رغم أن المغرب لا يزال يعتمد بشكل أساسي على الفحم لإنتاج الكهرباء، إلا أنه وضع هدفاً طموحاً يتمثل في التخلص نهائياً من هذا الوقود الملوث بحلول 2040، في رهان واضح على الطاقات المتجددة والنظيفة.
للمرة الأولى، حددت المملكة هدف التخلص من الفحم في إنتاج الكهرباء ضمن النسخة الثالثة من “المساهمة المحددة وطنياً” للفترة 2026-2035 والتي جرى تقديمها بنهاية سبتمبر إلى أمانة ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻷﻣﻢ المتحدة ﺍﻹﻃﺎﺭﻳﺔ ﺑﺸﺄﻥ تغير المناخ.
الأرقام تظهر أن المسألة ليست سهلة، إذ شكل الفحم في 2023 المصدر الأساسي لإنتاج الكهرباء في المملكة، حيث ساهم بنسبة 64% من حجم الكهرباء المُنتجة، انخفاضاً من 70% في العام السابق، وفقاً لبيانات الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء.
البيانات تشير إلى أن الطاقات المتجددة ساهمت آنذاك، بنحو 21.7% من الإنتاج على رأسها طاقة الرياح، فيما يمثل إنتاج الكهرباء بالغاز الطبيعي نحو 10%، والباقي للفيول.
ما أبرز التحديات لخطة المناخ في المغرب؟
نجاح التحول الطاقي يبقى رهناً بقدرة المملكة على مواجهة ثلاثة تحديات رئيسية، أولها يتعلق بالعقود الحالية، إذ إن عدداً من محطات الفحم التي يشغلها القطاع الخاص، تعمل في إطار عقود شراء طويلة الأمد ينبغي إعادة التفاوض بشأنها للسماح بالإغلاق المبكر.
وعلى سبيل المثال، تم تمديد عقد محطة “الجرف الأصفر” حتى عام 2044، في حين تخضع محطة مدينة آسفي لعقد يمتد على ثلاثين سنة منذ بدء تشغيلها عام 2018.
وأشار رشيد الناصيري، المؤسس المشارك والمدير لمبادرة “إمال” للمناخ والتنمية في تصريح لـ”الشرق”، إلى أن “هذه العقود تم توقيعها في فترة كانت الأولوية للفحم، ما يتطلب اليوم تكييفها مع التوجه الجديد نحو إزالة الكربون”.
اقرأ أيضاً: المغرب يخطط لمضاعفة إنتاج الكهرباء بحلول كأس العالم 2030
أما التحدي الثاني فيتعلق بضمان الإمدادات ومرونة النظام الكهربائي، إذ يحتاج المغرب إلى تعزيز شبكته الكهربائية وتطوير قدرات التخزين وضمان مرونة أكبر في النظام. وقال الناصيري: “يمكن الاعتماد مؤقتاً وبشكل محدود على الغاز كطاقة انتقالية، إضافة إلى تحسين إدارة الطلب وتوسيع التكامل الإقليمي عبر الربط الكهربائي مع دول الجوار”.
ويبرز التحدي الثالث في البعد الاجتماعي، إذ يؤكد مدير المركز البحثي أن “كل الخطوات يجب أن تكون عادلة وشاملة. فإغلاق محطات الفحم تدريجياً، ينبغي أن يترافق مع برامج لإعادة تأهيل العاملين، وتطوير فرص اقتصادية جديدة في المناطق المتأثرة”.
ماذا سيستفيد المغرب من التخلي عن الفحم؟
يحمل مسار المغرب نحو التخلي عن الفحم فوائد كبيرة على المستوى البيئي. ولكن الخطوة تحمل أيضاً بعداً اقتصادياً، إذ من شأنها تعزيز استقلالية المملكة الطاقية، وضمان استقرار كلفة الإنتاج، من خلال تقليص الاعتماد على الفحم المستورد، وتقليل التعرض لتقلبات الأسواق الدولية، وفقاً للناصيري.
ومن شأن التخلي عن الفحم أن يسهم بتحسين الصحة العامة وإدارة الموارد المائية، عبر خفض الانبعاثات الملوثة وتقليص استهلاك المياه، في ظل تفاقم الإجهاد المائي الذي تشهده البلاد، وفقاً للناصيري.
إلى جانب ذلك، تمنح هذه الخطوة دفعة قوية لتنافسية الصادرات المغربية، من خلال توفير كهرباء منخفضة الكربون للصناعات الموجهة نحو أوروبا، خصوصاً تلك الخاضعة لآلية “تعديل حدود الكربون” التي أقرها الاتحاد الأوروبي، مثل الأسمدة والصلب والصناعات كثيفة الطاقة، والتي ستبدأ تدريجياً العام المقبل.
وفقاً لتقديرات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهو مؤسسة حكومية استشارية في المغرب، فإن الضريبة الأوروبية ستؤثر على نحو 3.7% من إجمالي الصادرات، منها 2.9% مرتبطة بالأسمدة. لكن توسيع نطاق تطبيق الآلية على المدى المتوسط ليشمل منتجات إضافية، والانبعاثات غير المباشرة والمنتجات المُصنعة، سيترتب عنه اتساع قاعدة الصادرات المغربية المشمولة.
اقرأ التفاصيل: كيف تؤثر ضريبة الكربون الأوروبية على المغرب؟
الطاقة المتجددة في مقدمة الحلول
يركز المغرب ضمن أهداف المناخ على قطاع إنتاج الكهرباء باعتباره المصدر الرئيسي لانبعاثات الغازات الدفيئة، ولذلك حددت المملكة هدفاً يتمثل في مضاعفة قدرتها المركبة في مجال الطاقات المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030، لتتجاوز 27 غيغاواط، باستثمارات تناهز 13 مليار دولار، وفق تصريحات سابقة لوزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية ليلى بنعلي لـ”الشرق”.
اقرأ أيضاً: كيف يستثمر المغرب في الطاقات النظيفة من الشمس إلى الهيدروجين؟
يرى الناصيري أن التحول الطاقي الذي اختاره المغرب “ممكن التحقق، ومنسجم مع المسار الذي بدأه بالفعل”، والمتمثل في وقف إطلاق أي مشروع جديد لتوليد الكهرباء بالفحم.
تتجاوز حصة الطاقات النظيفة حالياً 45% من إجمالي القدرة الكهربائية المركبة في المغرب وفقاً لبيانات الوكالة المغربية للطاقة المستدامة، مع هدف بلوغ 52% بحلول 2030، وتسعى البلاد للاستفادة من الوفرة في طاقتي الشمس والرياح للحد من تكاليف الإنتاج لجذب الاستثمارات.
هذا المسار مدعوم بـ”تسريع وتيرة تطوير الطاقات الشمسية والريحية، إلى جانب الاستثمار في قدرات التخزين وتعزيز شبكات الكهرباء”، وفقاً لمدير المبادرة التي تعمل كمركز أبحاث غير ربحي حول المناخ مقره العاصمة الرباط.
وأضاف أن “تحديد المغرب سنة 2040 للتخلص التدريجي من الفحم أمرٌ بالغ الأهمية لخفض انبعاثات المغرب فعلياً، إذ يُعدّ الفحم أحد المصادر الرئيسية لانبعاثاته”.
المغرب يحتاج 96 مليار دولار لتمويل الانتقال الطاقي
المملكة ربطت تحقيق أهدافها بـ”توفر دعم دولي كافٍ”، فقبل أربع سنوات، وضعت هدفاً لخفض الانبعاثات بنحو 45.5% بحلول نهاية العقد، وكان ذلك يتطلب تمويلاً بنحو 78 مليار دولار.
رفع المغرب من سقف أهدافه لخفض الانبعاثات إلى 53% بحلول عام 2035، لكن تحقق ذلك سيتطلب حشد تمويلات محلية وخارجية أكبر تناهز 96 مليار دولار (ما يعادل 870 مليار درهم)، ما يعني أن الأهداف الجديدة والتمديد لخمس سنوات، رفعت من التمويلات الضرورية بنحو 23%.
اقرأ أيضاً: المغرب يخطط لاستثمار 23 مليار دولار في قطاعي المياه والكهرباء
خطة العمل المناخي تتضمن أيضاً عدداً من المشاريع التي تهدف للحد من ارتفاع درجة الحرارة ضمن حدود 1.5 درجة مئوية، ومشاريع أخرى للتكيف مع تأثيرات تغير المناخ، وتراهن المملكة على مساهمة القطاع الخاص محلياً والمؤسسات المالية المقرضة لتحقيق أهداف الخطة.
المصدر : الشرق بلومبرج
