يشعر المستهلكون والشركات الأميركية بعدم الارتياح في الوقت الحالي خوفاً من ارتفاع معدلات التضخم، بينما يتحدث الرئيس دونالد ترمب عن تعريفات جمركية ضخمة، مما يثير تساؤلات حول ما يعنيه المزاج الاقتصادي المتوتر في السوق الأميركية بالنسبة إلى الإنفاق والتوظيف ومستقبل أكبر اقتصاد في العالم.

ضمن مذكرة بحثية حديثة أوضح كبير الاقتصاديين في وكالة “موديز” مارك زاندي “يمكن القول إن أنواع التغييرات التي تحدث في عهد ترمب غير مسبوقة وهي تجعل الأميركيين وغيرهم متوترين للغاية، فإذا استمرت الثقة في الانخفاض لمدة ثلاثة أشهر أخرى وزادها المستهلكون بالفعل، فستنتهي اللعبة”، في إشارة واضحة إلى دخول الاقتصاد الأميركي في ركود عنيف.

وتضع مخاوف التضخم بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب أميركا على حافة الهاوية، وفقاً لاستطلاعات مختلفة، وانخفضت ثقة المستهلك بصورة حادة في فبراير (شباط) الجاري، مسجلة أكبر انخفاض شهري لها منذ أغسطس (آب) من عام 2021.

وأعلن الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة الذي يقوم بجمع البيانات منذ عام 1973 عن ثالث أعلى قراءة على الإطلاق لمؤشر عدم اليقين الخاص به ليناير (كانون الثاني) الماضي.

التشاؤم يضرب “وول ستريت”

وأصبح التشاؤم واضحاً في “وول ستريت” وتحولت معنويات المستثمرين في منتصف هذا الأسبوع إلى “الخوف الشديد”، مما لم يحدث منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2024، وفقاً لمؤشر الخوف والجشع التابع لشبكة “سي أن أن”.

لكن المواقف الأكثر كآبة لا تؤدي عادة إلى تراجع الإنفاق، وفقاً للمحللين الاقتصاديين، فعلى سبيل المثال في يونيو (حزيران) عام 2022، عندما انخفضت ثقة المستهلك إلى مستوى قياسي مع وصول التضخم إلى أعلى مستوى له منذ أربعة عقود، واصل المتسوقون الأميركيون الإنفاق في الأشهر التالية.

لكن المواقف المتوترة هذه المرة، مدفوعة بعدم اليقين الذي زرعته إدارة ترمب، يمكن أن تؤثر فعلياً في الاقتصاد إذا استمرت إدارته في تعزيز الحماية والتوسع في فرض رسوم وجمارك بنسب ضخمة على أكبر شركاء للولايات المتحدة الأميركية.

وقال زاندي “من السابق لأوانه للغاية استنتاج أن ديناميكيات الركود بدأت تترسخ، ولكن قد يكون هذا وقتاً فريداً عندما تؤدي حال عدم اليقين إلى تقلب المعنويات رأساً على عقب وتؤدي في الواقع إلى تراجع المستهلكين”.

لا علامات واضحة على الركود حتى الآن

وتشير البيانات الرسمية إلى أن الإنفاق الاستهلاكي يمثل نحو 70 في المئة من اقتصاد الولايات المتحدة وتمثل مبيعات التجزئة نحو ثلث الإنفاق الإجمالي، بالتالي إذا استمر الأميركيون في الإنفاق بوتيرة صحية فمن غير المرجح أن يتشكل الركود.

وعلى رغم عدم وجود علامات على تراجع المستهلكين، فإن أحدث البيانات حول إنفاق التجزئة لم تكُن مشجعة بعدما انخفضت مبيعات التجزئة بنسبة 0.9 في المئة خلال يناير الماضي مقارنة ببيانات ديسمبر عام 2024، وفقاً لبيانات وزارة التجارة، وهو أول انخفاض شهري منذ أغسطس 2024. وقال اقتصاديون إن الرقم الأضعف من المتوقع يرجع على الأرجح إلى الطقس البارد غير المعتاد الذي أجبر المتسوقين على الاحتماء وليس علامة على خروج المتسوق الأميركي، ومن المقرر أن تصدر وزارة التجارة أرقاماً أكمل حول الإنفاق الاستهلاكي بعد غد الجمعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال الأسبوع الماضي حذرت شركة “وول مارت”، وهي من أكبر متاجر التجزئة في السوق الأميركية، من أن نمو مبيعاتها وأرباحها قد يتباطأ هذا العام، وقد أدت أعوام من التضخم المرتفع وارتفاع كلف الاقتراض إلى إجهاد بعض المستهلكين، خصوصاً من ذوي الدخل المنخفض.

سوق العمل ما زالت بحال جيدة

وقال متخصص في الشأن الاقتصادي لدى اتحاد الائتمان الفيدرالي البحري روبرت فريك  الذي لا يتوقع حدوث ركود هذا العام إن “الارتباط الأفضل مع الإنفاق هو مع دخل المستهلك والصحة العامة لسوق العمل”.

فيما تظهر بيانات وزارة العمل أن سوق العمل في أميركا بصورة عامة لا تزال في حال جيدة، إذ تبلغ نسبة البطالة أربعة في المئة ويستمر متوسط ​​الأجر في الساعة بالنمو، مما يبشر بالخير بالنسبة إلى الإنفاق، لكن تسريح العمال الفيدراليين يمكن أن يدفع المستهلكين إلى تقليص الإنفاق.

وقال فريك “عندما يُسرح العمال قرب المنزل، يبدأ الناس بالتوتر”.

وبدأت إدارة ترمب بتوجيه من إدارة الكفاءة الحكومية التابعة لإيلون ماسك بتقليص القوى العاملة المدنية في الحكومة الفيدرالية التي يبلغ عددها أكثر من 3 ملايين شخص، وتمثل القوى العاملة المدنية الفيدرالية أقل من اثنين في المئة من إجمال الوظائف البالغ 170.7 مليون وظيفة في الولايات المتحدة.

ويرى المحللون أن عمليات تسريح العمال هذه لن تؤدي على الأرجح إلى الإطاحة بسوق العمل الأميركية المرنة.

وضمن مذكرة بحثية حديثة، قالت كبيرة الاقتصاديين في “أكسفورد إيكونوميكس” غريس زويمر “نتوقع أن نشهد ارتفاعاً طفيفاً في معدل البطالة في وقت لاحق من هذا العام، ولكن يظل ثابتاً في الغالب”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية