إيلون ماسك أغنى رجل في العالم وأحد أبرز الشخصيات التكنولوجية المؤثرة، اشتهر بتناقض مواقفه تجاه المملكة المتحدة. وعند وفاة رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر علق ماسك وفقاً لصحيفة “تايمز” البريطانية قائلاً “كنت دائماً معجباً بمارغريت ثاتشر. كانت صارمة لكنها عاقلة وعادلة مثل جدتي الإنجليزية”.
جدة ماسك، كورا أميليا روبنسون التي ولدت في ليفربول كانت تعشق بريطانيا، وظلت تحمل لها ولاء عاطفياً طوال حياتها حتى بعد انتقالها إلى جنوب أفريقيا. ويقال إنها كانت تقف احتراماً كلما ظهرت الملكة إليزابيث الثانية على شاشة التلفزيون، مما يعكس ارتباطها العميق ببريطانيا وثقافتها.
لكن وعلى رغم هذه الخلفية العاطفية والإعجاب الواضح ببريطانيا، شهدت مواقف ماسك تحولاً لافتاً خلال الأعوام الأخيرة، ليصبح من أبرز منتقدي سياسات المملكة المتحدة، وبخاصة بعد انتخاب كير ستارمر. وفقاً لما نقلته “تايمز”، فإن هذا التحول يعود إلى عوامل عدة متشابكة، تراوح ما بين الجوانب التجارية والسياسية والشخصية.
أحد أبرز أسباب الخلاف هو قانون “سلامة الإنترنت” الذي سيدخل حيز التنفيذ في المملكة المتحدة بدءاً من عام 2025. وبموجب هذا القانون، ستواجه منصة “إكس” التي يملكها ماسك التزامات صارمة للحد من المحتوى غير المناسب للأطفال، مثل المواد الإباحية أو المحتوى المرتبط بإيذاء النفس والانتحار. وفي حال فشلت المنصة في الامتثال لهذه القوانين ستفرض عليها غرامات ضخمة تصل إلى 10 في المئة من إيراداتها العالمية، أو قد تواجه خطر الحظر التام داخل المملكة المتحدة.
نظراً إلى أهمية السوق البريطانية بالنسبة لـ”إكس” والذي يضم أكثر من 25 مليون مستخدم، يعد هذا القانون مصدر قلق كبير لماسك الذي يعرف بمقاومته للتنظيمات الصارمة، سواء في بريطانيا أو في دول أخرى مثل البرازيل وأستراليا.
وإلى جانب التحديات التنظيمية هناك صدام سياسي وأيديولوجي بين ماسك وحكومة حزب العمال. فقد أصبح ماسك ناقداً شديداً لرئيس الوزراء كير ستارمر وذهب إلى حد وصف بريطانيا تحت حكمه بـ”الدولة البوليسية الاستبدادية”. وتصاعدت حدة انتقاداته بعد حوادث الشغب في مدينة ساوثبورت الإنجليزية، إذ اعتبر رد الحكومة على هذه الحوادث “ازدواجياً”. وأثارت قضايا سجن بعض الشخصيات اليمينية المتطرفة مثل تومي روبنسون غضب ماسك، الذي رأى هذه الممارسات تقمع حرية التعبير. إلا أن منتقديه يعدون أن هذه الادعاءات تتجاهل الفروق الدقيقة في النظام القانوني البريطاني، والذي يجيز تقييد الخطاب الذي يمكن أن يحرض على الكراهية أو العنف.
ومن بين العوامل التي فاقمت التوتر بين إيلون ماسك وبريطانيا هو تزايد دوره في السياسة العالمية، لا سيما بعد دعمه العلني للرئيس الأميركي دونالد ترمب. فقد تزامن تصاعد هجماته على المملكة المتحدة مع تحوله إلى شخصية سياسية بارزة على الساحة الأميركية.
فبعد إعلان ماسك دعمه حملة ترمب الرئاسية لعام 2024، وعد بتقديم تبرعات ضخمة تصل إلى 200 مليون دولار لدعم أجندة “أميركا أولاً”، التي تهدف إلى تعزيز الصناعة الأميركية على حساب الحلفاء الأجانب بما في ذلك بريطانيا. وهذا التحالف السياسي الجديد مع ترمب وضع ماسك في مواجهة مباشرة مع الحكومات الأوروبية، ليصبح أحد اللاعبين الرئيسين في التأثير في السياسات العالمية عبر منصته “إكس”، مما جعل سطوته تمتد إلى دول عدة حول العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الوقت نفسه، تعمق الخلاف بين ماسك والمؤسسات البريطانية بعد انتقادات منظمة “مركز مكافحة الكراهية الرقمية” CCDH، الذي أسسه عمران أحمد والذي كان مستشاراً سابقاً لحزب العمال البريطاني، وهي مؤسسة غير ربحية تسلط الضوء على انتشار خطاب الكراهية والمعلومات المضللة على “إكس”. وأدى هذا النقد إلى هرب مئات المعلنين من المنصة مما تسبب في خسائر كبيرة للإيرادات. وماسك بدوره وصف المنظمة بأنها “شريرة تماماً” ورفع دعوى قضائية ضدها، لكن محاولاته باءت بالفشل.
لكن، وعلى رغم حدة الانتقادات فإن ماسك لا يزال يبدي اهتماماً خاصاً ببريطانيا. ووفقاً لما نقل عن زعيم حزب ريفورم نايجل فاراج الذي يحظى بدعم ماسك، فإن الأخير يرى في بريطانيا “البلد الأم لجميع الدول الناطقة بالإنجليزية”، وهو أمر يمنحها أهمية ثقافية وسياسية خاصة.
وفي هذا السياق، يرى بعض المراقبين مثل وزير الأعمال البريطاني السابق والمرشح الأوفر حظاً ليصبح السفير البريطاني المقبل في واشنطن اللورد ماندلسون، أنه من الأهمية بمكان مضاعفة الجهود لإيجاد أرضية مشتركة مع ماسك. وفي حديثه إلى “تايمز” قال “[ماسك] يمثل ظاهرة تكنولوجية وصناعية وتجارية. أعتقد أنه من غير الحكمة أن تتجاهله بريطانيا. ولا يمكننا مواصلة هذه النزاعات ولا نملك رفاهية ذلك. وعلينا محاولة حل هذا الأمر في أسرع وقت ممكن”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية