أزمة تهدد صناعة الشحن العالمية مع نقص البحارة المهرة

تواجه صناعة الشحن أزمة نقص عالمي في أعداد البحارة، مما أدى إلى ظهور مشكلات مقلقة مثل السير الذاتية المزيفة، وزيادة الحوادث البحرية، وارتفاع كلفة الشحن.

وقال كبير المحللين في إدارة الأطقم بشركة “درويري”، ريت هاريس، لشبكة “سي أن بي سي”، “نشهد نقصاً مستمراً في أعداد البحارة”. وأضاف أن عدد السفن ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إذ تضاعف سنوياً بالآلاف، إلا أن النمو في القوى العاملة اللازمة لتشغيل تلك السفن لم يواكب هذا الارتفاع.

وأشار هاريس إلى أن الشركات تضطر إلى توظيف بحارة أقل خبرة مما تفضله عادة، موضحاً أن الفئات العليا من الطاقم، خصوصاً المهندسين، تعاني من نقص أكبر مقارنة بضباط سطح السفن.

وقال متخصصون، إن الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي في البحر الأحمر والصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا أدت إلى تأثيرات مضاعفة على توافر البحارة المهرة.

وأوضح رئيس الأبحاث العالمية في “فيرتي ستريم”، ديجين لي، “كانت كل من أوكرانيا وروسيا من الموردين الرئيسيين للبحارة المحترفين، إلا أن النزاع بينهما أدى إلى تقليص المعروض من البحارة من كلا البلدين بسبب نقص العمالة الناجم عن الحرب.”

ووفقاً لأحدث تقرير عن توزيع القوى العاملة في قطاع البحارة الصادر عن الغرفة الدولية للشحن ICS ومنظمة BIMCO في عام 2021، تعد الفيليبين والصين وروسيا وأوكرانيا وإندونيسيا من أكبر الدول الموردة للبحارة في العالم.

وقبل اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية في فبراير(شباط) 2022، كان البحارة الروس والأوكرانيون يشكلون نحو 15 في المئة من القوى العاملة العالمية في قطاع الشحن، وفقاً لبيانات الغرفة الدولية للشحن.

عجز في أعداد البحارة

وتتوقع الغرفة الدولية للشحن حدوث عجز في أعداد البحارة المدربين يصل إلى 90 ألف بحار بحلول عام 2026، وقالت “يتعين على صانعي السياسات وضع استراتيجيات وطنية لمعالجة نقص البحارة.”

أضافت الغرفة الدولية للشحن، “من الضروري أن نعمل بنشاط على استقطاب قوة عاملة أكثر تنوعاً لتلبية النقص المتوقع في البحارة، إذ يمثل ذلك أحد أكبر التحديات التي تواجهها صناعتنا في الوقت الحالي”.

وأشارت المنظمة إلى أن الأحداث الجيوسياسية زادت من الأخطار في البحر، إذ تواصل جماعة الحوثي المدعومة من إيران استهداف السفن في البحر الأحمر، مما يجعل المهنة أقل جاذبية للبحارة الجدد.

لم تعد مهنة جذابة

وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة “دانيكا كروينغ سبيشاليستس” المتخصصة في التوظيف البحري، هنريك ينسن، إن الطاقم البحري الحالي يفضل العمل في وظائف على اليابسة بدلاً من الإبحار، وأن انخفاض جاذبية العمل البحري للأجيال الشابة قد يكون بمثابة “المسمار الأخير في نعش” هذه المهنة. وأوضح ديجين لي من “فيرتي ستريم” قائلاً “في الماضي، كانت رواتب البحارة مرتفعة بما يكفي لجعل العمل البحري خياراً مغرياً مالياً، لكن اليوم، أصبح الجيل الشاب يولي أهمية أكبر لتوازن الحياة والعمل، ولا يرغبون في الالتزام بمهنة تتطلب فترات طويلة بعيدة من المنزل”. وتابع لي أن الشباب الذين نشأوا مع الإنترنت والهواتف في متناول أيديهم قد لا يجدون الحياة البحرية، التي تفتقر إلى الاتصال المستمر، جذابة.

ونتيجة لذلك، قالت درويري إن المزيد من الشركات تحاول جذب الجيل الشاب من خلال توفير مرافق ترفيهية وصالات رياضية على متن السفن، إضافة إلى تقليص مدة الرحلات البحرية إلى فترات تراوح ما بين شهرين وأربعة أشهر فقط.

السير الذاتية المزيفة والحوادث

في حين أدى النقص في عدد البحارة إلى زيادة الشركات في تقديم رواتب أعلى لجذب المواهب من مجموعة محدودة من المتقدمين، لكن هذا الوضع أيضاً أدى إلى تقديم طلبات من أشخاص يحاولون التقدم للوظائف التي لا يمتلكون المؤهلات اللازمة لها، عبر تقديم سير ذاتية مزخرفة، بحسب ما أفاد به محللون في الصناعة لقناة “سي أن بي سي”.

وقال المحللون إن السير الذاتية المزورة أصبحت أكثر شيوعاً في الصناعة بسبب النقص، إذ يزيف عدد متزايد من البحارة تجاربهم على السفن وفترات خدمتهم في البحر.

أضاف الرئيس التنفيذي لـ”دانيكا كروينغ سبيشاليستس”، هينريك ينسن “هناك الكثير من الأشخاص الذين يلمعون سيرهم الذاتية للحصول على رتب أعلى ورواتب أكبر”، مشيراً إلى اكتشافه لآلاف من السير الذاتية المزخرفة بعد محاولة التحقق من هذه التجارب مع أصحاب العمل السابقين للبحارة.

وقال أحد القباطنة في شركة شحن عالمية، طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من انتقام الشركة منه “هناك نقص هائل… هذا يؤثر عليّ. أنا لا أجد الأشخاص المناسبين لطاقمي”. وأضاف القبطان “مستوى البحارة يتناقص، لأنه الآن يكفي أن يكون لدى الشخص رخصة فقط”. وأشار إلى أنه كان مضطراً في الآونة الأخيرة إلى طرد المزيد من البحارة الذين كانت كفاءتهم موضع شك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويحتاج البحارة على السفن الآن إلى قضاء فترات أطول في البحر بشكل متواصل، مع قلة عدد المتاحين لذلك، ويمكن أن يؤدي الإرهاق والضغط النفسي الناتج من ذلك إلى تدهور الصحة العقلية للبعض، بل وحتى وقوع حوادث على متن السفن.

من جانبه قال المدير التنفيذي لشركة “أوم مارايتايم”، سوبهانشو دوت “قد يمس بسلامة السفن والطاقم بسبب مزيج من عدم الخبرة، ونقص الصيانة السليمة، والإرهاق”.

وفي دراسة أجرتها جامعة “البحار العالمية” في 2024، أشار أكثر من 93 في المئة من 9214 بحاراً شملهم الاستطلاع إلى أن الإرهاق هو التحدي الأكثر شيوعاً المتعلق بالسلامة على متن السفن. وذكر نحو 78 في المئة أنهم لم يحصلوا على يوم عطلة كامل طوال فترة العقد، التي قد تستمر لأشهر.

وتعد الشحنات البحرية جزءاً أساسياً من سلسلة الإمداد العالمية، إذ ينقل أكثر من 80 في المئة من حجم التجارة العالمية عن طريق البحر، وفقاً لمنظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة، علاوة على أن نقص الطاقم قد يؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد، إذ قد تتأخر السفن في الموانئ، بحسب ما أفاد به دوت.

ويشارك متخصصون آخرون الرأي بأن نقص البحارة سيستمر لبضع سنوات أخرى، معترفين بأنه من أكبر التحديات التي يواجهها القطاع.

نقلاً عن : اندبندنت عربية