
ما القيمة العادلة لشركة تكنولوجيا؟ لم يعد لهذا السؤال إجابات جيدة في ظل التغير السريع الذي يُحدثه الذكاء الاصطناعي في مشهد الاستثمار.
جاءت أحدث صدمة من شركة “أوراكل” (Oracle)، عملاقة برامج قواعد البيانات التي تُعد إحدى الشركات الراسخة منذ وقت طويل وفقاً لمعايير وادي السيليكون. فقد قفزت أسهمها بنسبة 36%، وهي أكبر زيادة منذ عام 1992، بعد أن وقّعت الشركة “عقوداً سحابية كبيرة مع كبريات شركات الذكاء الاصطناعي”. وبلغ إجمالي التزام الأداء المتبقي (RPO) – أو الإيرادات المتعاقد عليها التي تتوقع الشركة تحصيلها – 455 مليار دولار، وهو ما يزيد بأكثر من أربعة أضعاف مقارنة برقم العام الماضي. وكانت صدمة كبيرة رغم أن هذه الشركة الضخمة مغطاة من قبل 47 وسيطاً، يُفترض أنهم يعرفونها جيداً.
اقرأ المزيد: قيمة “أوراكل” السوقية تتجاوز “جيه بي مورغان” بفضل الخدمات السحابية
لا شك أن هذه المفاجأة الضخمة في الأرباح تُعد انتصاراً لرئيس مجلس الإدارة لاري إليسون. فقد مرت شركته بدورة فقاعة الدوت كوم في تسعينيات القرن الماضي، حين تراجعت قيمة سهمها بأكثر من 80% بعد انفجار الفقاعة عام 2000. ورغم أن سعر سهم “أوراكل” تعافى بعد عقود، إلا أنها فقدت الكثير من بريقها. ولم تعد جزءاً من الشركات “السبع الكبرى”، كما لم يُنظر إليها باعتبارها من أبرز المستفيدات من طفرة الذكاء الاصطناعي.
تحليل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي
لكن للأسف، هذا الارتفاع الحاد لسهم “أوراكل” يثير أيضاً سؤالاً صعباً حول ما إذا كان محللو البيع قادرين على تقييم شركات التكنولوجيا في عصر الذكاء الاصطناعي. فمع تحسن قدرات هذه التكنولوجيا بشكل غير تدريجي أو متوقع أحياناً، يحتاج المتخصصون في الاستثمار إلى أخذ هذا الجانب في الاعتبار بتقديراتهم من دون أن تبدو توقعاتهم غير منطقية.
خلال مكالمة الأرباح، ركّز إليسون على “الاستدلال باستخدام الذكاء الاصطناعي”، وهي عملية استخدام نموذج مدرّب مسبقاً لتوليد المحتوى لصالح عملاء قاعدة البيانات الحاليين. هذه التطبيقات الجديدة، التي تُسهّل على الشركات التعلم واستخلاص الرؤى من بياناتها الخاصة، تتمتع بمستقبل واعد. قد يكون المحللون على دراية بالإمكانات السوقية لها، لكنهم قد يترددون في قياسها بطريقة ذات مغزى. ففي نهاية المطاف، تبلغ نسبة اعتماد الشركات الأميركية على الذكاء الاصطناعي على مستوى الاقتصاد 9.7% فقط، بحسب مجموعة “غولدمان ساكس”.
فقدان الثقة في أدوات التقييم التقليدية
تزداد صعوبة وضع تصورات موثوقة للتدفقات النقدية المستقبلية بفعل حقيقة أن أكبر اللاعبين في عالم الذكاء الاصطناعي هم شركات خاصة، وبالتالي لا يُلزمهم القانون بالكشف عن نفقاتهم الرأسمالية، إلا في حال جمع تمويل. فعلى سبيل المثال، تُفيد التقارير أن “أوبن إيه آي” (OpenAI) توقعت أن تنفق 115 مليار دولار حتى عام 2029، وهو رقم يزيد بنحو 80 مليار دولار عن تقديراتها السابقة. لكن لا أحد يعلم على وجه الدقة كم من هذا الإنفاق الإضافي سيذهب إلى “أوراكل”. كل ما نعرفه هو أن الاتجاه العام يشير إلى زيادة الطلب على خدمات الحوسبة السحابية، التي توفرها شركة إليسون.
اقرأ أيضاً: “أوراكل” تزود “OpenAI” بمليوني شريحة ذكاء اصطناعي لمراكز البيانات
هذه مخاوف مشروعة، لكن يمكن ملاحظة خطورة استمرار المحللين في التقليل من قدرة الشركة على تحقيق الأرباح. فعلى المدى الطويل، سيفقدون مصداقيتهم، وسيُهمل المستثمرون ببساطة مكررات التقييم – التي تُعد أهم مرساة في سوق الأسهم. ما الفائدة من النظر إلى نسب السعر إلى الأرباح المستقبلية إذا كان مدراء الأموال يعتقدون أن المحللين لا يملكون أدنى فكرة ومتأخرين بخطوة دائماً؟ لقد كان هناك شعور مشابه خلال فقاعة الدوت كوم.
لا شك أن أصحاب رؤوس الأموال الجريئة النافذين في وادي السيليكون مستعدون تماماً للقول إن التقييم لا يهم عندما تكون التكنولوجيا الثورية لا تزال في مرحلة التطور، لأنهم لا يستطيعون تبرير استثماراتهم بطريقة أخرى. إليك مثالاً على ذلك: مستثمرون من بينهم مجموعة “سوفت بنك” و”ثرايف كابيتال” (Thrive Capital) و”دراجونير” (Dragoneer) يشترون أسهماً في “أوبن إيه آي” بتقييم يبلغ 500 مليار دولار، أي ما يقارب ضعف السعر الذي كانوا يدفعونه قبل نحو ستة أشهر فقط، فلماذا هذا التغير الدراماتيكي؟
نحو نماذج تقييم جديدة
في السابق، كان محللو الاستثمار يستخدمون نماذج التدفقات النقدية المخصومة أو مضاعفات الأرباح للحصول على فكرة عمّا إذا كان السهم مبالغاً في تقييمه أو منخفض السعر. لكن مع دخولنا في نظام عالمي جديد وظهور تكنولوجيا ثورية، كيف يمكننا التنبؤ بالمجهول المعروف؟
قد يهمك: “أوراكل” سخرت من الخدمات السحابية في البداية.. ثم حدث التحوّل
لطالما ناقش الأكاديميون، على مدى عقود، فكرة إدراج نماذج تسعير الخيارات ضمن تقييمات الشركات، من خلال تضمين قيمة خيار شراء للأخذ في الحسبان سيناريو النمو غير المحدود، وربما حان الوقت الآن لكي يصغي محللو جانب البيع إلى تلك النصيحة.
المصدر : الشرق بلومبرج