
قبل عام كانت وول ستريت تتهامس بأن ولاية رئيس “شيفرون” التنفيذي مايك ويرث على المحك، فقد أقرّ ويرث بعد سلسلة نكسات بأنه أخطأ ووعد بأن يصلح الأحوال. كان رد فعل سوق الأسهم فاتراً لكن رؤية ذلك هي تصديق على كلامه؛ والآن بات واضحاً أنه أوفى بوعوده.
قبل أسابيع من بلوغه الخامسة والستين من عمره، يُركز ويرث الآن على مشاريعه القديمة، وأهمها إعادة هيكلة كبرى لثاني أكبر شركة نفط أميركية لتعزيز تركيزها على التكاليف وعوائد المساهمين.
هل بمقدور “شيفرون” استعادة جاذبيتها في “وول ستريت”؟
أخبرني ويرث في مقابلة استغرقت ساعةً كاملةً: “لقد فعلنا كل ما تعهدنا بأن نفعله”، مُعدداً إطلاق مشروع حاسم في كازاخستان، وفوزه في معركة قانونية بقيمة 60 مليار دولار مع شركة “إكسون موبيل”، ووصوله إلى عتبة إنتاجية رئيسية في حوض برميان.
لم تعد وول ستريت مولعة بشركة “شيفرون” كما كانت في السابق، وخاصة في عام 2020، عندما تجاوزت الشركة “إكسون” لفترة وجيزة من حيث قيمتهما السوقية. مع ذلك، واضحٌ أن المستثمرين معجبون بما يرونه: فقد ارتفعت أسهم “شيفرون” بنسبة 13% في العام الماضي (بما في ذلك أرباح الأسهم المعاد استثمارها) على الرغم من انخفاض أسعار الطاقة- وهي مكاسب أكبر من أي من شركات النفط الكبرى المماثلة، وبالتأكيد أكثر من نسبة الـ2% الضئيلة التي حققتها منافستها اللدودة “إكسون”.
“شيفرون” تنتصر في نزاعها مع “إكسون” وتغلق صفقة شراء “هيس”
أزال استحواذ “شيفرون” على شركة ”هيس“ (Hess)، الذي أكملته بعد فوزها في معركة تحكيم ضد ”إكسون“، أكبر مخاوف السوق بشأن مستقبلها وهو النمو. تشارك ”هيس“ في ملكية حقل نفطي قبالة سواحل غيانا، وهو ما يعزز إنتاج الدولة الواقعة في أميركا اللاتينية بوتيرة سريعة.
بينما تشغّل “إكسون” الحقل، يتوخى ويرث الحذر في مناقشة الإنتاج المستقبلي، لكنه يُلمّح، بقوة إذا ما قرأ المرء ما بين السطور، إلى أن الإنتاج هناك قد يكون مفاجئاً. قال: “هناك مقولة مأثورة في صناعتنا تقول إن الحقول الكبيرة تكبر، وهناك سبب لاستمرار هذه المقولة، لأنها تستند إلى أسس راسخة، وهذا الحقل كبير”.
التعامل مع “إكسون”
بعد خلاف حاد، يبقى السؤال: هل يُمكن لـ”شيفرون” و”إكسون” أن تعملا معاً؟ قال ويرث إن كل شيء على ما يُرام على مستوى الشركات: “نحن نعمل معاً بشكل جيد”، ولكن واضح أن الأمر ليس كذلك على المستوى الشخصي. عندما سألته إن كان قد تحدث إلى رئيس “إكسون”، التنفيذي دارين وودز منذ التحكيم في يوليو، أجاب: “لا”، وكانت نبرته تروي الرواية بكامل فصولها.
مع ”هيس“ والتوسع في كازاخستان، تسير “شيفرون” على الطريق الصحيح لتصبح مصدر دخل كبير. ومما يساعدها أن إنتاجها في حوض برميان قد وصل إلى مليون برميل يومياً قبل الموعد المحدد، ما يسمح للشركة بالانتقال من مرحلة الاستثمار الرأسمالي الضخم إلى مرحلة الحصاد مع انخفاض الإنفاق.
“شيفرون” توافق على تسليم نسبة من إنتاج النفط في فنزويلا للحكومة
بين عامي 2011 و2014، حققت “شيفرون”، في المتوسط، 3.9 مليار دولار من التدفق النقدي الحر سنوياً، مع متوسط أسعار النفط الذي تجاوز 100 دولار للبرميل. في العام الماضي، حققت “شيفرون” تدفقاً نقدياً حراً يزيد بنحو أربعة أضعاف، حوالي 15 مليار دولار، على الرغم من تداول خام برنت عند 80 دولاراً للبرميل.
هذا العام، تتوقع وول ستريت أن تضخ الشركة مزيداً من النقد الحر، أي حوالي 17 مليار دولار، على الرغم من انخفاض أسعار النفط. قال ويرث: “سيعود النقد إلى المساهمين”.
يبدو أن سوق الأسهم تتوقع إمكانية تحقيق عوائد قوية. يُتداول سهم “شيفرون” في نيويورك بسعر يقارب 160 دولاراً للسهم، وهو أقل بقليل من أعلى مستوى تاريخي له على الإطلاق عند 189 دولاراً الذي سُجّل في نوفمبر 2022، على الرغم من أن خام غرب تكساس الوسيط، وهو الخام المرجعي للنفط الأميركي، يُتداول عند 60 دولاراً للبرميل، مقارنةً مع 100 دولار للبرميل قبل ثلاث سنوات.
أسعار النفط تهبط مع انحسار توقعات فرض رسوم أميركية جديدة على الصين
ويرث، الذي يقول إنه “سيبقى لفترة” رئيساً تنفيذياً للشركة، لديه الآن ثلاث أولويات. أولها، إكمال إعادة هيكلة “شيفرون” وتغيير ثقافة الشركة؛ ثانيتها، التكامل مع ”هيس“؛ وثالثتها، تجديد امتياز حقل “تنغيز” النفطي العملاق في كازاخستان، الذي ينتهي في عام 2033.
وهذه الأخيرة بالغة الأهمية. عندما وُقِّعت الاتفاقية الأصلية، التي استمرت أربعة عقود في عام 1994، سُميت “صفقة القرن” لأنها أتاحت للشركة الوصول إلى بعض ثروات النفط في الاتحاد السوفييتي السابق. يقول ويرث: “ما يزال أمامنا ثماني سنوات في امتيازنا. لقد بدأنا العمل مع الحكومة لمناقشة تمديده. وهذا أمر أودّ إنجازه بنفسي بدلاً من تركه لشخص آخر”.
إذا كان الأمر كذلك، يُرجح أن ويرث يخطط للبقاء لثلاث سنوات أخرى؛ وبحلول ذلك الوقت، سيكون قد بلغ 68 عاماً، وكان قد أمضى في وظيفته هذه عقداً من الزمن. فقد انضم ويرث عندما كان خريجاً هادئ الطباع من جامعة كولورادو إلى شركة “شيفرون” عام 1982 كمهندس كيمياويات.
وقد تنازل مجلس الإدارة بالفعل عن سن التقاعد الإلزامي عند 65 عاماً، ويبدو أن ويرث يحظى بدعم المساهمين الرئيسيين لمواصلة عمله. تُعدّ شركة وارن بافيت “بيركشاير هاثاواي“ ثالث أكبر مالك أسهم في ”شيفرون“.
خفض عديد الموظفين
إذا كان حقل “تنغيز” حيوياً للشركة، فإن إعادة الهيكلة الداخلية التي أعقبت انتقال مقر الشركة الرئيسي من كاليفورنيا إلى تكساس هو إرث ويرث. وتوشك “شيفرون” على تطبيق هيكلية أكثر مركزية، ستتكامل عبرها مع ”هيس“. وقد باشرت الخطوة التالية فعلاً، وهي تخفيض مؤلم بنسبة 20% في عدد الموظفين حول العالم، وهو سيكتمل العام المقبل. لكن الخطوة الثالثة هي الأصعب وأقصد بذلك تغيير الثقافة.
وفقاً للمعايير الشرسة لشركات النفط الكبرى، لطالما كانت “شيفرون” استثناءً نوعاً ما: “مهذبة ومتعاونة جداً”، على حد تعبير رئيسها التنفيذي. قال ويرث، الذي يريد أن تكون الشركة أكثر جرأة ولكن ليس أكثر قسوة: “في كثير من الأحيان، قد يكون لنقاط قوتك العظيمة جانب آخر نحن بحاجة إلى التنافس بشراسة. وعلينا أن نكون صادقين مع بعضنا بعضاً بشأن الخيارات المطلوبة في أعمالنا: علينا اتخاذ قرارات صعبة؛ لا يمكننا تأجيلها. وعلينا أن نتحمل مسؤولية الأداء”.
إن زيادة الشركة كفاءةً، دون المساس بقيمها، مهمة شاقة: فثقافة الشركة تتطور على مدى عقود، وليس خلال سنوات أو فصول. قد يبدأ ويرث هذه العملية، لكنني أشك في أنه سيتمّها بنفسه.
يكمن الخطر في أن تتعثر الشركة في تطبيق ثقافة جديدة تشبه عرض شرائح صممه مستشارون خارجيون، بدلاً من تغيير أسلوب عملها فعلياً. مع ذلك، سيجد التركيز على الأداء صدى لدى المساهمين، لا سيما وأن ويرث يعتمد على مكاسب عام 2025. فالوعد بالقليل والوفاء بالقدر الأكبر من الإنجازات دائماً ما يكون استراتيجية ناجحة في صناعة النفط.
المصدر : الشرق بلومبرج