خلال وقت تفقد القوى الغربية وفي مقدمها الدول الأوروبية على غرار فرنسا مواقعها في غرب أفريقيا، يسلط كثر الضوء على الأوراق التي قد تخسرها تلك القوى في منطقة غنية بثرواتها الباطنية والحيوانية أيضاً.

وفي هذا الشأن تعد الأسماك إحدى أهم ثروات المنطقة التي استفادت منها الدول الأوروبية، ويفوق إنتاج أفريقيا من الأحياء البحرية سبعة في المئة من الإنتاج العالمي بحسب المنظمة العالمية للغذاء والزراعة “فاو”.

وإلى أمد غير بعيد كانت الأسماك مورد رزق كثر داخل منطقة غرب أفريقيا التي تئن تحت وطأة أزمات اجتماعية واقتصادية حادة، تدفع أبناء تلك المنطقة للمخاطرة وركوب قوارب الهجرة غير النظامية بصورة متزايدة.

وبحسب الـ”فاو” فإن الصيد التقليدي يوفر أكثر من 10 في المئة من الوظائف لأبناء القارة السمراء، الذين أصبحوا يفقدون بسرعة تلك الوظيفة بسبب قدوم قوارب كبيرة للصيد على السواحل الأفريقية، خصوصاً في دول مثل موريتانيا والسنغال وغيرهما. ويعمل نحو 12 مليون أفريقي في مجال صيد الأحياء البحرية عبر سواحل القارة التي تبلغ نحو 13 مليون كيلومتر مربع.

استنزاف مستمر

بلغ إنتاج أفريقيا العام الماضي من الأحياء البحرية نحو 14.4 في المئة من الإنتاج العالمي وفقاً لإحصاءات نشرتها منظمة الـ”فاو” خلال وقت سابق.

وتاريخياً، أبرمت أفريقيا 12 اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي لتنظيم عمليات تصدير الأسماك والأحياء البحرية الأفريقية إلى القارة العجوز، لكن هذه الاتفاقات باتت في مرمى الانتقادات بصورة كبيرة.

 

وكانت غينيا بيساو تجاهلت خلال سبتمبر (أيلول) الماضي الانتقادات وقامت بتجديد اتفاق للصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، يتيح لسفن دول إيطاليا والبرتغال واليونان وإسبانيا وفرنسا صيد الأحياء البحرية في مياهها لمدة لا تتجاوز خمسة أعوام مقابل الحصول على نحو 100 مليون يورو (نحو 104 ملايين دولار) عن ذلك.

وقال الناشط البيئي النيجيري عيسى غاربا إن “هناك استنزافاً مستمراً من قبل دول الاتحاد الأوروبي وسفنه وقواربه الضخمة للثروة السمكية في أفريقيا، استناداً إلى اتفاقات غير عادلة وغير متكافئة”.

وأضاف غاربا لـ”اندبندنت عربية” أن “أفريقيا تخسر ملايين الدولارات سنوياً مقابل الاتفاقات التي أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي ناهيك بوجود عمليات غير قانونية للصيد، وهو ما يزيد من تلاشي الثروة السمكية داخل المنطقة وخصوصاً في موريتانيا”.

وموريتانيا على سبيل المثال تكتنز سواحلها ثروة هائلة من الأسماك بنحو 600 نوع، من بينها 200 نوع ذي قيمة تجارية سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو دولياً، وهي مطلوبة في الأسواق بصورة كبيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب تقرير سابق لـ”تحالف الشفافية المالية” فإن أفريقيا تخسر نحو 11 مليار دولار كل عام جراء هذه الاتفاقات، التي تمنح الدول الأوروبية اليد الطولى في الصيد من دون عائدات ضخمة لأفريقيا التي تشكو ضعفاً كبيراً في الاستثمارات وغيرها.

ومن غير الواضح ما إذا كانت التغيرات السياسية التي تشهدها دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو وتشاد ستقود إلى مراجعة هذه الاتفاقات.

صيد جائر

على رغم أن الصيد وفر للدول الأفريقية امتيازات على مستوى مجالات مثل النقل، إذ باتت الموانئ التي تقلع منها السفن تشهد حركة منقطعة النظير، لكن ثمة مخاوف من إفراغ السواحل الأفريقية من أنواع فريدة من الأسماك.

ودفعت الحاجة خلال الأعوام الأخيرة إلى تطوير البنى التحتية الخاصة بالصيد البحري في غرب أفريقيا على غرار ميناء نواذيبو في موريتانيا وتنظيفه، فيما قفز عدد المصانع المتخصصة في معالجة المنتجات البحرية داخل هذا البلد من 50 مصنعاً عام 2006 إلى 94 عام 2014، ويعتمد 97 في المئة منها لدى الأسواق الأوروبية.

 

وقال المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية محمد تورشين إن “الاتفاقات المرتبطة بالصيد البحري بين أفريقيا وأوروبا مجحفة، ولا يمكن أن تحقق مكاسب مادية للدول الأفريقية بأية حال من الأحوال، خصوصاً أن تلك الاتفاقات لا تسهم في وضع أية قيود على الدول الأوروبية والصين من أجل الحفاظ على الطبيعة البحرية لتلك الأسماك”.

وفي تصريح لـ”اندبندنت عربية” أوضح تورشين أن “الصيد لا يراعي التنوع البيئي حتى يكون هناك استمرار في تكاثر الأسماك، لذا فهي اتفاقات في حاجة إلى إعادة نظر حتى تكون ملائمة للتحولات والتغيرات البيئية، والأهم من ذلك حتى تضمن استمرارية تدفق كميات كبيرة من الأسماك”.

وشدد على أن “الشركات الأوروبية تصطاد من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية والأمن الغذائي للدول الأوروبية، لأن دول غينيا بيساو والسنغال وموريتانيا قادرة على تأمين الاكتفاء الذاتي لأوروبا من الأسماك”.

واستنتج تورشين أن “المكاسب المادية التي تجنيها هذه الدول الثلاث لا يمكن حتى أن تغطي الكلفة الناتجة من الصيد الجائر، وفي تقديري فإن الانتقادات التي توجهها المنظمات والجمعيات في هذه الدول لمراجعة الاتفاقات مهمة لمحاولة تصحيح الأخطاء”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية