نورة الهاشمي.. الرسم لحظة هدوء

نورة الهاشمي.. الرسم لحظة هدوء

تمثل البيئة الإماراتية تنوعاً مميزاً من نوعه، خاصة في صحرائها التي تكثر فيها أنواع متعددة من الطيور والحيوانات؛ مثل الصقور والغزلان والوعول والمها العربية والظباء وخلافها، وقد ألهمت هذه المفردات الكثير من الفنانين والفنانات الإماراتيين لتجسيدها في لوحات عديدة، فيها الكثير من الدقة والحرفية على مستوى التكوين والتعامل مع الألوان وغير ذلك، ومن هؤلاء يبرز اسم الفنانة التشكيلية نورة الهاشمي التي لها تجربة يمكن قراءتها في أكثر من مستوى فني وجمالي.
في هذه اللوحة تُبرز الفنانة الإماراتية نورة، زوجين من المها العربية المعروفة أيضاً باسم «الظبي العربي»؛ حيث تعد الإمارات أكبر موطن للمها العربي، وقد نجحت جهودها في إنقاذ هذا الحيوان من الانقراض في البرية، ويشار إلى أن الدولة تضم عدة محميات طبيعية رئيسية للمها العربي مثل محمية المها العربي في منطقة الظفرة بأبوظبي، ومحمية المها البرية في دبي.
في هذه اللوحة نلمس تجسيداً قوياً يعكس جمال الطبيعة والتراث الإماراتي، حيث تصور الفنانة الهاشمي زوجين من المها، لما لها من رمزية خاصة في التراث الإماراتي، فهي من الحيوانات التي لدى أجسادها القدرة على الحفاظ على درجة حرارة معتدلة في الصحراء، وهي تتجول في مجموعات، وتتكيف مع ظروف الجفاف الشديد، ولها أيضاً رمزية خاصة في التراث الأدبي الشعري على وجه الخصوص.

*تكوين

يظهر الرسم المها الأولى في مقدمة اللوحة برأس منحنٍ وقرنين مستقيمين وبلون أبيض ناصع ورأس مزين ببقع سوداء، وتظهر وهي تقوم بتفحص ما تيسر من النباتات الصحراوية، فيما تقف المها الثانية في الخلف وتظهر وكأنها تراقب ما يجري حولها.
استطاعت الفنانة نور الهاشمي، أن تخلق من خلال هذا الرسم شعوراً بالهدوء والانسجام مع الطبيعة، من خلال دقة استخدامها للون؛ حيث البيئة الصحراوية بلونها البني وما تحتوي عليه من نباتات صحراوية صفراء وخضراء اللون، كما أنها أبدعت في تصوير بيئة الصحراء التي ظهرت بما فيها من كثبان ورمال.
رسمت الهاشمي هذه اللوحة بالأسلوب الواقعي مع لمسات تعبيرية تركز على الجمال الطبيعي للصحراء، وقد استخدمت الفنانة ما يعرف بتقنية الإضاءة الجانبية لإبراز الحواف والظلال، وهذا يوحي بأن المها في حالة حركة، كما تتلاشى التفاصيل في الأفق، وهذا يعزز الشعور بالعمق.

*رمز
حرصت نورة الهاشمي على رسم المها، التي تعد رمزاً من رموز التراث الإماراتي، وقد جاءت اللوحة بشكل مستطيل، وهذا يمنح المشهد إحساساً بالاتساع والحرية، وكأن الفنانة هنا، تدعو المشاهد إلى تمعن هذه الطبيعة، وقد حرصت الفنانة على وجود نباتات في الجانب الأيمن من اللوحة، مع امتداد شاسع في الخلفية، ما يوحي بالتوازن بين الكتلة والفراغ.
أبدعت نورة الهاشمي، من حيث التكوين، في رسم لوحة هادئة ودافئة، كما أشرنا سابقاً، ما بين البني أو الأصفر الرملي والبرتقالي الخفيف للكثبان الرملية، الذي بدوره يحدث تبايناً مرسوماً بدقة مع اللون الأبيض الناصع لجسم المها.

ينقل هذا المشهد الفني الناظر إلى عمق ما في اللوحة من تصوير، وكأن اللوحة هنا، تحلّق بالمتلقي في أجواء ومناخات حكاية تروي قصة الهدوء والصمود في بيئة قاسية.
كما تصور اللوحة اثنين من المها أو الظباء، إحداهما في الجانب الأيمن، كما أشرنا، تقف مستقيمة، في حالة من المهابة، وتنظر مباشرة إلى الأمام، مع رأس مرفوع يعكس الفخر واليقظة، أما جسمها الناصع البياض مع وشم أسود حول العينين والأنف مع تلك القرون الطويلة والرفيعة، فتوحي بالثبات والشموخ كرمز للقوة والأناقة.
أما المها في جهة اليسار، فتقف بانحناءة قليلة إلى الأمام، وكأنها ترعى في الأرض أو تشم الريح، وقد أبرزت الهاشمي تفاصيل تلك الوقفة من خلال ذلك الوضوح الظاهر في رسم الظهر والأرجل، وهذا يضيف دينامية خفيفة على المشهد، وكأن المها في جهة اليمين في وقفة حراسة عائلية، وكأنه ذكر العائلة، فيما قرينه في جهة اليسار هو الأنثى، وتظهر مسترخية تماماً وتستكشف ما في الأرض من نباتات وخلافها.

*إضاءة
الفنانة نورة الهاشمي، تمتاز بمهارات متنوعة في الرسم، تعشق البيئة الإماراتية بما فيها من تنوع، وترى أن الفن يجسد الواقع ويلامس الذاكرة، والإمارات بالنسبة لها واحة كبيرة تحمل في طياتها تفاصيل غنية وثقافة أصيلة يلتقطها الفنان ليقدم لوحاته بأسلوب مميز. تستدعي الهاشمي صورة الظبي الذي يقطع الأفق في رحلته الصامتة عبر الصحراء. وتستحضر في لوحاتها جمال تلك الفنون التراثية، بأسلوب كلاسيكي واقعي يعكس أصالة المكان ويجسد تفاصيله بدقة.
شاركت الهاشمي في عدة معارض فنية على المستويين المحلي والدولي، وعكست من خلال أعمالها ثراء التراث الإماراتي، واستطاعت أن تجذب الأنظار وتترك بصمة خاصة في تلك المعارض، مقدمة لوحات تروي أصالة التراث وأمجاد الماضي.

المصدر : صحيفة الخليج