هل ينجح عقار لداء السكري في مكافحة الزهايمر؟

هل ينجح عقار لداء السكري في مكافحة الزهايمر؟

كان فريق علماء يحلل بيانات السجل الصحي الدنماركي منذ بضع سنوات حين فاجأهم أن مرضى السكري الذين استخدموا دواء ”فيكتوزا“ (Victoza)، أحدث أجيال دواء سكري تنتجه ”نوفو نورديسك“، أو أدوية مشابهة من مثبطات ببتيد شبيه الغلوكاغون-1 (GLP-1)، كانت أعراض الخرف لديهم أدنى بقدر ملحوظ ممن تلقوا ما سوى ذلك من علاجات.

انخفض تحديداً خطر الإصابة بالخرف لدى البالغين ممن تناولوا الحقن لمدة عامين بنسبة 20% تقريباً. قال مارتن هولست لانغ، كبير المسؤولين العلميين في شركة الأدوية: “هذا في حد ذاته ليس دليلاً قاطعاً لكنه لفت انتباهنا“.

كانت نوفو تدرس ما إذا كانت أدوية (GLP-1) الأحدث قادرة على مساعدة المرضى الذين يعانون اضطرابات مرتبطة بالسمنة في القلب والكبد والمفاصل. وقررت اختبار آثار هذه الأدوية على مرض الزهايمر أيضاً مدفوعةً جزئياً بتحليل البيانات الدنماركية المثيرة للاهتمام، التي ساهمت (نوفو) في نشرها.

سباق عالمي للوصول إلى علاج لمرض الزهايمر

تصدر نتائج هذه التجارب في الخريف، وإذا أظهرت النتائج ما تأمل برؤيته الشركة، فقد تُحدث عقارات (GLP-1s) ثورة في علاج مرض الزهايمر، وهو الشكل الأكثر شيوعاً للخرف. هذا ليس مؤكداً بأي حال من الأحوال، لكن إذا نجحت، فقد تكون المكاسب هائلة.

يقدّر محللون لدى مجموعة ”يو بي إس“ (UBS) أن هناك فرصة من عشر لاحتمالية نجاح الشركة في تحقيق مبيعات سنوية إضافية بقيمة 15 مليار دولار لعلاج الزهايمر. قال لانغ من شركة ”نوفو“: “نحن متحمسون لهذا الأمر”، لكننا نتعامل على أن فرص نجاحه ضئيلة جداً.

صعوبة شديدة في تطوير دواء للخرف

يُعرف مرض الزهايمر بأنه مجال صعب جداً من حيث تطوير الأدوية، إذ فشلت مئات الدراسات الواعدة على مر السنين. وقد تحققت بعض الاكتشافات الحديثة، لكن لا يوجد حتى الآن دواء لمنع أو عكس الإصابة بهذا المرض، الذي قد يؤدي إلى تدهور معرفي مُدمر وفقدان للذاكرة وتغيير في الشخصية. 

برغم موافقة الجهات التنظيمية الأميركية على دواءين جديدين لعلاج مرض الزهايمر خلال السنوات الثلاث الماضية من شركتي ”إيساي“ (Eisai) و“إيلي ليلي آند كو“ (Eli Lilly & Co)، إلا أنهما يُبطئان تقدم المرض بنحو الثلث فقط. كما يُمكن أن يُسببا نزيفاً دماغياً في حالات نادرة، لكنها قد تكون مميتة في بعض الأحيان.

عقار “كيسونلا” لعلاج الزهايمر يحصل على الموافقة الأميركية

إن تجارب ”نوفو“ هي أكبر الدراسات حتى الآن لفئة من الأدوية تعمل بطريقة مختلفة تماماً. قالت ميشال شنايدر بيري، مديرة مركز ”كريغر كلاين“ لأبحاث الزهايمر بجامعة روتغرز، التي لم تشارك في دراسة ”نوفو“: “إذا أظهروا شيئاً، فسيكون ذلك مذهلاً … أنا متفائلة جداً”.

تزمع شركة الأدوية أن تقدم بيانات من دراستين أعدتهما على النسخة الدوائية من دواء ”أوزيمبيك“ -واسمه الصيدلاني ”سيماغلوتايد“- على أكثر من 3500 شخص يعاني درجة طفيفة من مرض الزهايمر، وذلك في مؤتمر يُعقد في سان دييغو في أوائل ديسمبر. إذا اتبعت ”نوفو“ الممارسات الصناعية المعتادة، فستُفصح عن نجاح الدراسات أو فشلها في وقت أبكر، بمجرد الانتهاء من تحليل البيانات. وقد رفض متحدث باسم “نوفو” الإفصاح عن مزيد من المعلومات.

تهدف الأدوية المتاحة حالياً إلى مكافحة الأميلويد، وهو عبارة عن تكتلات بروتينية سامة مشوهة تتراكم في دماغ المصاب بمرض الزهايمر. أما فكرة استخدام ”سيماغلوتيد“ فهي مختلفة. بدل أن يهاجم الأميلويد مباشرةً، اقترح الباحثون أن هذا الدواء، الذي يُحاكي هرموناً معوياً يُسمى (GLP-1)، قد يُقلل الالتهاب ويُغير طريقة استخدام الدماغ للسكر.

عقار متعدد الاستخدامات

تُشير عدة دراسات إلى أن مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بالخرف، لذا قد يكون هذا الارتباط منطقياً. وقد ثبتت فعالية ”سيماغلوتيد“ كأداة لعلاج أمراض مزمنة أخرى، وكذلك كطريقة سريعة لفقدان الوزن، ما يجعله مساعداً غذائياً مفضلاً لدى الأوساط الثرية، ومنها هوليوود.

قال هوارد فيليت، المؤسس المشارك والمدير العلمي لمؤسسة اكتشاف أدوية الزهايمر، إذا نجحت التجارب، فسيصبح سيماغلوتايد “من أوائل الأدوية المضادة للشيخوخة”.

بالنسبة لشركة ”نوفو“، التي تصنّع أيضاً دواء ”ويغوفي“، فإن أحد التحديات المحتملة يكمن في بنية التجارب نفسها. كان تكرار الظروف في الدراسات الاستقصائية الواقعية التي أشارت إلى أن دواء (GLP-1) مثل ”سيماغلوتايد“ يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بمرض الزهايمر مكلفة ومعقدة.

كيف نجحت شركة أدوية يابانية مغمورة في الفوز على مرض الزهايمر؟

قال جاريد هولز، الخبير الاستراتيجي في قطاع الرعاية الصحية في شركة ”ميزوهو سيكيوريتيز“ للأوراق المالية: “صعب جداً التجريب على متطوعين أصحاء في مثل هذه الظروف”. لذا، كما فعلت شركات الأدوية الأخرى، بحثت ”نوفو“ ما إذا كان عقارها يمكن أن يبطئ تفاقم المرض لدى من ثبتت إصابتهم بالفعل بالأميلويد في الدماغ.

قال هولز: “يكمن التحدي المُرتبط بعدة تجارب سريرية لمرض الزهايمر والأدوية المُستخدمة في أنه بحلول الوقت الذي تُستخدم فيه هذه الأدوية، يكون المرضى قد وصلوا إلى مرحلة متقدمة جداً من المرض”. مع ذلك، حتى لو لم تظهر الدراسات سوى فائدة طفيفة، فقد يبدأ بعض الناس في رأيه بتناول ”سيماغلوتايد“ وقائياً.

مكسب تحتاجه الشركة

إذا أثمر استثمار ”نوفو“، فسيكون مكسباً ضرورياً للشركة. لقد خفّضت شركة الأدوية توقعات نموها مرتين هذا العام في ظلّ مواجهتها لصيدليات الأدوية المركّبة الأرخص التي تبيع نسخها الخاصة من الأدوية، وقوة عقار ”ليلي“ في سوق الأدوية من نوع (GLP-1). وقد انخفضت أسهم شركة ”نوفو“ بنحو 60% خلال الأشهر الـ 12 الماضية، مقارنةً بانخفاض بنحو 23% لشركة ”ليلي“. وصرح متحدث باسم ”ليلي“ بأن الشركة لا تخطط حالياً لاختبار تأثير عقاقيرها المشابهة، ”مونجارو“ و“زيباوند“ على الخرف.

حتى لو فشلت دراسات ”نوفو“، يُرجح أن يستمر البحث في دور (GLP-1) في مرض الزهايمر في الأوساط الأكاديمية. تقود بيري، الطبيبة في جامعة روتغرز، دراستها الصغيرة الخاصة التي تجمع بين حبوب ”سيماغلوتايد“ والأنسولين المستنشق. وقد أنفقت مؤسسة الزهايمر أكثر من 1.5 مليون دولار على خمسة مشاريع تبحث في دور (GLP-1).

قالت لينكا ماليتينسكا، التي تقود مجموعة بحثية حول السمنة وداء السكري والتنكس العصبي في معهد ”آي أو سي بي براغ“ (IOCB Prague)، إن مفتاح العلاج الناجح يكمن في إيقاف مرض الزهايمر قبل أن يبدأ تراكم الأميلويد ويتلف الدماغ. رخص معهدها بعض المركبات التي طورها فريقها لشركة ”نوفو“ لإجراء المزيد من الدراسات عليها. قالت ماليتينسكا إنه مع التقدم في السن “نتجه جميعاً نحو نوع من الخرف. السؤال هو متى يحدث ذلك”.

المصدر : الشرق بلومبرج