“سبايدرمان”: خارق طيب غربا… واهن شرير شرقا

تختلف حكاية “سبايدرمان” السينمائية بين الشرق والغرب، إذ تعرض كل بيئة فنية وسينمائية حكاية حيوان العنكبوت من خلال منظورها الاجتماعي، لذلك ظهرت فروق كبيرة في استلهام الحكاية السينمائية لهذا المخلوق، ففي حين يسبغ عليه المجتمع الغربي قدرات خارقة، يهتم المجتمع العربي بعكس جوانب محددة من شخصية العنكبوت ومحاولة طرحها وتقديمها للجمهور ضمن قالب درامي رصين ومشوق.

تميزت شخصية العنكبوت السينمائية التي طرحتها “هوليوود” قبل عقود من الزمن، بتركيزها على البعد الجمالي والعلمي لشخصية العنكبوت، والذي انعكس مباشرة على مردود شاشات دور العرض وشباك التذاكر. وباستخدام التقنيات الحديثة حولت السينما العالمية شخصية الرجل العنكبوت إلى عرض بصري بهلواني فائق، إذ تحول إلى أهم رجل خارق في “هوليوود” خلال سنوات قليلة، بامتلاكه صفات الرشاقة والخفة والصلابة الفائقة إلى جانب الشراسة البالغة التي يتعامل بها العنكبوت مع فريسته.

عربيا

في المقابل ركزت الدراما العربية على فكرة امتلاك الإنسان لبعض صفات العنكبوت المرعبة من خلال فكرة وهن بيت العنكبوت وطريقة الكائن في نسج شباكه لخداع فريسته، ومن ثم قتل ضحاياه دون أية شفقة أو رحمة، لذلك جاءت حكاية الرجل العنكبوت أو العنكبوت البشري عربياً في سياق الشر المحض أو أعمال الرعب أو من خلال حكايات انهيار بيت الأسرة أو قسوة وصلابة بعض تجار المخدرات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في مقابل أيقونة الرجل العنكبوت العالمية الشهيرة “SPIDERMAN” ظهرت أخيراً أعمال سينمائية ودرامية عربية بعضها يحاكي أيقونة “هوليوود”، ومنها فيلم “العنكبوت” للمخرج أحمد نادر الذي صدر عام 2022، وهو من بطولة أحمد السقا. من جهة أخرى جاء مسلسل “بيت العنكبوت” للمخرج “بهاء خداج”، وهو دراما مستقاة من البيئة السعودية عرضت أخيراً على شاشة (MBC) ومنصة “شاهد” في سياق مختلف تماماً.

ويمكن القول إن العمل على نسج شخصيات مستلهمة من هذه الشخصية في الدراما العربية جاء وفق نظرة المجتمع الشعبية لهذا الحيوان، والتي تتميز بالسلبية الشديدة، إذ ارتبط حيوان العنكبوت عربياً بفكرتين رئيستين هما وهانة وضعف بيته وسلوكه المرعب مع ضحاياه وفرائسه.

فيلم العنكبوت

تدور أحداث فبلم “العنكبوت” المصري للمخرج أحمد نادر الذي بدأ عرضه قبل عامين على شاشة السينما حول تاجر مخدرات يصل إلى تركيبة جديدة ناجحة من هذه السموم ويباشر بيعها في الأسواق المحلية. وأثناء محاولة الهرب من الشرطة ينفذ بطل الفيلم بعض مهارات “سبايدرمان” المتعلقة بالرشاقة وخفة الحركة إلى جانب مشاهد تفجيرات ومطاردات “أكشن” ذات مستوى عالمي، لكن ثيمة العمل الرئيسة من حيث الحبكة الدرامية تظل متعلقة بفكرة الشر والرعب الذي حققه حيوان العنكبوت في الحياة اليومية، إذ يوصف عربياً بأنه من أخطر المفترسات وأكثرها قسوة وشراسة مع ضحاياه.

 

ورد في العروض الترويجية لمسلسل “بيت العنكبوت” جملة مفادها “حافظ على بيتك أو كن مستعداً للسقوط في شباك العنكبوت”، وتعبر هذه الجملة عن الثيمة الرئيسة للنص الدرامي. وفي الأحداث يتعرض بيت العائلة لهزة عنيفة تتمثل في وفاة الوالد، وهو تاجر ذهب ذو شخصية متزنة ورصينة. لتظهر بعدها “وهانة” البيت الذي تحاول الأم وحدها الحفاظ على وجوده وتماسكه. ومن خلال تسلسل الأحداث يمرر مسلسل “بيت العنكبوت” بصورة غير مباشرة رسائل اجتماعية، أبرزها يمكن عدها رسالة شرقية وذكورية بحتة، ومفادها أن كل بيت تبنيه الأنثى أو ترعاه وحدها هو بيت واهن وضعيف، لأنه لن يصمد أمام أطماع وشرور الأبناء، الذكور تحديداً.

“سبايدرمان” العالمي

لم تصل السينما الغربية من خلال “هوليوود” إلى إنتاج شخصية وأيقونة الرجل العنكبوت الشهيرة بسهولة، إذ تدرجت حتى بلغت ذروتها وفق الموسوعة العلمية الأوروبية من خلال فيلم “سبايدرمان: لا عودة إلى الديار” Spider-Man: No Way Home))‏، وهو تكملة لفيلمي “سبايدرمان: العودة للوطن” و”سبايدرمان: بعيداً من الوطن “(2017-2019). والفيلم من إخراج جون واتس وكتابة كريس ماكينا وإريك سومرز، وبطولة توم هولاند في دور بيتر باركر. وعرض فيلم “سبايدرمان: لا عودة للديار” للمرة الأولى في لوس أنجليس عام 2021، وحقق نجاحاً عظيماً في شباك التذاكر، إذ بلغت إيراداته أكثر من 1.892 مليار دولار في جميع أنحاء العالم، ليصبح أعلى فيلم ربحاً عام 2021. وكانت هناك تتمة له قيد التطوير حينها.

أخيراً، استخدمت الدراما العربية شخصية العنكبوت بصورة خاصة يختلف تماماً عن الطريقة التي استلهمت منها “هوليوود” والثقافة الغربية أيقونة “الرجل العنكبوت/ سبايدرمان” الشهيرة. فشخصية “الرجل العنكبوت” العالمية تنتج من اندماج وتماهي الإنسان مع هذا الحيوان، لذلك عبرت النسخة العالمية من العمل عن رغبة الإنسان في امتلاك بعض صفات المخلوق الخارقة للطبيعة، ومن أهمها الرشاقة وخفة الحركة. ويمكن القول إن المعالجة الدرامية الغربية لهذه الشخصية صدرت عن عقلية علمية وجمالية محدثة، لذلك استعانت “هوليوود” بأفضل التقنيات السينمائية لصقل هذه الشخصية اللافتة التي تعد ناجحة سينمائياً حتى وقتنا هذا.

نقلاً عن : اندبندنت عربية