هل الحكمة في الإحجام عن خفض الفائدة الأميركية؟

هل الحكمة في الإحجام عن خفض الفائدة الأميركية؟

يتوقع المستثمرون أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة الرئيسي في 29 أكتوبر، ومرة ​​أخرى بنهاية العام. راهناً، في ظل حالة مهولة من عدم اليقين بشأن مسار الاقتصاد، تبدو مبررات الخفض ضعيفة. لذا، سيكون الاحتياطي الفيدرالي حكيماً إن توقف عن خفض الفائدة مؤقتاً.

انخفض تضخم أسعار المستهلك الأساسي بشكل طفيف في سبتمبر، لكنه عند 3%، وهو المستوى الذي استقر عليه خلال العام الماضي، ما يزال أعلى بكثير من هدف البنك المركزي.

صحيح، كما أكد مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي، أن سوق العمل قد تباطأت، إلا أن معدل البطالة، الذي بلغ 4.3% في أغسطس، ما يزال متوافقاً مع هدف البنك المتمثل في “الحد الأقصى للتوظيف”. بالنظر إلى هذين الرقمين، كانت لوري لوغان، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، محقة في قولها هذا الشهر: “نحن أبعد عن التضخم في تلك الأهداف”.

الفيدرالي الأميركي وبنك كندا يتأهبان لخفض أسعار الفائدة

حاجج مسؤولون آخرون في الاحتياطي الفيدرالي، ومنهم رئيسه جيروم باول، بأن ميزان المخاطر قد تغير. بالنظر إلى المستقبل، يقولون إن هدف التوظيف أصبح الآن في خطر أكبر من هدف التضخم. ربما، لكن الأمر ليس واضحاً تماماً.

فماذا عسى أن يفعل جيروم باول وزملاؤه؟

كانت المراجعات التنازلية الأخيرة لأرقام التوظيف السابقة كبيرة بشكل غير معتاد، ما وضع حداً لفكرة أن سوق العمل ما تزال نشطةً. واتخذ مزيد من التباطؤ مؤخراً شكل تباطؤ في التوظيف إلى جانب تباطؤ في تسريح العمال. ربما أدى عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية إلى انخفاض الطلب على العمالة، لكن حملة مكافحة الهجرة غير الشرعية قللت العرض. يساعد هذا النمط غير المعتاد “انخفاض التوظيف وانخفاض التسريح” في تفسير سبب ثبات معدل البطالة نسبياً. لكنه لا يرسل رسالةً واضحةً بشأن أسعار الفائدة.

الخطوة التالية للاحتياطي الفيدرالي هي الأكثر صعوبة

تبدو توقعات التضخم غامضة بنفس القدر. إذ إن تمرير الرسوم الجمركية إلى المستهلكين أبطأ مما توقعه كثيرون، ربما لأن الشركات تنتظر لترى ما سيحدث لاحقاً. إذا كان الأمر كذلك، فسيكون هناك مزيد من التضخم المدفوع بالرسوم الجمركية. وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع الأجور، ما يجعل التضخم الذي يتجاوز المستهدف أصعب.

مما زاد من مشكلات الاحتياطي الفيدرالي، أن الإغلاق الحكومي أدى إلى تأخير أو إلغاء عديد من إصدارات إحصائية مقررة، وسيكون فهم حالة الاقتصاد صعباً جداً عند تدفق البيانات كالمعتاد، أما بغيابها، تكاد تكون المهمة مستحيلة.

البيت الأبيض: الإغلاق الحكومي يعطل إصدار تقرير التضخم الأميركي لشهر أكتوبر

في ظل كل هذه الشكوك، لماذا يثق المستثمرون إلى هذه الدرجة في احتمالية خفض آخر لأسعار الفائدة الأسبوع المقبل، يليه خفض آخر في ديسمبر؟ يكمن الجواب جزئياً في أن باول وزملاءه قد دفعوهم إلى توقع ذلك.

الفيدرالي أوحى للأسواق بأن تتوقع خفض سعر الفائدة

حدد آخر ملخص للتوقعات الاقتصادية للاحتياطي الفيدرالي سعر فائدة على الأموال الاتحادية بنسبة 3.6% بنهاية العام، ما يعني تخفيضات إضافية قدرها 50 نقطة أساس. وقد أكدت أحدث تعليقات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي على مبرر “توازن المخاطر” الجديد (إعطاء وزن أكبر للوظائف من الأسعار)، الذي استخدمه باول لتبرير خفض سبتمبر.

الاحتياطي الفيدرالي يرصد تباطؤاً متفاوتاً في الاقتصاد الأميركي

المشكلة هي أن التوقعات الناتجة القائمة على السوق تميل إلى أن تكون ذاتية التحقق جزئياً، لأن البنك المركزي يتردد في مفاجأة المستثمرين دون سبب وجيه. في الواقع، ينتقل عبء الإثبات: فبدلاً من الاضطرار إلى تبرير خفض سعر الفائدة، سيتعيّن على الاحتياطي الفيدرالي شرح سبب عدم خفضه. ومن المفارقات، أن البيانات المفقودة وتزايد حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية واتجاهات سوق العمل تُصبح أسباباً للاستمرار بدلاً من التذرع بالحذر، كما ينبغي.

الخفض المتوقع بمقدار 25 نقطة أساس ليس أمراً جللاً في حد ذاته. وقد يتبين أن باول وزملاءه مُحقّون بشأن ميزان المخاطر، وفي هذه الحالة سيثبت الإصرار على خفض سعر الفائدة أنه كان القرار الصحيح. لكن حالياً، كما يعلم الجميع، يشهد الاقتصاد نمواً والبطالة منخفضة والتضخم أعلى مما ينبغي. فلماذا لا ننتظر ونرى؟

المصدر : الشرق بلومبرج