رحلة المهاجرين التونسيين إلى إيطاليا “محنة مزدوجة”

لا تنتهي رحلة المهاجرين التونسيين غير النظاميين عند عبور البحر الأبيض المتوسط والوصول إلى السواحل الإيطالية، بل تبدأ وقتها رحلة جديدة، وصراع يومي، مع قوات الأمن الإيطالية التي باتت تحاصرهم، وتحشدهم في السجون والمعتقلات قبل أن ترحلهم إلى بلدانهم أو إلى سجون خارج الأراضي الإيطالية، مثلما هو شأن المعتقل الكبير في ألبانيا.

محنة المهاجرين عموماً وبينهم التونسيون هي محنة مزدوجة، عمقتها ممارسات السلطات الإيطالية تجاههم، من تنكيل وتعذيب وسوء معاملة، مما دفع بعدد منهم إلى الانتحار، بعد أن فقدوا القدرة على تحمل مزيد من  التنكيل من السلطات الأمنية الإيطالية. وينتهي المطاف بعدد كبير منهم إلى مراكز الترحيل أو السجون، وتنقطع أخبارهم إما بسبب حالات الموت المفاجئ أو الاختفاء الغامض أو القسري.

دفعت هذه الانتهاكات والأوضاع السيئة في السجون والمعتقلات الإيطالية المخصصة للمهاجرين غير النظاميين جمعية “أنتيجون”، التي تهتم بحماية الحقوق والضمانات في النظام الجنائي والسجون الإيطالية، إلى المطالبة علناً بتغيير نظام السجون الذي قالت في أحد بياناتها إنه “يعيش في العصور الوسطى”، وإن “الصمت على ما يحدث في المؤسسات السجنية نوع من التواطؤ”.

وإثر تتالي الشكاوى ورصد كثير من التجاوزات، أحالت السلطات الإيطالية نحو 50 حارساً في السجون إلى القضاء، بتهم تتعلق بالاعتداء على مهاجرين داخل مراكز الإيقاف والاحتجاز، من بينهم مهاجرون تونسيون.

80 وفاة غامضة

أكد الناشط السياسي المقيم في إيطاليا مجدي الكرباعي أن “السلطات القضائية الإيطالية أصدرت أحكاماً بالسجن ضد 11 من الحراس المتهمين، إضافة إلى توقيف 14 آخرين عن العمل، في إطار الملاحقات القضائية ضد المتورطين في هذه الانتهاكات”.

وقال الكرباعي لـ”اندبندنت عربية” إن “عدد المساجين من المهاجرين التونسيين الموجودين في السجون الإيطالية يصل إلى 1900 سجين، في سجون تفتقر إلى أدنى المرافق الإنسانية، حيث يتكدس المهاجرون في وضعية صعبة جداً باتت تؤرق الرأي العام السياسي والحقوقي في إيطاليا، حيث يعاني الموقوفون الاكتظاظ والظروف المعيشية والممارسات العنصرية من الحراس الإيطاليين”.

وأضاف “خلال هذه السنة سُجل أكثر من 80 حالة وفاة داخل السجون الإيطالية، منهم 10 حالات من السجناء التونسيين وهي حالات موت غامضة بينها حالات انتحار”.

 

وأشار إلى أن “المنظمات الحقوقية ترصد فظاعات تُرتكب في حق المهاجرين، وتباشر النيابة العمومية الإيطالية عشرات التحقيقات ضد حراس السجون المتورطين في التعذيب، والاعتداء على كرامة المهاجرين، وتكشف وسائل الإعلام حالات تعذيب وإهانات وضرب ضد المهاجرين”، لافتاً إلى “رصد فضيحة في سجن الأحداث بميلانو حيث  تعرض قصّر لاعتداءات بالعنف والاغتصاب والتعذيب وبينهم قاصر تونسي”.

وتضمنت التقارير التي قدمتها الجمعيات المدنية الإيطالية إلى القضاء توثيقاً لـ”انتهاكات جسيمة لحقوق المهاجرين، طاولت كرامتهم الإنسانية بشكل صارخ، شملت الضرب والتعذيب والاغتصاب”.

وبخصوص تفاعل السفارة التونسية في إيطاليا، يرى مجدي الكرباعي، أنها على دراية بهذه التجاوزات من خلال ما تنشره وسائل الإعلام الإيطالية، والمنظمات الحقوقية، متسائلاً عن دور الملحقين الاجتماعيين في رصد ومتابعة الواقع السياسي والحقوقي في إيطاليا.

الأتعس في أوروبا

يذكر أنه بحسب تقارير حقوقية، فإن السجون الإيطالية تعتبر من الأتعس في أوروبا، وكان الاتحاد الأوروبي دعا في وقت سابق إلى مراجعة البنية التحتية لتلك السجون وتوضيح سبب وفاة عدد من السجناء، وظروف عيش المهاجرين غير النظاميين، في مراكز الحجز والترحيل وفي السجون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب تقرير صادر عن مجلس “الضامن الوطني لحقوق الأشخاص مسلوبي الحرية”، فإن معدل الاكتظاظ في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، فاق 127 في المئة، بواقع 60 ألف شخص محتجز، أي بزيادة 13 ألفاً على الحد الأقصى المتاح.

وتصل ذروة الاكتظاظ إلى نسبة 232 في المئة، في سجن سان فيتوري في ميلانو، و205 في المئة في سجن كانتون مومبيلو في بريشيا.

فرز على الهوية

من جهته، يرى الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، في تصريح خاص، أن “عام 2023 شهد وفاة 157 مهاجراً، بينهم 69 حالة انتحار، بينما عرف عام 2022 أعلى حصيلة على الإطلاق منذ عام 1992 بـ171 حالة وفاة، بينها 84 حالة انتحار”.

ويقر بن عمر بأنه “ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها المهاجرون التونسيون إلى انتهاكات خطرة ينتج منها حالات انتحار أو موت مستراب في كثير من المناسبات”، لافتاً إلى أن “المهاجرين التونسيين يتعرضون إلى تعاملات قاسية، وفرز على الهوية، لينتهي بهم المطاف إلى الترحيل إلى تونس أو الموت، وخلال الأعوام الأخيرة هز عدد من الحوادث الرأي العام في تونس وفي إيطاليا، وسط غياب تام للدبلوماسية والسلطات التونسية” على حد قوله.

 

وأشار بن عمر إلى أن المنتدى أعد دراسة في عام 2021، حول وضعية المهاجرين السريين التونسيين في مراكز الاحتجاز بإيطاليا أبرزت أن “53 في المئة من المهاجرين التونسيين غير النظاميين لم يحصلوا على سرير وأغطية بمراكز الاحتجاز، و57 في المئة لم يحصلوا على لوازم نظافة شخصية، و51 في المئة لم يحصلوا على حمام ساخن و68 في المئة اعتبروا أنهم لم يحصلوا على الطعام الكافي، بينما يشعر 22 في المئة منهم بعدم الاطمئنان، كالخوف من الموت ومن الظروف الصحية، و70 في المئة لم يشعروا بالأمان داخل مراكز الاحتجاز، بينما تعرض 23 في المئة منهم إلى العنف اللفظي والبدني و88 في المئة إلى سوء المعاملة”.

3 آلاف فقيد

يؤكد الناطق باسم المنتدى أن “هذه المراكز تقع إدارتها من قبل مؤسسات خاصة لا من قبل الدولة الإيطالية”، داعياً السلطات التونسية إلى “مزيد الإحاطة بالمهاجرين غير النظاميين القابعين في المحتشدات الإيطالية وتفعيل القنوات الدبلوماسية لنجدتهم”، معتبراً أن الأعوام الثلاثة الأخيرة كانت الأسوأ في التعاملات القاسية التي يتعرض إليها المهاجرون التونسيون في إيطاليا”.

وتقدر منظمة “الأرض للجميع” الناشطة في تونس وإيطاليا أعداد التونسيين الذين ماتوا أو فقدت أي معلومات عنهم بنحو 3 آلاف مهاجر تونسي غير مشروع منذ عام 2012.

في المقابل، أكد وزير الخارجية التونسي، محمد علي النفطي، أخيراً أمام البرلمان في مناسبة مناقشة مشروع موازنة وزارة الخارجية والتونسيين بالخارج، أن الوزارة تعمل على “تعزيز الإحاطة بالجالية التونسية بالخارج، والدفاع عن مصالحها، وعن حقوقها ببلدان الإقامة”، إضافة إلى تطوير وتوسيع مجالات التعاون الأمني وإعادة الانتشار القنصلي وتدعيمه وتعزيز الصلة بالكفاءات التونسية بالخارج”.

يذكر أن السلطات الإيطالية أعلنت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تراجعاً كبيراً في أعداد المهاجرين القادمين من السواحل التونسية، بنسبة تجاوزت 81 في المئة، بينما سجلت السواحل التونسية منذ بداية العام 755 حالة وفاة جراء غرق قوارب الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا.

نقلاً عن : اندبندنت عربية