لم يكن الفنان فؤاد المهندس الذي نحتفل بمئوية ميلاده هذه الأيام مجرد ممثل كوميدي استطاع أن يرسم البسمة على وجوه عشاق فنه، وإنما كان حالة خاصة ومهمة في تاريخ فن التمثيل الكوميدي في مصر، كان أقرب إلى الحلقة الوسطى بين مرحلة أستاذه نجيب الريحاني وتلميذه عادل إمام، وصاحب مدرسة اعتمدت على الأداء الراقي بعيدا عن الابتذال والترهل، وليس من شك في أن جانبا كبيرا من إرث فؤاد المهندس الفني كان نتاج هذه الثنائية الناجحة التي كونها مع رفيقة مشواره في الفن والحياة الفنانة شويكار، وهو ثنائي تمتع بمميزات خاصة لم تتحقق لغيرهما.
أولاً: هذا هو الثنائي الكوميدي الوحيد الذي عرفته السينما المصرية وليس المسرح فقط، فرغم أنها عرفت ظاهرة الثنائيات الفنية منذ منتصف الأربعينات تقريباً بتقاسم كل من أنور وجدي وليلى مراد بطولة أفلامهما، إلا أن كل هذه الثنائيات غلب عليها الطابع التراجيدي أو الاستعراضي كحال فاتن حمامة وعماد حمدي، شادية وكمال الشناوي، سامية جمال وفريد الأطرش، هدى سلطان وفريد شوقي، ميرفت أمين وحسين فهمي.
ثانياً: هما حالة فريدة ليس لهذا فقط وإنما لأنهما أيضا الثنائي الوحيد الذي لم تصنعه السينما مباشرة، وإنما كان سابق التجهيز على خشية المسرح، أي إنه جاء إلى السينما يحمل مخاطرة كبرى إذا ما تعرض للفشل، ومن ثم كان من الممكن -حال حدوث ذلك- أن يخسر الرصيد الذي كان قد جمعه مسرحيا.
ثالثاً: من حيث الكم.. هذا هو أنجح ثنائي فني عرفته السينما المصرية إذ قدما معا 26 فيلما متفوقا على الثنائي شادية وكمال الشناوي الذي قدم 25 فيلما، بينما اجتمع فريد شوقي وهدى سلطان في 19 فيلما، ومن حيث طول التجربة فإنها امتدت حتى سنة 1990 عندما جمع المخرج ياسين إسماعيل ياسين بين فؤاد وشويكار في فيلم «جريمة إلا ربع» ما يعني أن هذا الثنائي ظل مطلوبا حتى مطلع التسعينات.
رابعاً: الأنجح لأنه الثنائي الوحيد الذي امتد أثره بعيداً عن شاشة السينما حيث استمر سينمائياً مع وجوده الطاغي لسنوات طويلة على خشبة المسرح بمسرحيات أصبحت محفورة في الوجدان، ليس هذا فقط، وإنما تزامنت أيضاً مع نجاحاته الإذاعية المدوية حتى أصبح فؤاد وشويكار -ولفترة طويلة- من الطقوس الرمضانية المعتادة.
خامساً: على مستوى المضمون ورغم أن بناء أفلام هذا الثنائي بدا وكأنه يعتمد تقريباً على تيمة الرجل الساذج طيب القلب والفتاة الجميلة التي تجذبه إليها إما بجمالها وإما بقوة شخصيتها أو بالاثنين معاً فتقوده بشكل كامل إلى ما تريده، فإنه لم يكن يخلو داخل هذا الإطار من بعض التنويعات، فقدم الكوميديا الاجتماعية والبوليسية والعاطفية والاستعراضية، بل والكوميديا السوداء والفلسفية أيضاً، كما حاول الثنائي تسييس بعض أفلامهما أو تحميلها بعض المفاهيم الوطنية في فترة كانت شديدة الحرج والحساسية في تاريخ مصر المعاصر أعقاب هزيمة يونيو 1967، حيث زادت نبرة الانتصار على الغرب والأمريكان بالذات حتى لو كان في قالب هزلى، فشاهدنا فؤاد المهندس في «مطاردة غرامية» يفضل الفتاة المصرية «شويكار» على كل جميلات الغرب، وتلقى الشرطة المصرية القبض على مستر إكس في «أخطر رجل في العالم»، وتوقع بعصابة التجسس في «العتبة جزاز» وعصابة التخريب والتهريب في «شنبو في المصيدة»، فضلاً عن الخط الوطني الواضح في «فيفا زلاطا»، ولا أظن أنها مجرد مصادفة أن يصبح طرف الصراع دائماً في أفلام الثنائي شويكار وفؤاد هو الغرب، وأن تنتصر الطيبة المصرية والذكاء الفطري على عناصر الشر مهما كانت قوتها، وأغلب الظن أن القائمين على توجيه الرأي العام آنذاك وجدوا في شعبية الثنائي فؤاد وشويكار فرصة لتحميله هذه المضامين السياسية والرسائل المهمة.
نقلاً عن : الوطن