسع لك من الدار»، أكثر من 220 جهة عارضة، وقدم برنامجاً ثقافياً متنوعاً يضم جلسات حوارية، ورش عمل، وعروض شعرية وفنية، إلى جانب فعاليات للأطفال وذوي الهمم.

تراث

سجل العام 2025 حضوراً لافتاً لإنجازات التراث في الإمارات، عكس بوضوح رؤية وطنية تتعامل مع التراث باعتباره ركيزة أساسية في بناء الهوية وتعزيز المعرفة.

فقد تواصلت الجهود المؤسسية التي تقودها وزارة الثقافة، إلى جانب الهيئات الثقافية المحلية،على صعيد صون التراث وتدويله، حيث حققت الإمارات خلال العام إنجازات نوعية عززت حضورها في المنصات العالمية المعنية بالثقافة والذاكرة الإنسانية.

ففي مجال التراث غير المادي، أُدرجت أربعة عناصر تراثية جديدة في قائمة اليونسكو، شملت فن الآهلة كملف وطني، والبشت وزفة العروس والكحل العربي كملفات مشتركة، إلى جانب نقل السدو إلى القائمة التمثيلية، ليرتفع رصيد الدولة إلى تسعة عشر عنصراً مسجلاً. كما شكل إدراج موقع الفاية الأثري في الشارقة ضمن قائمة التراث العالمي محطة تاريخية، كأول موقع في الإمارة ينال هذا الاعتراف، لما يحمله من قيمة علمية بوصفه سجلاً للوجود البشري يمتد لأكثر من مئتي ألف عام.

وتكاملت هذه الإنجازات مع فعاليات تراثية راسخة مثل أيام الشارقة التراثية، وملتقى الشارقة الدولي للراوي، ومعرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، مؤكدة مكانة الإمارات دولةً رائدة في صون التراث، وتحويله إلى قوة ثقافية حية تعزز الانتماء والهوية في عالم سريع التحول.

جوائز

برزت في الإمارات خلال عام 2025 جوائز ثقافية رئيسية احتفلت بالإبداع في الرواية والأدب والنقد والفنون والخط والشعر، مؤكدة التزام المؤسسات الحكومية بدعم التراث والإنتاج المعاصر.

فقد واصلت جائزة الشيخ زايد للكتاب إعلان فائزيها في فئات الأدب والأدب للأطفال والترجمة، إلى جانب جائزة الشارقة للإبداع العربي وجوائز العويس الثقافية والجوائز الأدبية ضمن معرض الشارقة الدولي للكتاب، فيما أطلق اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الدورة السادسة عشرة لجائزة غانم غباش للقصة القصيرة، وفي سياق الفنون والخط، أسهمت جائزة الفجيرة الدولية للخط العربي والزخرفة بفئات الشعر الفصيح والنبطي والخط الكلاسيكي والحديث.

كما أعلنت جائزة «سرد الذهب» عن تسعة فائزين من الإمارات والمغرب ومصر وعمان والكويت، في فروع تشمل القصة القصيرة المنشورة وغير المنشورة والسردية الإماراتية والرواة والسرد البصري.

مركز إقليمي

أكدت الإمارات دورها الريادي كمركز إقليمي للفنون التشكيلية والخط العربي، من خلال فعاليات متنوعة عززت الحوار الثقافي والإبداع المعاصر، فانطلق بينالي الشارقة بدورته السادسة عشرة بعنوان «رِحالنا»، وشارك فيه 200 فنان عالمي عبر مواقع متعددة في الإمارة، مستكشفاً الترحال والتحولات البيئية والثقافية عبر الفنون البصرية والأدائية، كما احتضن بينالي دبي للخط فعاليات ركزت على «الزخرفة والتذهيب» ودورات في خطوط الثلث والنسخ والرقعة، بينما رسخ مؤتمر الفجيرة السنوي للخط والزخرفة مكانته بورش عمل ونقاشات حول مدارس الخط العربي واتجاهاته الحديثة.

واستكمالاً لهذا الحراك الفني الغني، برز مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية ضمن برنامج الشارقة الفني لهذا العام، حيث احتضن معارض تفاعلية وورش عمل متخصصة في الزخرفة الإسلامية التقليدية، مستعيداً فنون الهندسة والأرابيسك مع دمجها في رؤى معاصرة، بمشاركة فنانين من الإمارات والعالم لتعزيز حضور التراث البصري.

كما أسهمت النسخة الـ 11 من ملتقى الشارقة للخط تحت شعار «تراقيم» التي تنظمها إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة في الشارقة، بنقاشات معمقة حول تطور الخط العربي من المدارس الكلاسيكية إلى الابتكارات الرقمية، مع ورش عمل عملية للخطاطين الشباب ركزت على خطوط الثلث والديواني، مما أنتج أعمالاً فنية حية عكست ديناميكية الفن الخطي في عصرنا.

إلى جانب ذلك، انطلق معرض «صيف الإمارات التشكيلي 2025» في رأس الخيمة، بمشاركة 19 فناناً إماراتياً و10 دول عربية وأجنبية، مقدماً لوحات وتجهيزات فنية متنوعة في الرسم والتصوير الفوتوغرافي والنحت، ليؤكد الانفتاح على الحوار البصري الدولي.

محطات

مثّل العام 2025 في الإمارات محطة ثقافية غنية بفعاليات بارزة شكلت دفعة نوعية للحراك الفكري والمعرفي، ووضعت الدولة أكثر على خريطة المشهد الثقافي العربي والدولي. ففي أبوظبي استضافت العاصمة القمة الثقافية – أبوظبي 2025، التي جمعت قيادات الفكر والإبداع من مختلف أنحاء العالم في جلسات حوارية وورش عمل تناولت أهمية الثقافة في التنمية المستدامة والتفاعل بين الفنون، التكنولوجيا، والإعلام، مع تأكيد واضح على دور الثقافة في المجتمع المعاصر وتطوير السياسات الثقافية.

من جانب آخر، لعبت مكتبة محمد بن راشد دوراً ثقافياً محورياً من خلال استضافتها وتنظيمها فعاليات قمة دبي الدولية للمكتبات والنشر 2025، التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المشاركين وتنوعاً في الجلسات التي ناقشت مستقبل النشر والمكتبات في العصر الرقمي، مع برامج تفاعلية وجلسات حوارية أثرت النقاش حول صناعة المعرفة.

وعلى صعيد المبادرات المؤسسية، قدمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية سلسلة فعاليات ثرية داخل فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب، من بينها عروض لمطبوعاتها وبرامج تسليط الضوء على رموز الثقافة العربية مثل سلطان بن علي العويس، إلى جانب ندوات ومحاضرات ناقشت الدبلوماسية الثقافية والتراث الإبداعي الإماراتي والعربي.

كما أسهمت العديد من المؤسسات الثقافية على امتداد جغرافيا الدولة، في تنشيط المشهد ببرامج قراءة وورش تعليمية وأنشطة للشباب والعائلات، مما عزز من مكانة الإمارات كمركز للفعاليات الثقافية الكبرى التي تجمع بين المعرفة، الإبداع، والتفاعل المجتمعي على امتداد العام.

أصوات مميزة

اتسم عام 2025 في العالم العربي بزخم ثقافي وأدبي بارز، عزز من حضور النص العربي وأصواته المتنوّعة على الساحة الإبداعية، إذ واصلت أهم الجوائز الأدبية إضاءة مسارات جديدة في الرواية والقصة. وفي مقدمة هذه الجوائز، احتفظت جائزة البوكر الدولية للرواية العربية (International Prize for Arabic Fiction – IPAF) بمكانتها كأرفع تكريم للرواية المكتوبة بالعربية، حيث نالت رواية«صلاة القلق» للروائي المصري محمد سمير ندا الجائزة بعد أن اختارتها لجنة التحكيم من بين ستة أعمال مرشّحة تمثل مشهد الرواية العربية المعاصر في مصر والعراق ولبنان وسوريا وموريتانيا والإمارات.

كما جاء المستوى الدولي أيضاً حافلاً أيضاً بالأحداث والجوائز الأدبية، وفي أرقى وأقدم الجوائز الأدبية في العالم، مُنحت جائزة نوبل في الأدب للروائي المجري لاسلّو كراسناهوركاي تقديراً لعمق رؤيته الفنية وقدرته على إعادة تأكيد قوة السرد في مواجهة تحديات العصر، ما وضع اللغة والرواية في قلب النقاش الإنساني العالمي حول دور الأدب في فهم معاناة الإنسان ومعترك الحياة.

كما أثارت جائزة البوكر الدولية 2025 اهتمام القرّاء والنقاد على حد سواء بفوز مجموعة القصص Heart Lamp للكاتبة الباكستانية بانو موشتاق والمترجمة ديبا بهاثي، وفي بريطانيا أيضاً، تُوِّج ديفيد سزالي بجائزة البوكر للرواية عن عمله Flesh، في إشارة إلى استمرار الرواية الإنجليزية في تقديم أعمال تتناول القضايا الوجودية بأسلوب أصيل ومتجدّد. هذه الجوائز والفعاليات الدولية لا تُسهم وحدها في تعزيز مكانة الأدب العالمي، بل تعكس كذلك تداخل السرديات الثقافية عبر الحدود، وإبراز قدرة الأدب على استدعاء الأسئلة الكبرى في زمن تتقاطع فيه التجارب الإنسانية على نحو غير مسبوق.

المصدر : صحيفة الخليج