ليس غريباً أن يخلد الورد في الأغاني العربية التي شدت بجماله ورقته، مثل أغنية “يا ورد مين يشتريك” لمحمد عبدالوهاب التي تساءلت عن قيمة الورد، وأغنية “الورد جميل” لسيدة الغناء العربي أم كلثوم التي جعلت منه رمزاً للجمال والحب. ليبقى أيقونة تجسد الفن والحياة في أبهى صورها.

“الورد الطائفي” ذلك العطر الفواح المتربع على عرش العطور العربية الأصيلة، يختزل في عبيره قصصاً عن الجمال والهوية. فمن بين جبال الطائف وأوديتها، ينمو ورد يحكي حكايات من الزمن الجميل وينسج روابط بين الطبيعة والفن.

إدراج عالمي 
“الورد الطائفي” المعروف برائحته الفريدة وجودته العالية أُدرج أخيراً ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة “اليونيسكو”. ويعد هذا الإدراج خطوة مهمة للحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز مكانة الطائف عالمياً، كموطن رئيس لهذا المنتج المميز.
ويعد “الورد الطائفي” أحد أبرز الرموز الثقافية للسعودية، إذ يتميز بجودته ورائحته الفريدة التي جعلته محط اهتمام عالمي. ويُزرع هذا النوع من الورد في مدينة الطائف المعروفة بمناخها المعتدل وتربتها الخصبة، مما يمنحه خصائص فريدة لا تضاهى. وتحوي المدينة نحو 1000 مزرعة تنتج سنوياً 500 مليون زهرة، تُقطف من خلال نحو 1.144.000 شجيرة على مساحة تبلغ نحو 270 هكتاراً من الأراضي الزراعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضم الطائف أكثر من 70 مصنعاً ومعملاً متخصصاً في إنتاج وتقطير الورد، مما جعلها تحقق عوائد اقتصادية وثقافية كبيرة. إذ يُستخرج من الورد الطائفي نحو 80 منتجاً، فيما تحققت استثمارات في السوق السعودية بلغت 64 مليون ريال (حوالى 17037566.53دولاراً)، وسجلت 84.450 وردة في موسوعة “غينيس” كأكبر سلة ورد في العالم.

صناعة متجددة عبر الأجيال
إنتاج “الورد الطائفي” وصناعة مشتقاته مثل الزيوت العطرية وماء الورد يعد من الحرف التقليدية التي تناقلها السكان المحليون عبر الأجيال. وتمثل هذه الحرفة جزءاً لا يتجزأ من هوية الطائف الثقافية، إذ ترتبط بمواسم الزراعة والاحتفالات المجتمعية التي تحتفي بجني المحصول. وإدراج “الورد الطائفي” في قائمة التراث الثقافي غير المادي يمثل اعترافاً عالمياً بقيمته الثقافية وأثره الاقتصادي والاجتماعي على المجتمع المحلي. ويسلط الضوء على أهمية الحفاظ على هذا التراث من خلال تشجيع الشباب على تعلم هذه الحرفة واستدامتها.

تعزيز الهوية الثقافية
يأتي هذا الإنجاز في سياق الجهود المبذولة لتحقيق “رؤية السعودية 2030″، التي تولي اهتماماً خاصاً بتعزيز الهوية الثقافية وإبراز التراث السعودي على الساحة العالمية. ويتوقع أن يسهم هذا الاعتراف في تعزيز السياحة الثقافية والبيئية داخل الطائف، من خلال جذب الزوار للاطلاع على زراعة الورد وصناعة منتجاته.
وقرر أحد محبي “الورد الطائفي” ترك عمله والتقاعد المبكر ليكرس حياته لهذه المهنة التي تعد من أبرز رموز التراث السعودي. وأكد راشد القرشي مالك أحد مصانع الورد في تصريح لـ”اندبندنت عربية” أن “الورد الطائفي” يتمتع بجودة فريدة تؤهله للتنافس عالمياً، مشيراً إلى أن مستقبل هذه الصناعة واعد جداً، وبخاصة مع الدعم الذي تقدمه رؤية السعودية 2030.

وأضاف القرشي أن تطوير قطاع “الورد الطائفي” يحتاج إلى دعم من القطاعات ذات العلاقة، بما في ذلك إنشاء مصانع بمواصفات عالمية وإطلاق شركات متخصصة لتعزيز حضور الورد في الأسواق المحلية والعالمية. وأعرب عن شكره لوزارة الثقافة على جهودها الكبيرة، لا سيما في إدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في منظمة اليونيسكو، وهو إنجاز يعكس أهمية هذه الزهرة في الهوية الوطنية السعودية.

أما جميل بن مشيهيب مالك أحد مصانع هذا الورد فورث هذه المهنة منذ نحو 40 عاماً، ليواصل إرثاً عائلياً يعكس عمق ارتباطه بتراث الطائف العريق. وأوضح بن مشيهيب أنه في كل ربيع تبدأ رحلته الموسمية في حصاد الورد، إذ تتحول المزارع إلى لوحة طبيعية زاهية تعكس جمال البيئة السعودية.

ويرى بن مشيهيب في “الورد الطائفي” رمزاً للهوية الثقافية ومصدراً للتنافسية العالمية، مؤكداً أن زراعته تتطلب اهتماماً مستمراً وجهداً كبيراً للحفاظ على جودته ورائحته المميزة، مضيفاً “تبدأ مزارع الطائف موسم قطف الورد الذي يتزامن مع بداية شهر مارس (آذار) من كل عام وبوادر فصل الربيع، ولمدة 45 يوماً حتى منتصف أبريل (نيسان)”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية