الشارقة: عثمان حسن
تؤمن التشكيلية الإماراتية خولة درويش بدور الفن في الحياة، بوصفه يؤدي رسالة عظيمة، خاصة أنه يتخلل كافة تفاصيل الحياة البشرية، فهي ترى أن كل ما يبدعه الإنسان يمكن أن يسمى فناً، وقد اهتمت خولة درويش برسم القلوب على نحو خاص، ومرد ذلك أنها مرّت بتجربة شخصية دعتها لمواصلة هذا المشروع الفني الذي تؤدي من خلاله رسالة توعوية بأمراض القلب، وهي في الوقت نفسه رسالة تبث من خلالها كل مشاعر المواساة والتضامن والدعم لمرضى القلب.
تصوّر اللوحة التي أمامنا للفنانة خولة درويش عملاً فنياً يمزج بين عناصر تشريحية للقلب وأخرى نباتية. والقلب البشري في هذه اللوحة محاط بكتلة من الأزهار والأوراق، وهذا الأسلوب الفني بحسب خبراء الفن، يعد أسلوباً يضعه بعضهم ضمن خانة الفن السيريالي، غير أنه في هذه اللوحة ذو خصوصية تمتاز برمزية عالية، فالرسم التوضيحي أو التشريحي للقلب هو أحد مكونات العمل الرئيسية، وهو يحمل معنى رمزياً ووجدانياً بالنسبة للإنسان، أما الدمج بين عناصر القلب والألوان المدروسة بعناية، فيُكسب اللوحة وهجاً مضاعفاً، من قبيل أن القلب هنا، يمثل تلك العواطف المتأججة بالنبض والحيوية والصدق، والزهور أيضاً هي رمز للجمال والنمو والنقاء، ويعد هذا المزج المدروس في اللوحة، تأكيداً على تميز العلاقة بينهما (القلب والزهور والأوراق)؛ فالإنسان يعتمد على الطبيعة في الحصول على موارده الأساسية، فهو كائن يتكيف ويتفاعل مع الطبيعة، ويتأثر بها بيولوجياً وثقافياً، في علاقة قوية من الانسجام الروحي، وما يتبع ذلك من شعور الإنسان بالراحة والجمال.
من جانب آخر، فإن ثمة وشائج أخرى تحاول الفنانة أن تفسرها من خلال هذه العلاقة، فالزهور رمز لازدهار الحب، وهناك ما يشي بأن فكرة الحياة تنبع من الداخل، من تلك القوة والإرادة التي يستمدها الإنسان من الطبيعة، وليس عليه في هذا المقام إلا أن يستمر في الحياة، ويسعى لكي يواصل اهتمامه بالصحة النفسية مدخلاً للصحة الجسدية المنشودة.
برعت الفنانة خولة في تكوين عمل فني متوازن ومنظم، فالقلب كما أشرنا يحتل مركز اللوحة، وهو العنصر الأساسي الذي تتوزع من حوله الزهور والأوراق بطريقة تشبه الاحتضان، والتفرعات النباتية كما يلاحظ في الرسم، تتجه نحو الخارج، وكأنها امتداد رمـــــــزي للحياة المتدفقة من القلب.
رمز
كان اختيار الفنانة اللونين الأحمر والوردي، مدروساً بعناية، حيث يمثل القلب بالأحمر معنى الحياة، بما فيها من مشاعر الحب والحيوية، أما اللون الوردي فهو لون أرق من الأحمر، ويمكن أن يرمز هنا، إلى مفاهيم الصداقة والرعاية والرحمة بين بني البشر، غير أن إصرار الفنانة على تقديم رسم تشريحي للقلب في هذا العمل نابع من كون القلب يمثل شكلاً أكثر تعقيداً للحياة. فهو يرمز إلى جوهر الوجود، وجوهر الحياة بمعناها البيولوجي والعاطفي، في إشارة مهمة من الفنانة لضرورة الحرص على الحياة ومحاولة البقاء على قيد الحياة رغم إصابة الإنسان بالأمراض. أما النباتات الخضراء المتشابكة مع القلب، فهي رمز إلى النمو والجمال والتجدد، ورمز إلى «تجريدية» الحب بوصفه فكرة تمثل كل معاني الحياة المفتوحة على الخير والجمال الداخلي، للإنسان.
توازن بصري
برعت خولة درويش في خلق توازن بصري مريح في هذه اللوحة، فالزهور موجودة على الجانبين الأيمن والأيسر، واللون الأحمر القوي في القلب يُحدث توازناً ما بين اللون الأخضر الداكن مع الزهور الوردية، هذا التوازن يمنح اللوحة استقراراً بصرياً وراحة لعين المشاهد، كما أن اللوحة بشكل عام تتميز بإيقاعية ناعمة ومتدرجة، ولنا أن ننظر إلى منحنيات شرايين القلب في اللوحة التي تضيف حركة انسيابية مبدعة من قبل الفنانة.
المصدر : صحيفة الخليج
