تفاجأت الأحزاب السياسية البريطانية العريقة، وهي محقة في ذلك، من بروز إيلون ماسك كمناصر لحزب إصلاح المملكة المتحدة ((Reform UK. وبفضل ارتباطه الوثيق بدونالد ترمب، تضاعف حجم صافي ثروة أغنى رجل في العالم ليبلغ نحو 400 مليار دولار منذ الانتخابات الرئاسية.
ولم يُخفِ الرجل أمر توظيف أمواله لغايات سياسية: فقد أنفق 45 مليون دولار شهرياً على حملة ترمب مثلاً. وقصد زعيم حزب إصلاح المملكة المتحدة نايجل فاراج وأمين صندوق حزبه الجديد نيك كاندي (وهو يعد مليارديراً صغيراً نسبياً في هذا السياق) مقر ترمب في فلوريدا وقضيا ساعة يخوضان في الطرق التي يمكن لماسك أن يساعدهما فيها. وتناقشوا في أمور مالية وربما أيضاً تقنيات الحملات الرقمية. وقد ذُهل كثر من صور الثلاثي في مارالاغو التي أرعبت خصوماً سياسيين. لكن ما الذي يمكن أن يفعله ماسك؟
هل سيمنح ماسك 100 مليون دولار لحزب إصلاح المملكة المتحدة؟
تناقلت جهات كثيرة هذا الرقم، وإن على سبيل التخمين، لكن لم يُطرح أي رقم فعلي بحسب فاراج. كما يقول الرجل إن مبلغ 100 مليون دولار “لا أساس له من الصحة” لكن حتى أي مبلغ أقل كفيل بأن يبلغ أضعاف أي تبرع سياسي في تاريخ بريطانيا وقد يتخطى سقف الإنفاق الوطني المتعلق بالانتخابات العامة، بما في ذلك إنفاق المرشحين المحليين. فإن اختار أي حزب التنافس على مقاعد البرلمان جميعها والبالغة 632 مقعداً في أية انتخابات عامة، يُسمح له بإنفاق مبلغ يفوق 34 مليون جنيه بقليل فقط.
أما خارج فترات الانتخابات، فلا يوضع سقف على إنفاق الأحزاب. واللافت أن هدية ماسك المزعومة التي تبلغ 100 مليون دولار تعادل تقريباً الدخل الإجمالي والإنفاق الإجمالي لكل الأحزاب المسجلة في عام 2022 وهما 99993948 جنيهاً و101686090 جنيهاً على التوالي.
هل تبرع ماسك بـ 100 مليون دولار إلى “إصلاح المملكة المتحدة” قانوني؟
قد يكون كذلك. أمام ماسك سبيلان للتبرع بصورة قانونية: يمر أسهل طريق عبر شركة بريطانية يملكها ماسك أو يسيطر عليها، ويفترض في هذه الحال أن يصرح عنها. ولا يهم إن كان مصدر المال هو من الإيرادات أو الأرباح الناتجة من نشاط الشركة داخل المملكة المتحدة، أم غير ذلك. والأمر نفسه ينطبق على بعض أنواع الصناديق الائتمانية.
أما السبيل الثاني كي يصبح ماسك متبرعاً قانونياً لحزب سياسي بريطاني، فيتعلق بمسألة جنسيته. يمكن أن يصبح ماسك مواطناً بريطانياً بسبب كورا، جدته لأبيه (كورا أميليا روبنسون ماسك، التي ولدت في عام 1923 في ليفربول). ولحسن حظ ماسك “الليفربولي” الذي يحمل اليوم الجنسية الأميركية (بسبب ظروف لم تخلُ من الجدل)، تسمح كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للمواطنين بازدواج الجنسية (وهي الحال في جنوب أفريقيا كذلك، مسقط رأسه، بشرط أن يحصل على موافقة حكومة جنوب أفريقيا).
لكن الاختبار الحقيقي للتبرع السياسي الشخصي القانوني هو أن يدرج الفرد نفسه على قوائم الناخبين البريطانيين و”يعيش في المملكة المتحدة”. طبعاً، يستطيع ماسك أن يشتري أي عقار يريده في المملكة المتحدة ويبقى فيه قليلاً لكن من غير الواضح إن كان ذلك يعتبر إقامة بموجب قانون الانتخاب البريطاني.
هل سيكون من النفاق قبول حزب إصلاح المملكة المتحدة تبرعاً كهذا؟
تفوح من الموضوع رائحة النفاق، لا سيما إن أخذنا في الاعتبار تشديد الحزب على القومية البريطانية والتماسك البريطاني ونبذه الشعبوي تأثير النخب الثرية العالمية. كما أن ماسك في الوقت الحالي مهتم وضالع في الحكومة الأميركية بشكل شخصي للغاية، وهذا لا يتناسب بالضرورة مع المصالح الوطنية البريطانية (في قضايا الرسوم الجمركية وأوكرانيا والناتو مثلاً).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإلى أي مدى يمكن أن يتزعم ماسك فعلاً أنه بريطاني، نظراً إلى منشوراته على منصة “إكس” التي تبين عدم فهمه لما يحدث على الأرض؟ قد يصح القول إن أورسولا فون دير لاين مثلاً [رئيسة المفوضية الأوروبية]، قضت وقتاً أطول في بريطانيا من ماسك الذي اشتهر برفضه حضور جلسة استماع في لجنة تابعة لمجلس العموم البريطاني (مع أنه شارك في القمة التي عقدها ريشي سوناك العام الماضي حول الذكاء الاصطناعي). وعلى أية حال، سوف تكون درجة “بريطانية” ماسك وارتباطه بالمملكة المتحدة أكثر سطحية بكثير مقارنة بكثير من المهاجرين الآخرين الذين يسخر منهم فاراج. [نايجل فاراج معروف بمواقفه المعادية للهجرة. على مر السنين، كان ينتقد بصورة منتظمة سياسة الهجرة في المملكة المتحدة، وبخاصة الهجرة من الاتحاد الأوروبي، وهو أحد الداعمين الرئيسين لاستفتاء “بريكست”. في خطاباته وحملاته السياسية، كان فاراج يركز على القلق في شأن تأثير الهجرة في الهوية الوطنية والاقتصاد].
ما دوافع تصرف ماسك؟
يبدو أن ماسك لديه اعتقاد، سواء كان صائباً أم لم يكن، أن حرية التعبير بخطر في بريطانيا وأن ما يسميه “فيروس اليقظة العقلية” منتشر بشكل يفوق ما يروق له.
هل يمكن إيقاف هذا الأمر؟
نعم، وهناك حاجة ملحة إلى تنظيم الإنفاق الحزبي خارج فترات الانتخابات التي تخضع لرقابة صارمة. فالقوانين المرعية تعود إلى 20 عاماً مضت ولا تتناسب مع ظهور ثقافة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي والمعلومات المضللة.
من منظور القانون البريطاني، لا تزال بريطانيا بلداً سكانه من قراء الصحف المطبوعة الذين يشاهدون القنوات التلفزيونية الرئيسة الخاضعة للضبط والتنظيم، حيث لا تزال السياسة تستمد تمويلها من أثرياء أو شركات مقرها في المملكة المتحدة واتحادات نقابية. سواء كان الأمر يتعلق بماسك أو غيره، يجب أن تُحدّث الأمور بصورة عاجلة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية