يواجه الأردن صعوبة في الحفاظ على دوره الإنساني تجاه اللاجئين السوريين، مع تراجع الدعم الدولي بصورة كبيرة، الأمر الذي دفع كثيرين منهم للتفكير في الهجرة إلى بلد ثالث بحثاً عن حياة أفضل.
وفي العام الحالي، ظهرت ملامح تغير في ديناميكيات اللجوء السوري في الأردن، إذ أصبح هناك توجه ملحوظ نحو مغادرة اللاجئين السوريين البلاد باتجاه دول أخرى. وأصبح الأردن بيئة أكثر تحدياً للاجئين السوريين بسبب الأزمات الاقتصادية المحلية، ووقف معظم الدعم الدولي، فضلاً عن القيود المفروضة على فرص العمل والاستقرار.
مغادرة 76 ألف لاجئ
وبعد أكثر من 13 عاماً من اللجوء في الأردن غادر نحو 6200 لاجئ منذ مطلع العام الحالي لإعادة توطينهم في بلد ثالث، وفقاً لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي تشير إلى أن نحو 111 ألفاً ينتظرون دورهم للمغادرة. فيما بلغ عدد المهاجرين إلى بلد ثالث منذ عام 2014 وهو العام الذي انطلقت فيه هذه الحملة نحو 76 ألف لاجئ، بينما لا يفكر سوى واحد في المئة فقط من اللاجئين في العودة لبلادهم خلال الـ12 شهراً المقبلة.
وفي بلد محدود الموارد كالأردن فإن وجود اللاجئين السوريين يشكل ضغطاً كبيراً على البنى التحتية والخدمات العامة تحديداً في قطاعات الصحة والتعليم والإسكان.
بحث عن الاستقرار
يحاول الأردن منذ عام 2011 جاهداً تحقيق استقرار مستدام للاجئين السوريين وتعزيز اندماجهم المجتمعي والاقتصادي، لكن منذ أعوام ومع تراجع الدعم الدولي وعدم تجاوزه أربعة في المئة من المطلوب للعام الحالي، أصبحت حياة اللاجئين أكثر صعوبة. وتشير منظمات أممية ودولية إلى انتشار الفقر وتراجع القدرة الشرائية وخفض المساعدات المخصصة لهم، وحصصهم الغذائية والنقدية شهرياً.
فمنذ صيف عام 2023 أصبح مقدار التحويل النقدي لكل لاجئ 21 دولاراً أميركياً للفرد شهرياً بدلاً من 32 دولاراً. بعدما أعلن برنامج الأغذية العالمي تقليص مساعداته الغذائية والنقدية الشهرية المقدمة لنحو 465 ألف لاجئ، واستثناء نحو 50 ألف لاجئ تماماً من تلك المساعدات.
وتقول مفوضية اللاجئين، إن معظم الأسر اللاجئة لجأت إلى الاستدانة والحصول على قروض بصورة تفاقم المشكلة الاقتصادية التي يواجهونها، موضحة أن مستويات التهديد بإخلاء المنازل التي يستأجرونها زادت إلى حد كبير خلال الأعوام الماضية، بينما يعيش 66 في المئة منهم تحت خط الفقر.
ويواجه عديد من الأطفال اللاجئين أزمة الانقطاع عن التعليم، إما بسبب الفقر أو بسبب صعوبة الوصول إلى المدارس، أو حتى بسبب ظاهرة الزواج المبكر بالنسبة إلى الفتيات.
وتكشف المفوضية الدولية أرقاماً صادمة في ما يخص الأمن الغذائي للاجئين، وتتحدث عن تجويع آباء اللاجئين أنفسهم لتأمين الغذاء لأبنائهم، إذ أكد 46 في المئة منهم تقليص حصصهم الغذائية اليومية وتخفيض قيمة الدعم الغذائي الممنوح لهم بسبب نقص الموارد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي آخر التحديات التي تواجه اللاجئين السوريين أوقفت الحكومة الأردنية العمل بإعفاء آلاف من العمال السوريين من رسوم تصاريح العمل والساري منذ 2016، في وقت يعمل عديد من اللاجئين السوريين في البلاد بقطاعات مختلفة مثل الزراعة والبناء والتصنيع والتجارة، لكنهم يواجهون تحديات كثيرة كالأجور المنخفضة وظروف العمل الصعبة.
اليوم أصبح مطلوباً من العامل السوري في الأردن وفق القانون دفع ما يزيد على 500 دولار سنوياً كرسوم لتصريح العمل في البلاد.
عبء أردني
يفسر المحلل ماهر أبوطير هذا التغير المفاجئ في التعامل الأردني الرسمي في ملف اللاجئين بالقول، إن السبب الرئيس هو التجفيف المالي الدولي في ملف مساعدة السوريين في الأردن، إذ تراجعت المساعدات بصورة كبيرة جداً، وتم تحويل الأزمة السورية إلى أزمة أردنية.
وأوضح أبوطير أن الأردن أصبح يتحمل تغطية كلف خدمات العلاج والتعليم ودعم العمل للاجئين، والتزم في عام 2016 في مؤتمر لندن للمانحين بتشغيل نحو 200 ألف سوري، مقابل حصوله على دعم مالي وفني من الدول المانحة، وهو دعم تراجع تدريجاً منذ ذلك العام.
وتقول تقديرات غير رسمية، إن الكلفة الإجمالية لاستضافة اللاجئين بلغت نحو 12.9 مليار دولار بحلول عام 2021. هذه الكلفة تشمل الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والدعم اللوجيستي. وفي عام 2023، قدرت الحاجات المالية لتلبية حاجات اللاجئين في الأردن بنحو 2.2 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستجابة الدولية من قبل الدول المانحة لم تغطِ سوى جزء قليل من هذه الكلف.
معايير للهجرة
تقول مفوضية اللاجئين، إنها وعلى رغم كثافة الطلبات تعطي الأولوية لحالات الأشخاص الأكثر حاجة من أجل تقييم مدى مطابقتها لمعايير إعادة التوطين في بلدان أوروبية ويتوقع أن توفر لهم الحماية والحقوق المدنية وتعليم اللغة وإيجاد عمل للاندماج في المجتمع، ومن ثم حصولهم على جنسية تلك الدول، إذ بلغ عدد طلبات إعادة التوطين منذ مطلع العام الحالي 8880 طلباً مقارنة مع 8536 طلباً في عام 2023، ومن بين هذه المعايير لم الشمل للأسر والأطفال دون سن 18 سنة.
ويؤكد محمد الذي عاش هذه التجربة أنه لجأ إلى السويد بينما غادر شقيقه إلى كندا، في حين رفض طلب منح اللجوء تماماً لباقي أشقائه وإخوته ضمن معايير غير مفهومة. واليوم يجد محمد صعوبة في لم شمل باقي أفراد أسرته ضمن بلد أوروبي واحد، كما أنه لا يستطيع الوجود في الأردن سوى لفترة محدودة فقط للقاء بعائلته.
وبعد أعوام من اللجوء في الأردن تمكن كثير من اللاجئين من العودة إلى العاصمة عمان مجدداً لكن هذه المرة بصفتهم زائرين يحملون جنسيات البدان الأوروبية التي استقبلتهم.
بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين رسمياً في الأردن نحو 1.3 مليون، منهم نحو 670 ألفاً مسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعيش معظمهم في المدن والقرى، بينما يقيم نحو 130 ألفاً في المخيمات مثل الزعتري والأزرق.
لكن ومنذ بدء الأزمة السورية ولد أكثر من ربع مليون لاجئ سوري في الأردن، ولا يعول مراقبون أردنيون كثيراً على برنامج التوطين في بلد ثالث باعتبار أن ذلك لن يشمل أكثر من اثنين في المئة من اللاجئين فقط، فيما يتوقع أن يبقى السواد الأعظم منهم في الأردن.
ومنذ فتح الحدود الأردنية- السورية عام 2018، عاد فقط نحو 90 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم، بسبب مخاوف وأخطار ترصدها منظمة العفو الدولية كالخوف على حياتهم أو التعرض للاضطهاد والتعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي.
نقلاً عن : اندبندنت عربية