إذ تتبقى خمسة أسابيع فقط قبل أن يتولى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب وحلفاؤه السيطرة الكاملة على السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، يسعى كثيرون من خصومه السابقين فجأة إلى كسب وده والتقرب منه. ولكن كيف يمكنهم تحقيق هذه الغاية بأفضل طريقة ممكنة؟ طبعاً، عبر تمويل الاحتفال الضخم بتنصيبه الذي سيشهد عودته للسلطة.

الخميس الماضي، ذكرت شبكة “سي إن إن” الأميركية أن “أمازون”، أكبر شركات البيع بالتجزئة في العالم، ستقدم مليون دولار نقداً للجنة المسؤولة عن تنظيم حفل تنصيب ترمب رئيساً للبلاد، إضافة إلى مساهمة عينية مساوية ستقدمها من خلال بث الاحتفالات التي ستقام في الـ20 من يناير (كانون الثاني) عبر منصتها الخاصة للبث المباشر [أمازون برايم فيديو].

وتعد هذه التبرعات الأحدث في سلسلة جهود لا ينفك مؤسس “أمازون” جيف بيزوس يبذلها لتخفيف التوترات [والخلافات السياسية والتجارية بينه وبين ترمب والموجودة منذ فترة رئاسته الأولى].

بيزوس، الذي يملك أيضاً صحيفة “واشنطن بوست”، كان أصبح هدفاً متكرراً لهجمات ترمب بسبب تقارير الصحيفة الحائزة جائزة “بوليتزر” التي انتقدت فيها فترة رئاسته الأولى. وكان الرئيس آنذاك يهاجم بصورة متكررة ما وصفه بـ”أمازون واشنطن بوست” على حسابه على “تويتر” (“إكس” الآن)، كذلك اتهم بالتدخل للحؤول دون فوز “أمازون” بعقد حكومي ضخم لتقديم خدمات الحوسبة السحابة لوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”.

ولكن في الأشهر الأخيرة، اتخذ بيزوس خطوات عدة ترمي إلى تهدئة علاقته المتوترة والمشحونة مع ترمب.

بعدما كاد مسلح أن يطلق النار على ترمب في رأسه خلال تجمع انتخابي حاشد في يوليو (تموز) الماضي في ولاية بنسلفانيا، كتب بيزوس منشوراً على موقع “إكس” مادحاً فيه الرئيس السابق آنذاك على أظهاره “ثباتاً وشجاعة عظيمين في مواجهة طلقات رصاص حقيقية” بعدما ظهرت صور لترمب رافعاً قبضته على رغم التهديد [في إشارة إلى القوة والتحدي]، فيما كان يرفض السماح لفريق الخدمة السرية الخاصة به توفير الحماية المناسبة.

وبعد مرور أشهر عدة، أفيد أيضاً بأن بيزوس تدخل لمنع صحيفته من إعلان دعم منافسة ترمب في انتخابات 2024، نائبة الرئيس [جو بايدن] كامالا هاريس.

لكن مؤسس أمازون ليس الملياردير الوحيد الذي بدا وكأنه يغير موقفه تجاه ترمب، استعداداً لولايته الثانية.

فقد أعلنت “ميتا”، الشركة الأم لموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، يوم الأربعاء، أنها تبرعت بمليون دولار لاحتفالات وفعاليات تنصيب الرئيس الجديد، وذلك بعد أسبوعين فقط من عشاء جمع ترمب ومؤسس الشركة مارك زوكربيرغ في نادي “مارالاغو” التابع للرئيس المنتخب في بالم بيتش، بولاية فلوريدا.

زوكربيرغ، الذي كانت منصاته حظرت ترمب في أعقاب هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول الأميركي في السادس من يناير 2021، بدأ أيضاً بدوره في تبني موقف أكثر مرونة تجاه الرئيس المنتخب بعد محاولة اغتياله. وفي مقابلة مع “البودكاست” الأميركي “ذا سيركيت” The Circuit، قال إن رؤية ترمب وهو “ينهض بعد إصابته برصاصة في وجهه ويرفع قبضته في الهواء بينما العلم الأميركي” يرفرف في الخلفية كانت “إحدى أكثر اللحظات المذهلة التي شاهدتها في حياتي”.

لكن التعاطف مع رجل سياسي كاد أن يقتل، واحترام تصرفه الشجاع بعد تعرضه لإطلاق الرصاص، ليسا بالضرورة الدافعين وراء تغيير موقف زوكربيرغ وبيزوس من الرئيس المنتخب. إنه الخوف من العواقب على الأرجح.

ترمب، الذي أمضى السنوات القليلة الماضية في الترويج لخطاب يتمحور حول الانتقام والعقاب ضد من يراهم خصومه كجزء من أجندته السياسية، أصبح الآن في وضع يسمح له بمضايقة أعدائه المزعومين. وبدعم من المحكمة العليا التي منحت الرؤساء حصانة شاملة في أية ممارسة للسلطة الرسمية، يستطيع الرئيس أن يوجه المدعين العامين أو الهيئات التنظيمية الممتثلة إلى استخدام قوة القانون الكاملة ضد الشخصيات التي لا ترضيه، مع ضمان عدم وجود أي عواقب قانونية لهذا التصرف.

في حالة زوكربيرغ، ليست هذه التهديدات مجرد افتراضات أو تصورات بعيدة. في كتاب صور نشر هذا العام، هدد ترمب فعلاً بسجنه.

وتحت صورة فوتوغرافية تجمع الرجلين خلال اجتماع في البيت الأبيض، كتب ترمب أن زوكربيرغ “كان يزور المكتب البيضاوي كي يلتقي بي. كان يصطحب زوجته اللطيفة إلى العشاء، ويتصرف بأدب شأن أي شخص آخر، بينما يخطط دائماً لدعم صناديق غير شرعية في مؤامرة حقيقية ضد الرئيس”، في إشارة إلى جهود زوكربيرغ لتمويل إدارة الانتخابات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة خلال جائحة “كوفيد- 19”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووجه أتباع نظريات المؤامرة ومنكرو نتائج الانتخابات المتحالفون مع ترمب اتهامات إلى زوكربيرغ بتمويل الانتخابات في المناطق ذات التوجهات الديمقراطية فقط، ولكن في الحقيقة، كانت الأموال التي قدمتها المنظمة غير الربحية التابعة لرجل الأعمال متاحة لأية بلدية تطلبها.

بيد أن ترمب رأى في الأموال التي قدمها زوكربيرغ لدعم الانتخابات جزءاً من مؤامرة خبيثة ضده.

وفي كتابه ذكر ترمب أن زوكربيرغ “أخبرني أن ترمب يتمتع بحضور متفرد على فيسبوك لا يضاهيه فيه أحد. ولكن في الوقت نفسه، ولأي سبب كان، وجه الأمور ضدي”، في إشارة إلى الاتهامات الزائفة التي يوجهها المحافظون غالباً ضد منصات التكنولوجيا في شأن فرض الرقابة على المحتوى.

وأضاف ترمب: “نحن نراقبه عن كثب، وإذا خطا أية خطوة غير قانونية هذه المرة  سيقضي بقية حياته في السجن، تماماً كما الآخرين الذين يتورطون في أي تزوير أو تلاعب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024”.

والجدير بالذكر أن زوكربيرغ رفض تمويل أية مبادرات تتعلق بتعزيز المشاركة المدنية خلال انتخابات العام الحالي. وجنى الفوائد من هذا الموقف حتى الآن، سواء في فرص التواصل مع مسؤولين في السلطة أو الدور المحتمل في مساعدة الإدارة على صوغ السياسات والقوانين التي تنظم الذكاء الاصطناعي.

والآن، بينما يستعد ترمب للعودة للبيت الأبيض، يبذل زوكربيرغ وزملاؤه من عمالقة التكنولوجيا قصارى جهدهم للتأكد من أن ترمب لن يفكر حتى في تنفيذ التهديدات التي كان وجهها ضدهم في الماضي.

يبقى أن هؤلاء، في محاولاتهم التقرب من ترمب والتودد إليه، ليسوا مدفوعين بمصلحة شركاتهم فحسب، بل أيضاً بغريزة البقاء.

نقلاً عن : اندبندنت عربية