
يتخيل معظم الناس التكيف مع تغير المناخ على أنه استعداد لارتفاع في درجات الحرارة. ولهذا السبب نجد في المملكة المتحدة بعض خزانات المياه التي آن أوان إقامتها منذ زمن، ولهذا السبب بات في مقاطعة كينت وفرة من كروم العنب ويحاول مزارعون رواد إنتاج الزيت من زيتون مزروع محلياً في لينكولنشاير.
لكن ماذا لو دفعتنا أزمة المناخ إلى عالم من فصول شتاء متجمدة وصيف جاف، وتصبح هذه الاستثمارات الزراعية هباءً منثوراً؟ لقد قللوا من شأن هذا الخطر بشدة، كما أُهمل التواصل بشأنه؛ وكل هذا يتوقف على ما يحدث في المحيط الأطلسي.
توالي الطقس المتطرف في تكساس ينبئ بمستقبل مناخ الكوكب
يعتمد نظامنا الجوي على الدورة الانقلابية المحيطية الزوالية. ينقل هذا النظام الحيوي لتيارات المحيط المياه الدافئة شمالاً قبل أن يعود جنوباً مع تدفق مياه عميقة وباردة. يساعد انتقال الحرارة الناتج عن ذلك أوروبا الغربية على أن تكون أكثر اعتدالاً من غيرها من المناطق الواقعة على خطوط العرض نفسها، مثل سيبيريا، كما يلعب دوراً في أنماط هطول الأمطار العالمية وتوزيع العوالق النباتية (وبالتالي مخزون الأسماك والتنوع البيولوجي تحت الماء).
لكن البشر عرضوا الحزام الناقل البحري الشاسع للخطر بحرقهم للوقود الأحفوري فارتفعت درجات الحرارة والملوحة، يُتوقع أن يَضعف التيار المتناوب المحيط-أطلسي مع ارتفاع درجة حرارة المحيطات وتخفيف ملوحة شمال الأطلسي بسبب كميات هائلة من المياه العذبة جرّاء ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند.
هل نشهد تغيرات غير قابلة للتحويل؟
يعتبر العلماء هذا عامل تحول محتمل: فقد نصل إلى نقطة تسيطر فيها حلقات التغذية الراجعة وتتسبب في تغيير مفاجئ في النظام: انهيار التيار المتناوب المحيطي الأطلسي. هناك كثير من عدم اليقين، بما في ذلك مستوى الاحتباس الحراري الذي تبدأ عنده التغيرات التي لا رجعة فيها، والإطار الزمني الذي قد يحدث خلاله توقفه.
بدأ جمع البيانات في عام 2004 فقط، لذلك يصعب فصل الاتجاهات طويلة المدى عن التقلبات قصيرة المدى. تستخدم الدراسات؛ مثل ورقة بحثية نُشرت في يناير 2025 تفيد بأن تيار المحيط الأطلسي الجنوبي لم يتباطأ خلال العقود الست الأخيرة، ودراسة نُشرت عام 2018 تُشير إلى أن ذلك قد وقع، وعلينا استخدام النماذج المناخية لدراسة هذا التباين. رغم وجود أدلة على ضعف تيار المحيط الأطلسي الجنوبي، مثل ظهور “كتلة باردة” جنوب جرينلاند مباشرة، إلا أن الاختلاف بين الدراسات المنشورة صعّب تحديد حجم المخاطر.
نشر مرايا في الفضاء تشتيت خطير لجهود التحول الأخضر
يتفق العلماء على أنه قابل للانهيار بالتأكيد – فقد شهد تحولات مفاجئة بين وضعي الضعف والقوة عدة مرات خلال 70000 عام خلت؛ وأن التأثير سيكون وخيماً. لكن الأسهل تجاهل أمر ما عندما يبدو العلم غير حاسم إلى هذا الحد. في العام الماضي فقط، إليك بعض الاستنتاجات المتناقضة من دراسات مختلفة:
- أكتوبر 2024: “تيارات المحيط الأطلسي على وشك الانهيار”.
- يناير 2025: لم يتراجع تيار المحيط الأطلسي الجنوبي خلال 60 عاماً خلت.
- فبراير 2025: ”لا يرجح حدوث انهيار كامل لتيارات المحيط الأطلسي الحيوية هذا القرن”.
- أغسطس 2025: “لم يعد ممكناً اعتبار انهيار تيار أطلسي حيوي حدثاً ضعيف الاحتمال”.
إن سرد استنتاجات كهذه يوحي بأن الإجماع يتأرجح بشدة من جانب إلى آخر، لكن كل ورقة بحثية من هذه الأوراق تُضيف جزءاً إلى ما يسميه عالم المحيطات والمناخ ستيفان رامستورف على مدونة (RealClimate) “أحجية صور مقطعة ضخمة” للفهم العلمي.
هل الوضع مقبل على انهيار؟
على سبيل المثال، يبدو أن الدراسة البحثية المنشورة في دورية (Nature) في فبراير، وقاد إعدادها عالم مكتب الأرصاد الجوية جوناثان بيكر، تُناقض الدراسات التي تُحذر من أن الدورة الأطلسية تدنو من نقطة التحول الحاسمة. لكن الفرق يكمن في الدلالات؛ فدرجة الضعف المُصنّفة على أنها “انهيار” في أحدث ورقة بحثية، وقد شارك رامستورف في تأليفها، “ليست انهياراً” في المقالة السابقة.
وجد تحليل بيكر لأكثر من 30 نموذجاً مناخياً أنه حتى في ظل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الشديدة وتدفق المياه العذبة، يستمر التيار المحيطي الأطلسي، مدفوعاً برياح المحيط الجنوبي، وإن كان في حالة ضعف شديد.
هل هذا مطمئن؟ ليس بالنسبة لي. سيكون لضعف التيار المحيطي الأطلسي تداعيات هائلة على الكوكب، مثل فصول شتاء أوروبية أكثر قسوة، تخيلوا كيف سيكون انخفاض درجة الحرارة إلى (-20) درجة مئوية في أمستردام؟، وتسارع في ارتفاع منسوب مياه البحار، وازدياد حدة الأعاصير. لكن التغطية الإعلامية ركزت على تصريح بيكر بأن نظام التيارات المحيطية “في مأمن من انهيار المناخ” بدلاً من التركيز على التفاصيل الدقيقة.
كيف تسهم الخرائط بتخفيف وطأة كوارث المناخ على العشوائيات؟
تستشرف الدراسة البحثية الأحدث، المنشورة في دورية (Environmental Research Letters)، ما بعد عام 2100، مستخدمةً نماذج مناخية للتنبؤ بما قد يحدث في ظل سيناريوهات انبعاثات مختلفة بحلول عامي 2300 و2500. إذا استمرت انبعاثات الكربون في الارتفاع، فإن 70% من التوقعات تتجه إلى انهيار الدورة الأطلسية بحلول 2300. وإن التزمنا بوعودنا في اتفاقية باريس، ستكون فرص وقوع هذا قائمة بفرصة 25%.
عندما يكون العلماء غير متأكدين أو يبدو الخطر منخفضاً، يميل الناس إلى عدم القلق. لكن عندما يتعلق الأمر بآثار كارثية محتملة (إذا كان احتمال تحطم الطائرة التي كنت على متنها 25%، فهل ستسافر؟) فإن اتخاذ نهج احترازي أمر ضروري. إن إيلاء اهتمام أكبر لما يحدث في المحيط الأطلسي قد يدفع العالم إلى درجة خشية تكفي لإجبارنا على أن نتعامل مع أزمة المناخ بجدية.
المصدر : الشرق بلومبرج