أصدرت وكالة “موديز” العالمية للتصنيف الائتماني تقريرها المعتاد بنهاية العام حول النظرة المستقبلية للاقتصاد العام المقبل 2025.
وفي الجزء الخاص بالاقتصادات الصاعدة حول العالم خلص التقرير إلى أنه على رغم بوادر الاستقرار النسبي للمناخ العام، إلا أن احتمالات الأخطار زادت بعد الانتخابات الأميركية مع زيادة احتمالات فرض واشنطن قيوداً تجارية واسعة.
حتى على رغم عودة معدلات التضخم للارتفاع الطفيف، فإن تشديد السياسة النقدية لن يكون له أثر كبير في عدد من الاقتصادات الصاعدة، خصوصاً في بعض دول آسيا سريعة النمو وبعض دول الخليج خصوصاً السعودية، وإن كان القطاع المالي يمكن أن يتضرر من تراجع الربحية نتيجة خفض أسعار الفائدة.
وبما أن مثل هذه التقارير تعد التمهيد البحثي الأولي لقرارات التصنيف الائتماني للدول والشركات والمؤسسات خلال العام المقبل، فإن الصورة العامة التي يرسمها تقرير وكالة التصنيف توضح أن هناك استقراراً مستمراً للمؤشرات الكلية للاقتصاد العالمي وظروف التمويل يدعم استقرار جودة التصنيف الائتماني للاقتصادات الصاعدة، لكن ذلك الاستقرار ربما يكون مصحوباً بحالة “هشاشة” نتيجة التغيرات في الدورة الاقتصادية، إلى جانب الأخطار التي يمكن أن تنجم بعد انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة واحتمالات فرض الإدارة الجديدة رسوماً وتعرفة جمركية على معظم شركائها ومزيداً من القيود على التجارة العالمية.
الاقتصادات الصاعدة
تلك الظروف العامة للاقتصادات حول العالم يتوقع أن تكون أكثر وضوحاً بالنسبة إلى الاقتصادات الصاعدة، مع استقرار نمو الناتج المحلي الإجمالي وتباطؤ ارتفاع معدلات التضخم، فإن زيادة إصدار سندات الدين في دول الاقتصادات الصاعدة يشير إلى شهية المستثمرين للإقبال على ديونها السيادية، ويعني ذلك استمرار تدفقات الاستثمار ومكاسب العملات المحلية لتلك الدول وانخفاض أخطار الأصول.
لكن يظل منحى الاستقرار هذا هشاً وضعيفاً، خصوصاً مع احتمالات زيادة العجز في أكبر اقتصاد بالعالم في الولايات المتحدة، وكذلك احتمالات عودة التضخم التي تؤثر في سياسة أسعار الفائدة.
إلى ذلك، يتوقع تقرير “موديز” أن يتباطأ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي لأكبر 23 دولة من دول الاقتصادات الصاعدة إلى 3.8 في المئة العام المقبل 2025 متراجعاً من 4.1 في المئة في المتوسط لهذا العام 2024.
مع ذلك سيكون هناك تباين في معدلات النمو والظروف الائتمانية بصورة عامة ما بين المناطق والدول، فعلى سبيل المثال تظل النظرة المستقبلية لثاني أكبر اقتصاد بالعالم في الصين غير إيجابية مع احتمالات التباطؤ، وكذلك الحال بالنسبة لاقتصادات كبيرة بين الدول الصاعدة، لكن هناك أيضاً آفاقاً للتحسن في اقتصادات أخرى مثل السعودية وغيرها من دول آسيا والخليج، كما يرى واضعو التقرير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من المتوقع أيضاً أن تنخفض نسبة الدين في دول الاقتصادات الصاعدة العام المقبل، مع انخفاض أسعار الفائدة، بالتالي تراجع أعباء خدمة الدين وكلفة الاقتراض عموماً.
إلا أن “الإنفاق الاضطراري” كما يسميه التقرير بما في ذلك خدمة الديون من فوائد وأقساط سيحد من أي تحسن في الوضع المالي العام.
ومع أن أسعار الفائدة بدأت تنخفض، إلا أن معدلاتها تظل في النطاق الأعلى، ما يعني أن قدرة تحمل الديون لتلك الدول ستواصل التدهور، بالتالي تقدر “موديز” أن يزيد عدد حالات التخلف عن سداد الديون (الإفلاس) العام المقبل بعد تراجعها الطفيف هذا العام عن معدلاتها القياسية في العام الماضي 2023.
سيناريوهات واختلافات
ويضع التقرير سيناريوهات محتملة عدة للوضع الائتماني في المتوسط للاقتصادات الصاعدة العام المقبل، مع إبراز الاختلاف والتباين ما بين المناطق والدول، لكن بصورة عامة فإن نمو الناتج المحلي بصورة مطردة، وإن كان ببطء مع تباطؤ معدلات التضخم سيدعم عمليات إعادة التمويل ويقلل من أخطار الأصول، بالتالي يزيد الطلب على سندات دين الاقتصادات الصاعدة بين المستثمرين في السندات وأدوات الدين الأخرى سواء المصدرة بالعملات الأجنبية أو العملات المحلية.
ويبقى التباين أكثر وضوحاً بين الدول بحسب أوضاعها المحلية، لكن الطلب الائتماني يظل “هشاً وعرضة للأخطار” بحسب ما يذكر التقرير.
من بين الأخطار بالطبع احتمالات التغير في السياسة الأميركية مع فرض الرسوم والقيود التجارية ما سيؤدي إلى تدهور آليات الإقراض والدين العالمي، بالتالي تضرر الاقتصادات الصاعدة، ثم هناك أيضاً الاضطرابات الجيوسياسية التي تؤثر بالسلب في الوضع الائتماني العام لكثير من دول الاقتصادات الصاعدة، كما في منطقة الشرق الأوسط.
بحسب السيناريو الأساس لتقديرات “موديز” فإن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تظل الأسرع نمواً بين دول الاقتصادات الصاعدة، على رغم تباطؤ الاقتصاد في الصين والهند، ويدعم ذلك النمو في بقية دول المنطقة استمرار التحسن في الاستهلاك المحلي وقوة الوضع المالي للقطاع الخاص، وتستفيد دول جنوب شرقي آسيا من استمرار عملية تنويع سلاسل الأمد والتوريد وتحول شركات كبرى بعيداً من الصين إلى دول أخرى في المنطقة.
كذلك يتوقع استمرار نمو الناتج المحلي الإجمالي في دول الشرق الأوسط وأفريقيا مدعوماً باستمرار نمو الطلب العالمي على ما تصدره من سلع ومواد أولية، ويستفيد النمو أيضاً من استمرار عمليات إعادة الهيكلة في الاقتصاد وتوسيع دور القطاع الخاص في المشروعات الكبرى بما فيها مشروعات البنية التحتية.
في المقابل، سيتباطأ النمو في دول وسط وشرق أوروبا ودول الاتحاد السوفياتي السابق (كومنولث الدول المستقلة) نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي الواضح في كل من روسيا وتركيا، وأن تشديد السياسة النقدية في تركيا سيؤدي إلى انخفاض الطلب المحلي في الاقتصاد.
أما بالنسبة إلى الاقتصادات الصاعدة في أميركا اللاتينية فهناك تباين واضح بين دولها، فعلى رغم استمرار النمو في بعضها، إلا أن التباطؤ سيكون واضحاً في دول أخرى مثل المكسيك والارجنتين.
إجمالاً، ستستفيد القطاعات غير المالية من استقرار الوضع الائتماني لدول الاقتصادات الصاعدة، أما القطاع المالي وخصوصاً البنوك فعلى رغم أنه يظل مرناً وقادراً على امتصاص الصدمات، إلا أن تراجع الربحية نتيجة انخفاض أسعار الفائدة وتشديد السياسات النقدية عموماً سيؤثر سلباً في أدائه العام المقبل.
نقلاً عن : اندبندنت عربية