
يعد عبيد سرور أحد الفنانين التشكيليين الشغوفين بتراث الإمارات، خاصة ذلك الفن الذي يعنى بتجسيد عناصر ومفردات البيئة الإماراتية. وسرور من أوائل من اهتموا بهذا الجانب الحيوي، من خلال الكثير من اللوحات التي تعد مصدراً ثرياً من مصادر الإلهام، حيث البيئة التراثية في معظم تفاصيلها الاجتماعية من مشاهد ريفية، فضلاً عن لوحاته التي تهتم بتجسيد تفاصيل المباني الإماراتية القديمة من أبواب عتيقة بما فيها من تفاصيل معمارية عربية وإسلامية عريقة.
لدينا لوحة للفنان عبيد سرور فيها الكثير من التفاصيل والتكوينات الفنية التي يمكن الوقوف عندها، ومن الواضح أن عبيد سرور قد أنجزها بحس راق بما فيها من ثيمات وعناصر مبرزاً القيمة الجمالية والرمزية لهذا المنظور الفني الذي يصور حياً قديماً بتفاصيل ومفردات تراثية كثيرة.
أول ما يمكن الالتفات إليه في اللوحة، هو أنها توحي بالبساطة والأصالة، وهي تذكرنا بالحياة القديمة، وكأن الفنان هنا، مسكون بالحنين إلى تلك المشاهد التي عاش طفولته بين أحضانها.
*تكوين
يجذب التكوين البصري في هذه اللوحة عين المشاهد إلى حي قديم يتشكل من جدار شبه مهدم، يفتح على فضاء داخلي، وكأنه نافذة تطل على ذاكرة المكان، وقد استطاع عبيد سرور أن ينجز هذه اللوحة من خلال عناصر بصرية عديدة، فهناك الجدران المبنية من الطين ومن الحجر المتهالك، ما يعكس طبيعة العمارة التقليدية في الإمارات، وقد وجه الرسم عين المشاهد نحو تفاصيل عديدة، كفتحات النوافذ والجدران التي تصمم لأغراض مقصودة، مثل الوقاية من الحر وأيضاً للحفاظ على الخصوصية.
من جهة ثانية، فهناك الألوان التي نفذت لتعكس دفء المكان، مثل الرملي والبيج والبني في دلالة على البيئة الصحراوية، غير أن اللوحة تضمنت كتلة خضراء فوق الجدار الأيسر لتكسر حدة اللون، وهي معالجة فنية مقصودة، وفي الخلف نشاهد مجموعة من الأبراج أو أجزاء المنازل بارتفاعات متفاوتة وتظهر فيها عناصر تشبه البراجيل أو أبراج الحراسة.
لقد نجح عبيد سرور من خلال هذه اللوحة في توزيع الكتل والإضاءة والظل، ليخلق توازناً بصرياً ما بين الجدار الغامق في جهة اليسار وذلك الفراغ الموجود في اليمين.
*عمق
كان المدخل المهدم في منتصف اللوحة بمثابة عنصر جذب، يربط بين الجانبين الأيمن والأيسر، أما المباني والبيوت في الخلفية فقد منحت اللوحة عمقاً مدهشاً لجهة التخفيف من حدة أو ثقل الجدار الغامق اللون، كما أثث الفنان هذه اللوحة بألوان دافئة في الأرضية، تمتد مع عين المشاهد أفقياً إلى داخل المشهد، فترتبط العناصر بعضها مع بعض، على نحو يضيف تناغماً بصرياً بين صلابة الجدران والطبيعة التي تجسدت من خلال ألوان النباتات الخضراء.
في أعلى اللوحة ثمة سماء شبه غائمة، ومشمسة في الآن نفسه، وكأننا نعيش في أجواء مشهد نهاري مفعم بالحركة والإيقاع، وهو الذي يوجه عين المشاهد إلى داخل العمل الفني ويخلق إحساساً بالحياة تجاه هذا الأثر المعماري القديم، كما أن تكرار الجدران بمساحاتها المختلفة يخلق إيقاعاً بصرياً هادئاً، يوجه حركة النظر من الأمام إلى الخلف.
صمم عبيد سرور الجدار المتهدم في مدخل اللوحة، وكأنه يدعو المشاهد للدخول، فتتنقل عينه عبر البيوت والخضرة، ثم ترتفع نحو الأبراج الخلفية، وكأن المشاهد يجول في اللوحة، أو كأنه يتمعن تفاصيلها من المقدمة إلى الداخل.
*إضاءة
ولد عبيد سرور في إمارة رأس الخيمة، وهو عضو في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية ويشرف على مرسم رأس الخيمة التابع للجمعية. شارك في العديد من المعارض بما في ذلك جميع معارض الجمعية وله مشاركات فنية خارج الدولة في الأردن وبنغلاديش، والقاهرة ودول مجلس التعاون الخليجي والجزائر والسعودية. وهو حاصل على بكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة القاهرة عام 1979.
المصدر : صحيفة الخليج