المسكنات بعد الجراحة.. دواء أم بداية طريق الإدمان؟

المسكنات بعد الجراحة.. دواء أم بداية طريق الإدمان؟

تُعد المسكنات وسيلة لتخفيف الألم بعد العمليات الجراحية، غير أن الأطباء يحذرون من أن الإفراط في استخدامها، خصوصاً دون إشراف طبي، قد يحوّل العلاج المؤقت إلى بداية طريق نحو الإدمان، ما يستدعي التعامل معها بحذر، ووضع خطط علاجية بديلة وآمنة.

ونبّه عبدالرزاق أميري المدير التنفيذي لمركز إرادة للعلاج والتأهيل في دبي، إلى أن بعض الأدوية، خصوصاً الأفيونية منها، قد تتحول إلى بوابة لدخول دوامة التعاطي، خاصة بعد العمليات الجراحية، فيما بيّن الدكتور سعيد عبدالله حسين رئيس قسم الصيدلة في مركز إرادة، أن المسكنات تنقسم إلى نوعين: العادية، وتلك التي تحتوي على مواد أفيونية، مثل الترامادول والمورفين، لافتاً إلى أن النوع الثاني قد يؤدي إلى تعود نفسي وجسدي يفضي إلى الإدمان.

وأوضح أن الألم الشديد بعد العمليات، يتطلب استخدام المسكنات وفق الجرعات التي يحددها الطبيب، والالتزام بالجدول الزمني للعلاج، محذراً من لجوء بعض المرضى إلى زيادة الجرعة من تلقاء أنفسهم، ما يفتح المجال للاعتماد العقلي والجسدي، بل وقد يدفع البعض لاحقاً إلى تعاطي مواد غير مشروعة، مثل الهيروين، خاصة تحت تأثير رفاق السوء.

خطورة مضاعفة

وأضاف أن من أبرز العوامل التي تضاعف خطورة هذه الأدوية، استخدامها لفترات طويلة دون إشراف طبي، أو في ظل وجود مشكلات نفسية مصاحبة، إلى جانب غياب التوعية والرقابة، داعياً الجهات المعنية إلى تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر سوء الاستخدام، في وقت أوضح فيه أن الحل يبدأ من التزام المريض بالوصفة الطبية، والتواصل مع الطبيب عند استمرار الألم، لمعالجة أسبابه، لا مجرد تسكينه، محذراً أيضاً من خطورة خلط الأدوية.

وشدد على أهمية تخزين العقاقير في أماكن آمنة، بعيداً عن متناول الأطفال. كما أشار إلى مسؤولية مقدمي الرعاية في وصف أقل جرعة ممكنة، ولأقصر مدة، والمتابعة المستمرة لحالة المريض، وتنبيهه إلى العلامات المبكرة للإدمان، واقتراح بدائل علاجية مناسبة.

وأكد على أهمية تنظيم حملات توعوية، وتوفير برامج للتخلص الآمن من الأدوية غير المستخدمة، بالتعاون مع الصيدليات، إضافة إلى توسيع نطاق المراكز الاستشارية، مثل مركز إرادة.

نمط إدماني

من جهتها، أوضحت الدكتورة أماني الرشيد المدير الطبي في مركز إرادة، أن بعض المرضى الذين لم يسبق لهم التدخين أو تعاطي أي مواد مخدرة، وجدوا أنفسهم في مواجهة الإدمان، عبر بوابة المسكنات، حيث بدأت رحلتهم بجرعات علاجية، تحولت لاحقاً إلى نمط إدماني.

وأفادت بأن لجوء البعض إلى طلب المسكنات من أكثر من طبيب، أو عبر السوق السوداء، يمثل خطراً حقيقياً، مبينة أن الأمراض المزمنة تتطلب خطة متكاملة لإدارة الألم، بينما الحالات المؤقتة بعد العمليات، تحتاج إلى خطة علاجية دقيقة ومحددة.

وأضافت أن الحالات التي تصل إلى المركز، يتم التعامل معها بشكل فردي، عبر تصميم خطط علاجية خاصة، محذرة من علامات الخطر، مثل الاستمرار في زيادة الجرعة، وعدم الالتزام بتعليمات الطبيب، والسعي للحصول على الأدوية بطرق غير قانونية، ما يؤثر سلباً في الأداء الوظيفي والاجتماعي والتعليمي، ويؤدي إلى إهمال جوانب حياتية أساسية، داعية الأسر إلى مراقبة هذه المؤشرات في وقت مبكر.

زيادة جرعات

وفي السياق ذاته، أكد الدكتور جميل محمود الشايب استشاري أمراض الجهاز الهضمي، أن الإفراط في تناول المسكنات بعد العمليات، قد يمهّد لتطور حالات اعتماد دوائي قد تصل إلى الإدمان. ولفت إلى أن كثيراً من المرضى لا يدركون سرعة تكوّن التحمل تجاه هذه الأدوية، ما يدفعهم إلى زيادة الجرعات دون استشارة الطبيب، فيعرضون أنفسهم لمخاطر صحية جسدية ونفسية.

وأضاف أن المواد الأفيونية، رغم فعاليتها في السيطرة على الألم الحاد بعد العمليات، تحمل مخاطر جسيمة، إذا لم تُستخدم بحذر شديد، وتحت إشراف طبي صارم، إذ يمكن أن يتحول العلاج المؤقت إلى حالة من الاعتماد، يصعب السيطرة عليها لاحقاً، خاصة إذا لم يلتزم المريض بالتعليمات المتعلقة بالجرعة، والفترة الزمنية للعلاج.

وأشار إلى أهمية وجود تواصل مستمر وشفاف بين الطبيب والمريض حول خطة إدارة الألم، موضحاً أن المسكنات وسيلة مؤقتة، وليست حلاً دائماً، وداعياً إلى تعزيز استخدام بدائل آمنة، مثل العلاجات الفيزيائية، والتمارين التأهيلية، والأدوية غير الأفيونية، مع التأكيد على أن التوعية والالتزام بالوصفات والمتابعة الدقيقة، تمثل منظومة متكاملة، تضمن تعافياً صحياً، وتقلل من احتمالية الوقوع في الإدمان.

أنواع المسكنات

وأوضح الدكتور عادل السجواني استشاري طب الأسرة، أن المسكنات تنقسم إلى نوعين: مخدّرة وغير مخدّرة، ويُستخدم كل منهما بحسب الحالة. وأشار إلى أن المسكنات غير المخدّرة لا تسبب الإدمان، لكنها أقل فعالية، بينما تُوصف المسكنات المخدّرة في حالات الألم الشديد، ولمدد قصيرة، وتحت إشراف طبي صارم. وأكد أن بعض المرضى يواصلون تناول المسكنات المخدّرة لفترات أطول من المسموح، ما يؤدي إلى التعود ثم الإدمان، مشدداً على أن هذه الأدوية خاضعة للرقابة، داعياً الأطباء إلى وصفها بالحد الأدنى الضروري، وتنبيه المرضى إلى عدم الإفراط أو زيادة الجرعة من تلقاء أنفسهم، لأن ذلك يُدخل الجسم في مرحلة التعود، وقد يحوّل الشخص إلى مدمن تدريجياً.

المصدر : البيان