النساء ضحية صامتة في مخيمات الإيواء

في مراكز الإيواء التي تضم أكثر من مليون نازح تحديات ومشكلات يصعب إحصاؤها. وفي الحروب والأزمات تعد النساء الفئات الأضعف والأكثر عرضة لتحمل مزيد من الأعباء، إضافة إلى تلك التي تفرضها الحرب. وفي جولة على مراكز الإيواء تبدو الهموم التي تثقل كاهل المرأة كثيرة، وقد يكون خطر التعرض للتحرش أولها.

وفي مجتمعات محافظة يغلب عليها التشدد والتمسك بحرمة المنازل، كما العادات والتقاليد، يبدو التغيير الحاصل جذرياً في ظل الازدحام الحاصل بالمراكز بسبب ظروف النزوح. ففيها قد تجتمع عائلات عدة في غرفة واحدة، ويفرض الازدحام قواعد مختلفة تجعل هذا الخطر وارداً، وإن كان التكتم سيد الموقف هنا، إذ تجد المرأة صعوبة في الإفصاح عما تتعرض له في ظروف النزوح، إذ فرض عليها واقع لا يشبهها، خصوصاً فيما يتعلق بالشابات والمراهقات اللاتي يخنق أصواتهن الخجل من الحديث عن معاناة، ولو كانت يومية.

واقع يتعارض مع العادات والتقاليد

في جولتهن على مراكز الإيواء، ومنذ اللحظات الأولى لاحظت متطوعات جمعية “كفى” انعدام الخصوصية للنازحات. فهن يشكين عدم توافر الراحة، ولو للحظات، ولا يمكنهن التمتع بشيء من الخصوصية. وأكثر من ذلك كون النازحات من المحجبات تفرض عليهن الظروف التي يوجدن فيها عدم التخلي عن الحجاب في أي وقت من الأوقات، خصوصاً أنه قد توجد أحياناً في غرفة واحدة بالمركز تسع عائلات. وعلى رغم مساعي المنظمين في المراكز إلى وضع الأقارب في غرفة واحدة، فإن هذه المحاولات لم تنجح دوماً بسبب ظروف الازدحام بالمراكز التي قد تضم عائلات تحضر من أي مناطق.

من جهة أخرى، على رغم أنه قد يكون هناك فصل في المراكز بين حمامات النساء وتلك الخاصة بالرجال تبقى الخصوصية مفقودة، خصوصاً أن هذه الحمامات تكون متقاربة عادة، ولا أقفال لها أحياناً.

في هذه المراكز مجتمعات لها عادات وتقاليد معينة فُرضت عليها ظروف تخالفها من نواحٍ كثيرة، مما يجعل الوضع غير آمن للمرأة عامة في مركز الإيواء، أياً كانت مرحلتها العمرية. ووفق ما تنقله متطوعة من “كفى” يبدو أن ثمة قيوداً تفرض على الفتيات والنساء، سواء في تواصلهن مع الآخرين أو في تنقلاتهن بسلطوية، سواء من قبل رجال العائلة أو من قبل المسؤولين في المركز.

التحرش هم أكبر

على رغم الظروف التي تعيشها المرأة في مراكز الإيواء وما يظهر على أرض الواقع، ما من إحصاءات حتى اللحظة حول معدلات التحرش الذي يعد الهم الأكبر والتحدي الأخطر الذي قد تواجهه المرأة.

فما هو معروف ومؤكد أن المرأة التي تعد الفئة الأضعف في المجتمع إلى جانب الأطفال تكون أكثر عرضة لمواجهة خطر مثل هذه السلوكيات في الحروب والأزمات، لكن حالياً لا يزال من الصعب الكشف عن الحالات كافة، خصوصاً أن المرأة أو الفتاة تميل إلى التكتم في شأن يعد من المحرمات في مجتمعاتنا خشية أن يلحقها العار أو تتوجه إليها أصابع الاتهام حتى إذا كانت هي الضحية.

 

 

حتى اللحظة لم تظهر إلا حالة تحرش وحيدة تتابعها “كفى” لفتاة تعرضت للتحرش في أحد مراكز الإيواء، إلا أنه في زيارة المراكز كان هناك تشديد من قبل النساء والفتيات على أهمية نشر الوعي حول هذا الموضوع بصورة خاصة نظراً إلى الظروف التي يوجدن فيها والازدحام في المراكز، مما يزيد من احتمال تعرضهن للأذى.

ومن القصص المؤلمة التي تعكس ويلات الحرب وظروفها القاسية التي تفرض واقعاً أصعب بعد على المرأة قصة نور المراهقة التي كانت تتعرض للتحرش من قبل عمها بصورة متكررة قبل الحرب والنزوح، إلا أنها نجت من إجرام عمها المعتدي خلال الفترة الأخيرة مع انتقال مكان سكن العائلة.

وشاء القدر أن تفرض عليها ظروف الحرب والنزوح هذا الواقع الظالم مجدداً لتعود وتغرق في الدوامة نفسها بعدما وُجدت في مركز الإيواء نفسه مع عمها، فإذا به يستغل الفرصة ليكرر جريمته دون أن تشكل الظروف الصعبة التي يوجدان فيها عائقاً له، وتعود هي ضحية له بين جدران المركز، ولا يردعه رادع.

سمر ضحية أخرى للتسلط الحاصل في مراكز الإيواء الذي فرضته ظروف النزوح، فبدلاً من أن تكون ظروف الحرب رادعاً للبعض، إذا بهم يستفيدون منها لاستغلال الحلقة الأضعف في المجتمع. فلا يتردد المسؤول الحزبي في المركز عن مطالبتها بخدمات جنسية حتى يوافق على تزويدها بالحصص الغذائية التي يحجز عليها كما في مختلف المراكز ليوزعها بحسب اعتباراته الشخصية ورغباته.

وجدت سمر نفسها في حالة ضياع أمام هذا الظلم والاستبداد اللذين تتعرض لهما دون أن يكون هناك من يحاسب. فكيف لها أن تؤمن لها ولعائلتها الحاجات الغذائية في ظروف النزوح الصعبة وسط هذه الضغوط التي تمارس عليها؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

توضح العضو المؤسس ومديرة البرامج في المنظمة النسوية “Fe-Male” حياة مرشاد أن المنظمة تعمل مع النازحات، لا منذ بداية الحرب الموسعة، وإنما من بداية الحرب بالجنوب في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وفي ظروف النزوح والحرب هذه تؤكد أن التحديات لا تعد ولا تحصى، وعلى رغم أهمية وقف إطلاق النار تتوقع أزمة إنسانية كبرى بعدها. فمن الأسابيع الأولى ارتفعت حالات العنف ضد النساء كما يحدث عادة في الحروب والأزمات نتيجة زيادة الضغط النفسي. فيكون الخطر الأكبر على المرأة والأطفال في مواجهة هذه السلوكيات في الأسر.

وقد تكون هناك حالات تحرش أيضاً بين الأطفال، إلا أن هذه الحالات قد لا تظهر في المرحلة الحالية، وفق ما أوضحت جمعية “حماية” لدى تواصلنا معها. فيتطلب ظهور حالات التحرش بين الأطفال وقتاً أطول عادة لأنه يكون هناك تكتم شديد ويعجز الأطفال عن التعبير عما يتعرضون له من الفترة الأولى، في مثل هذه الحالات إذا كانوا في سن مبكرة.

“في كل الحالات تبدو الحماية ضرورية في ظل الازدحام الحاصل في مراكز الإيواء، إذ يفسح المجال للمعتدين للتصرف بحرية، ومنهم من هم من القائمين على هذه المراكز، فيستغلون سلطتهم ونفوذهم ليمارسوا ضغوطاً على الفتيات والنساء ويستغلوهن. وقد شكت كثيرات من السلطوية التي يتم التعامل معهن فيها في بعض المراكز، إضافة إلى التحرش بسبب الفرق في موازين القوى ولأن المرأة تعد الأضعف دائماً يزيد مجال استغلالها”.

 

 

حاجات كثيرة لا تعطى الأهمية اللازمة

من التحديات التي يستهان بها، لكنها بالغة الأهمية، صعوبة الوصول إلى المستلزمات الخاصة لنظافة المرأة ومستلزمات الصحة الإنجابية والجنسية في مختلف المناطق. وتؤكد مرشاد المساعي المستمرة والجهود التي تبذل لتأمين مستلزمات الدورة الشهرية ومستلزمات النظافة الشخصية للنساء في مناطق مختلفة، فغالباً ما تركز الجمعيات على الحاجات الأساس، فيما تعد هذه الأمور أقل أهمية على رغم ما لها من أهمية كبرى، لذلك وزعت هذه المستلزمات على 15 ألف فتاة، لكن تبقى الحاجات أكثر من ذلك بكثير.

وكانت الجمعية قامت بأعمال مماثلة على الأرض عند انفجار المرفأ، وكانت نسبة 76 في المئة من النساء تواجه صعوبات آنذاك بسبب فقدان المستلزمات الأساس، إلا أن الوضع أصعب بكثير حالياً في ظل ظروف الحرب، إذ يدرك الكل أن النساء كافة خرجن مسرعات من منازلهن بسبب القصف والتحذيرات المطالبة بالإخلاء، وتركن وراءهن أغراضهن كافة، وخرجن بموارد محدودة لأن المرأة تفكر عادة أولاً في مثل هذه الظروف بأطفالها، وحاجاتهن تغلب دائماً، فيما لا تفكر في حاجاتها الخاصة.

وتعبر عبير عن معاناتها مع أطفالها أثناء وجودها بأحد مراكز الإيواء في بيروت، مشيرة إلى أنه من سبيل للراحة في ظروف الازدحام في مركز يضم قرابة 4 آلاف نازح، وكونها وعائلتها لم تحضر إلى المركز من بداية الحرب لاعتبارها نزحت إلى منطقة أخرى أولاً، لم تجد مكاناً لهم في البداية إلى أن فتح لهم المستودع الخاص بالمبنى ليمكثوا فيه.

والمشكلة التي تواجهها عبير تشكو منها أخريات أيضاً في المركز، وهي الانقطاع المستمر للماء، مما لا يسمح بالاغتسال باستمرار والاستحمام، لذلك تحرص على الذهاب إلى بيتها مع أطفالها في الضاحية الجنوبية على رغم الخطر بهدف الاستحمام، وحتى لا ينتظرن دورهن لساعات أمام أبواب الحمامات القليلة المتوافرة، لكن كأم لها أطفال صغار تشكو على رغم ذلك صعوبة الوضع بسبب الازدحام وعدم إمكان دخول الحمام في أي وقت كان، خصوصاً ليلاً، إضافة إلى قلة النظافة فيها. أما الخصوصية فهي معدومة، على حد قولها، وتشعر وكأنها تقيم في الشارع، وفي الغرفة التي هي فيها عائلات عدة.

وتحكي السيدة ناصر الدين عن معاناتها كامرأة في مركز الإيواء في مختلف الأوقات، خصوصاً في موعد الطمث لعدم توافر أي مستلزمات خاصة بالنساء وبالنظافة الشخصية. فتؤكد أن الكل غادر من دون أي أغراض، والحاجات كثيرة. أما في المركز فلا تتوافر أدنى معايير لنظافة والحاجات الخاصة بالعائلات. وتعبر بصورة خاصة على قلقها المستمر على بناتها في ظل الازدحام الحاصل. لذلك لا تسمح لهن بالتنقل داخل المركز من دونها وترافقهن طوال لوقت خشية أن يتعرضن لأي سوء.

 

 

فقر الدورة الشهرية تحدٍّ آخر

من خلال جولات جمعية “Fe-Male” على الأرض تبين أنه ثمة صعوبات كثيرة تواجهها النساء على مستوى النظافة الشخصية، خصوصاً في الدورة الشهرية. فكثيرات نقلن أنهن يستخدمن حفاضات الأطفال كفوط صحية في موعد الطمث، ومنهن من يستخدمن الفوطة الصحية نفسها طوال ساعات النهار للاقتصاد ولعدم توافرها بكميات كافية، فيعرضهن ذلك لخطر الإصابة بالأمراض، هذا دون أن ننسى الضغط النفسي الناتج من حالة “فقر الدورة الشهرية” التي تواجه فيه النساء صعوبة الوصول إلى المنتجات الصحية، وهي مشكلة عالمية لها أسباب منها اجتماعية ومادية، ومنها ما يرتبط بالحرب والنزوح، حتى إن الفوط الصحية تستبدل أحياناً بالمحارم الورقية، لذلك باتت الدورة الشهرية بالنسبة إلى المرأة في مركز النزوح مصدر قلق، وهي تنقل هواجسها في شأن موعد الطمث عند قدومه، خصوصاً أن لدى البعض حاجة ملحة إلى المسكنات بسبب الألم الحاد الذي يُعانينه، والتي لا تتوافر لهن، كما أن الحمامات المشتركة تزيد الأمور تعقيداً بالنسبة إلى المرأة في هذه الحالة، لكنها من المسائل التي لا حلول لها حالياً، ولا يمكن إلا السعي إلى توفير الدعم لهن في هذه الظروف الصعبة التي يوجدن فيها حتى تصبح حاجاتهن هذه ضمن الأولويات في المساعدات التي تقدم إلى النازحين.

وحتى اليوم، تبقى الحاجات النسائية منسية غالباً وتوضع جانباً، فيما المطلوب هنا العمل على الضغط على المنظمات والجمعيات والدولة لجعلها من الأولويات. والمشكلة الحقيقية، بحسب مرشاد، هي أنه ما من خطة طوارئ في لبنان توضع بصورة استباقية لمثل هذه الظروف. وفي الوقت نفسه تبرز أهمية نشر الوعي في مختلف الفئات العمرية حول الأمور الأساسية، خصوصاً المراهقات اللاتي يكن أكثر عرضة للمشكلات، إضافة إلى النساء في مرحلة انقطاع الطمث لأنها مرحلة تكون في غاية الصعوبة على المرأة، وتزيد أعباؤها في مراكز الإيواء.

وتشدد مرشاد على الحاجات لمتزايدة للحوامل والمرضعات، إذ كانت هناك ولادات عديدة أثناء الوجود في مراكز الإيواء من بداية الحرب تجاوز عددها الـ2500، وكثيرات منهن في مراحل الحمل أو الولادة أو الرضاعة، ولهن حاجات كثيرة ولا يمكن إهمال معاناتهن في مثل هذه الظروف، علماً أن المنظمات المعنية بالمرأة حريصة على القيام بجولات على المراكز لمتابعة مثل هذه الحالات، وتتابع وزارة الصحة هذه الحالات من كثب على حد ما تنقله هذه الجمعيات لتأمين حاجاتهن كافة في ظروف الحمل والولادة والرضاعة، مع حرصها على تأمين حاجات الأطفال كافة التي يحتاجون إليها، لكن تزيد الصعوبة حكماً لمن وُلدن في هذه الفترة، إذ يمكن ألا يتوافر الوعي اللازم والتوجيهات المناسبة للنساء في مثل هذه الظروف. وقد يكون سوء التغذية من تلك المشكلات التي تواجهها النساء النازحات في مثل هذه الحالة، مما يشكل عائقاً أمام الرضاعة التي تعد المرأة في هذه المجتمعات حريصة عليها وتتمسك بها في تغذية طفلها، إلا أن سوء التغذية قد يؤثر في صحتها وصحة طفلها ونموه.

نقلاً عن : اندبندنت عربية