
يمثل هذا الكتاب وعنوانه «اقتصاد القرن الحادي والعشرين.. آفاق اقتصادية – اجتماعية لعالم متغير» لمحرريه «وليام هلال – كينث ب. تايلر» (ترجمة د. حسن عبد الله بدر ود. عبد الوهاب حميد رشيد) محاولة علمية تهدف إلى خلق قدر كاف من الوضوح للكثير من حالات عدم اليقين، التي تصاحب ثورة المعرفة التكنولوجية، من اقتصادية واجتماعية وتقنية، في ظروف التحول مع بداية الألفية الثالثة، وكذلك إلى توفير فهم أفضل لما في عالم اليوم من تغيرات اقتصادية كبيرة.
أسهم في إعداد هذا الكتاب 18 عالماً بارزاً يعملون في مختلف الجامعات والمؤسسات العلمية الغربية، تركزت مهامهم على تقديم تحليلات قيمة للعوامل الفاعلة، التي تشكل الأنظمة الاقتصادية، وتخمين الموقع الذي تقود إليه هذه الاتجاهات.
يدعو الكتاب إلى نبذ الاقتصاد الكلاسيكي وافتراضاته القائمة على التصرف الأمثل وعلى التوازن، وإلى بناء علم اقتصاد جديد يعالج التحول الاقتصادي في ظل العولمة والقائم على أساس عدم التوازن أو التوازن عند الحافة.
نقاش
لا تتجسد أهمية هذا الكتاب في شمولية موضوعاته الكثيرة المطروحة، من اقتصادية واجتماعية وتقنية، في سياق ثورة المعرفة التكنولوجية التي تعيش البشرية بداياتها حالياً فحسب، بل الأكثر من ذلك بما يقدمه من آراء وتحليلات غنية، تثير الكثير من النقاش، وتتطلب المزيد من البحث، كما أن تنوع موضوعاته وتكاملها بالعلاقة مع الثورة التكنولوجية، يجعل منه مرجعاً لا غنى عنه للمثقفين وأهل العلم والفكر، ومصدراً مهماً سد بعض الفراغ في المكتبات العربية.
يرى الكتاب أن ثورة المعلومات الحالية تخلق أنظمة جديدة للاقتصاد السياسي، تماماً كما خلقت الثورة الصناعية الأنظمة القديمة التي تتحول الآن، فلأول مرة في التاريخ تنظم الشؤون الاقتصادية سعياً وراء المعرفة، كما تدفع القوة الجديدة لإدارة المعرفة باتجاه إعادة بناء البنى الاقتصادية، بحيث تتيح زيادات هائلة في الإنتاجية وإزالة العمل الروتيني، وتوفير قنوات أكثر لتوزيع وافتتاح أسواق ضخمة جديدة، وتسهيل العمليات العالمية في كل المجالات تقريباً.
يتألف الكتاب من ثلاثة أجزاء يستكشف الأول منها القوى التي تحرك التغير الاقتصادي، ويبين الجزء الثاني الآثار الاقتصادية الجزئية التي تترتب على بنية وسلوك منشآت الأعمال، في حين يفحص الجزء الثالث أنظمة الاقتصاد السياسي الجديدة – الناشئة، ويتكون هذا الجزء من 5 دراسات: التحولات: قوى التغير الرأسمالي، لإرنست ستيرنبيرج من جامعة نيويورك، ويقدم بيتر ديكن من جامعة مانشستر بإنجلترا دراسة بعنوان العولمة: منظور اقتصادي – جغرافي، ويعرض وليام هلال من جامعة واشنطن أفكارا حول السيطرة على الطاقة الهائلة للمعرفة، ويقدم آلان ج. سكوت من جامعة كاليفورنيا المحركات الإقليمية للاقتصاد العالمي، ويقدم أميتي إتزيوني من جامعة جورج واشنطن دراسة بعنوان البساطة الإرادية: هل هي حركة اجتماعية جديدة؟.
يقول وليم هلال إن العالم استخدم في عام 1997 مليار جهاز حاسوب شخصي، طاقة كل واحد منها تزيد على طاقة الأجهزة التي كانت سابقا تحتل غرفا كاملة، وتكلف ملايين الدولارات، ويتطلب تشغيلها فرقا كاملة من العاملين، إن التغيرات الكبرى حقا لم تأت بعد. وتعبر الدراسات الخمس عن فكرة أن الاستعمال الإلكتروني لتكنولوجيا المعلومات، وانتقال الأسواق الحرة على النطاق العالمي، والتعطش الواعي للتحديث، وقوى العولمة المؤثرة الأخرى تقوم كلها بخلق أحد أكثر الاتجاهات إثارة في عصرنا، توحيد العالم المتنوع في كل متماسك، وإذ يتحرك رأس المال والمعلومات والتكنولوجيا والأفراد عبر الحدود، فإن هذه العملية التوحيدية تقوم الآن بدمج أوروبا الغربية والشرقية في مجتمع اقتصادي واحد، وإزالة الحواجز الاقتصادية بين بلدان القارة الأمريكية وتكوين المحيط الهادئ الديناميكي، وعاجلا أم آجلا، قد تدمج القوى نفسها التكتلات الاقتصادية بعضها ببعض لخلق تجارة مفتوحة بين معظم الدول وأسواق نامية ضخمة جديدة، وشكل ما للحكم العالمي. ويعتبر هلام أن هذه الاتجاهات تثير أسئلة حاسمة عن طبيعة الحياة الاقتصادية في المستقبل، وعن الأشياء المتشابهة التي يمكن استخلاصها من الثورة الصناعية لرسم خطوط ثورة المعرفة، وفي أي طريق ينبغي للنظام العالمي الجديد أن يكون مجرد توسع للأنماط الاقتصادية والسياسية السابقة، وفي أي طريق يختلف عنها؟ وما أهمية هذا الرافد العميق في التاريخ؟.
المصدر : صحيفة الخليج