أصبح مشهد الألواح الشمسية المثبتة على أسطح المنازل ومزارع الطاقة الكبيرة أمراً شائعاً في عديد من المناطق حول العالم، وهذا الارتفاع في الطاقة الشمسية مدفوع بتطورين رئيسين، أولهما يتمثل بصناعة الألواح الشمسية بكميات هائلة، وثانيهما بالزيادة المستمرة في كفاءة تحويل الطاقة للألواح، وهو مقياس لمقدار ضوء الشمس الذي يمكن تحويله إلى كهرباء.
تحول الألواح الشمسية المتاحة تجارياً اليوم نحو 20 إلى 22 في المئة من ضوء الشمس إلى طاقة كهربائية، ومع ذلك، أظهرت دراسة بحثية جديدة نشرت في مجلة “نايتشر” العلمية أن الألواح الشمسية المستقبلية قد تصل كفاءتها إلى 34 في المئة من خلال استغلال تقنية جديدة تسمى الخلايا الشمسية الترادفية.
ما هي الخلايا الشمسية الترادفية؟
تُصنع حالياً جميع الألواح الشمسية تقريباً من السيليكون، وفي حين أن السيليكون مادة ناضجة وموثوقة، فإن كفاءتها محدودة بنحو 29 في المئة.
للتغلب على هذا العائق، لجأ فريق من الباحثين في شركة الطاقة الصينية العملاقة “لونجي” إلى الخلايا الشمسية الترادفية، والتي تكدس مادتين شمسيتين فوق بعضهما البعض لالتقاط مزيد من طاقة الشمس.
تستعين هذه التقنية الجديدة التي طورتها الشركة الصينية بمواد البيروفسكايت الشمسية، التي اكتشفت قبل أقل من عقدين من الزمن، كمكمل مثالي لتكنولوجيا السيليكون الراسخة، ويمكن لمواد البيروفسكايت التقاط الضوء الأزرق عالي الطاقة بكفاءة أكبر من السيليكون.
ويبذل المجتمع العلمي جهوداً هائلة في الخلايا الشمسية البيروفسكايتية، ولقد حافظوا على وتيرة هائلة من التطوير مع ارتفاع الكفاءة (لخلية واحدة في المختبر) من 14 إلى 26 في المئة في غضون 10 سنوات فحسب، وهذه التطورات كان لها الفضل في الاستفادة من هذه الخلايا ودمجها في الخلايا الشمسية الترادفية عالية الكفاءة، مما يعطينا مساراً إيجابياً لتوسيع نطاق تكنولوجيا الطاقة الكهروضوئية إلى حدود تريليونات الواط التي يحتاجها العالم لإزالة الكربون من إنتاج الطاقة.
انعكاس الخلايا الشمسية الترادفية على الكلفة
يمكن للخلايا الترادفية الجديدة التي حطمت الرقم القياسي أن تلتقط 60 في المئة إضافية من الطاقة الشمسية، وهذا يعني أن هناك حاجة إلى عدد أقل من الألواح لإنتاج الطاقة نفسها، مما يقلل من كلف التركيب والأرض (أو مساحة السطح) المطلوبة للمزارع الشمسية.
تقوم الخلايا الكهروضوئية القائمة على السيليكون اليوم بتحويل نطاق صغير فحسب من الأطوال الموجية الأطول من ضوء الشمس إلى كهرباء. في المقابل يمكن من خلال الخلايا الشمسية الترادفية ضبط البيروفسكايت، وهو مركب أشباه موصلات خفيف الوزن ومنخفض الكلفة، لامتصاص الأطوال الموجية الأقصر من الضوء التي تفوتها الخلايا الشمسية السيليكونية، وعند الجمع، يمكن لطبقة رقيقة من البيروفسكايت فوق خلية شمسية سيليكونية تحويل مزيد من ضوء الشمس إلى طاقة كهربائية قابلة للاستخدام مقارنة بأي خلية بمفردها.
تكمن الحيلة في أن طبقة البيروفسكايت تستخدم النطاق الموجي الكامل للضوء المرئي وتحوله إلى تيار كهربائي، من ناحية أخرى، يخترق ضوء الأشعة تحت الحمراء القريبة طبقة البيروفسكايت، ويضرب الخلية السيليكونية الموجودة تحتها ويتحول إلى طاقة كهربائية، ومن خلال العمل بصورة متناغمة، يزيد ثنائي الخلايا الشمسية من كفاءة تحويل الطاقة إلى أكثر من 30 في المئة، كما من الناحية النظرية، من الممكن تحقيق كفاءة تصل إلى 40 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووجدت دراسة جديدة نُشرت في المملكة المتحدة حول انعكاس الخلايا الشمسية الترادفية على الأسر البريطانية، أنه مع تحسين كفاءة الألواح من 22 إلى 34 في المئة من دون زيادة كلفة التثبيت، فإن تقليص فواتير الكهرباء سيرتفع من 558 جنيهاً استرلينياً (747 دولاراً) سنوياً إلى 709 جنيهات استرلينية (950 دولاراً) سنوياً، بالتالي فإن زيادة قدرها 27 في المئة في المدخرات النقدية من شأنها أن تشجع الناس أكثر على استخدام الطاقة الشمسية، حتى في بريطانيا التي يسودها الطقس الممطر والغائم.
متى يمكننا شراء هذه الألواح الشمسية الجديدة؟
مع استمرار البحث العلمي، تُبذل جهود كبيرة لتوسيع نطاق هذه التكنولوجيا وضمان متانتها على المدى الطويل، وتُصنع الخلايا الترادفية التي حطمت الأرقام القياسية حالياً في المختبرات وهي أصغر من طابع البريد، لذا تحمل ترجمة هذا الأداء العالي على أرض الواقع تحدياً هائلاً.
وقد أعلنت شركة “أوكسفورد بي في” البريطانية العام الماضي، وهي شركة رائدة في تكنولوجيا البيروفسكايت، عن أول بيع للألواح الشمسية الترادفية التي طورتها، بعد نجاحها في معالجة تحديات دمج مادتين شمسيتين وصنع ألواح متينة وموثوقة، وفي حين لا تزال هذه الألواح بعيدة من مستوى 34 في المئة من الكفاءة، فإن عملهم يظهر طريقاً واعداً للخلايا الشمسية من الجيل التالي.
وهناك اعتبار آخر وهو استدامة المواد المستخدمة في الألواح الشمسية الترادفية، إذ يمكن أن يكون استخراج ومعالجة بعض المعادن في الألواح الشمسية مكثفاً للطاقة، وإضافة إلى السيليكون، تتطلب الخلايا الشمسية البيروفسكايتية عناصر الرصاص والكربون واليود والبروم كمكونات لجعلها تعمل بصورة صحيحة، كما أن ربط البيروفسكايت بالسيليكون يتطلب مواد نادرة تحوي على عنصر يسمى الإنديوم، وتالياً لا يزال هناك الكثير من البحوث المطلوبة لمعالجة هذه الصعوبات.
نحو مستقبل أكثر إشراقاً
وعلى رغم التحديات، تظل المجتمعات العلمية والصناعية ملتزمة بتطوير أجهزة شمسية مترادفة يمكن دمجها في أي شيء تقريباً، وتشير التطورات الأخيرة المتعلقة بالخلايا المترادفة عالية الكفاءة إلى مستقبل مشرق للطاقة الشمسية يضمن استمرارها في لعب دور أكثر بروزاً في التحول العالمي إلى الطاقة المتجددة.
كما أن كفاءة الخلايا الشمسية الترادفية المصنوعة من السيليكون والبيروفسكايت أصبحت الآن في النطاق الذي لم يكن من الممكن تحقيقه في السابق إلا من خلال أشباه الموصلات باهظة الثمن، والتي تستخدم في إمداد الأقمار الاصطناعية بالطاقة وفي محطات الطاقة المركزة.
ومع اختبار تقنية وتصنيع الخلايا الشمسية الترادفية من حيث المبدأ، ستركز الدول في المستقبل القريب أكثر فأكثر على اختبار أداء الخلايا الشمسية الترادفية في بيئات العالم الحقيقي تزامناً مع دعمها لسياسات توسيع صناعة الطاقة الكهروضوئية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية