العام الماضي، تجسدت الحقيقة في حياة عائلة مردوخ كمرآة تعكس الفن، عندما أثارت إحدى حلقات مسلسل “توريث” Succession الشهير الذي تعرضه شبكة “إتش بي أو” موجة من التساؤلات الواقعية حول مستقبل إمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية. هذا العمل الدرامي الشهير الذي يحكي قصة عائلة قطب إعلامي يميني تتصارع مع تداعيات وفاته، دفع أبناء مردوخ إلى إعادة النظر في خطة خلافة والدهم.

في شهادة سرية أدلى بها مردوخ وأبناؤه الأربعة الكبار –لاكلان وجيمس وإليزابيث وبرودنس- في مدينة رينو بولاية نيفادا خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ناقش أفراد العائلة كيف ألهمت تلك الحلقة سلسلة من الحوارات الخاصة المكثفة.

ووفقاً لوثائق المحكمة التي حصلت عليها صحيفة “نيويورك تايمز”، بدأ الأبناء في وضع استراتيجية إعلامية للتعامل مع وفاة والدهم المنتظرة، بعد مشاهدتهم التمثيل الدرامي للاضطراب الذي اجتاح إمبراطورية لوغان روي الإعلامية في المسلسل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وألهمت تلك الحلقة مارك ديفرو الذي يمثل إليزابيث مردوخ في صندوق العائلة لصياغة ما أطلق عليه “مذكرة التوريث”، وهي وثيقة تهدف إلى تجنب حدوث سيناريو مشابه للفوضى التي صورها المسلسل. لكن هذه الخطوة كانت الشرارة الأولى التي أشعلت فتيل صراع عائلي عميق ومثير للجدل.

في سن الـ93 سعى روبرت مردوخ إلى ضمان سيطرة ابنه الأكبر لاكلان على إمبراطوريته الإعلامية من خلال تعديل هيكل “صندوق عائلة مردوخ” [مؤسسة لإدارة الأملاك]، بهدف منحه سلطة “دائمة” و”حصرية”. ويحوي الصندوق على ثمانية حصص من الأصوات، أربعة منها بيد مردوخ الأب نفسه بينما تتوزع الأربعة الأخرى بالتساوي بين أبنائه الأكبر سناً. وصُمم هذا الترتيب لتقسيم السلطة بالتساوي بين الورثة بعد وفاة الأب.

لكن محاولات مردوخ إبعاد صلاحيات التصويت من أبنائه الأكثر اعتدالاً سياسياً -جيمس وإليزابيث وبرودنس- انتهت بنزاع قانوني. وفي النهاية رفض المفوض إدموند جيه. غورمان جونيور في نيفادا تلك التعديلات، واصفاً إياها بأنها “خدعة مصممة بعناية”، متهماً مردوخ بالتصرف بـ”سوء نية”.

وأكد آدم سترايسند محامي مردوخ أنهم يعتزمون استئناف القرار الذي أصدرته محكمة نيفادا. ومع ذلك، يعتقد أن النزاع لا يتعلق بالميراث المالي، إذ إن خطط مردوخ لم تكن لتقلل من نصيب أبنائه من الثروة. بل كانت التعديلات المقترحة ستؤدي إلى تقليص صلاحيات التصويت للأبناء ذوي الميول السياسية الأقل محافظة، في محاولة ينظر إليها على نطاق واسع كجهد لتثبيت أجندة يمينية داخل المؤسسات الإعلامية ذات النفوذ الكبير التي تمتلكها العائلة.

ويعكس هذا النزاع القانوني التوترات المتصاعدة داخل عائلة مردوخ في شأن مستقبل الإمبراطورية الإعلامية، التي تمتد عبر قارات عدة وتشمل منصات إعلامية مؤثرة مثل “وول ستريت جورنال” و”فوكس نيوز”. ويشكل قرار المحكمة نكسة كبيرة لرؤية مردوخ في ضمان مستقبل بقيادة لاكلان، مما يثير تساؤلات حول إمكانية الحفاظ على وحدة العائلة على المدى البعيد.

مستقبل إمبراطورية مردوخ الإعلامية الشاسعة التي تضم أسماء رنانة مثل “فوكس نيوز” و”وول ستريت جورنال”، ومنصات بريطانية مثل “صن” و”تايمز” أصبح محور اهتمام واسع خلال الأعوام الأخيرة. بل إن هذه الإمبراطورية كانت بصورة جزئية مصدر إلهام المسلسل الدرامي الناجح.

وعندما أعلن مردوخ تقاعده خلال سبتمبر الماضي بدا وكأنه يحسم الجدل الطويل حول مسألة التوريث، من خلال تعيين ابنه الأكبر لاكلان رئيساً لمجلس إدارة “نيوز كورب” News Corp ومديراً تنفيذياً لشركة “فوكس كورب” Fox Corp. لكن جهوده اللاحقة لترسيخ مكانة لاكلان وضمان عدم قدرة إخوته على تحدي سلطته أشعلت معركة قانونية مريرة.

أما ابنتاه الصغيرتان كلوي وغريس فليس لديهما حق التصويت في الصندوق، على رغم امتلاكهما حصصاً متساوية في الأسهم.

وفي بيان مشترك، أعرب كل من جيمس وإليزابيث وبرودنس ترحيبهم بقرار المحكمة، معربين عن أملهم في أن يساعد ذلك العائلة على “تعزيز وإعادة بناء العلاقات”. ويتناقض هذا الموقف المعتدل سياسياً للأبناء الثلاثة بوضوح مع النهج اليميني الصارم لوالدهم وشقيقهم لاكلان، مما أثار التكهنات بإمكانية حدوث تغيير في الاتجاه التحريري للإمبراطورية إذا ما أصبحت السيطرة مشتركة.

ووفقاً لوثائق سرية حصلت عليها صحيفة “نيويورك تايمز”، حذر مردوخ من أن غياب التوافق بين ورثته قد يؤدي إلى “إعادة توجيه السياسات التحريرية والمحتوى”، مما قد يضعف الإرث المحافظ للشركات الإعلامية التابعة للإمبراطورية.

وعلى رغم نيات مردوخ فإن المعركة القانونية لم تزد الانقسامات داخل عائلته إلا عمقاً. وكان جيمس مردوخ الذي عُدَّ خلال وقت من الأوقات المرشح الأبرز للقيادة، في صراع دائم مع شقيقه لاكلان بسبب الخلافات السياسية. وتفاقم هذا التوتر أثناء رئاسة دونالد ترمب عندما أعرب جيمس عن قلقه إزاء تغطية “فوكس نيوز” المتعاطفة مع ترمب. وخلال عام 2020 استقال جيمس من مجلس إدارة “نيوز كورب”، مستشهداً بخلافات تحريرية.

وروبرت مردوخ الذي تقدر ثروته بنحو 17 مليار دولار (ما يعادل 13.8 مليار جنيه استرليني) وفقاً لمجلة فوربس، قضى سبعة عقود في بناء إمبراطوريته الإعلامية العالمية. لكن تقاعده لم يهدئ من دراما العائلة. وعلى رغم أن لاكلان ظهر كوريث مختار لقيادة الإمبراطورية فإن المعركة لإعادة تشكيل هيكل الصندوق جذبت انتباه الرأي العام، وعمقت الانقسامات بين الأبناء.

وخلال الوقت الحالي، يمثل قرار المحكمة نكسة كبيرة لخطط مردوخ لكنه يفتح الباب أمام أبنائه الأكثر اعتدالاً سياسياً للتأثير في الاتجاه الاستراتيجي للإمبراطورية، مما قد يغير مسارها بعيداً من جذورها المحافظة المتشددة.

تواصلت “اندبندنت” مع روبرت مردوخ للحصول على تعليق.

نقلاً عن : اندبندنت عربية