ما إن كشفت وسائل الإعلام اليابانية منتصف الأسبوع عن مفاوضات اندماج بين ثاني أكبر شركة لإنتاج السيارات “هوندا” وثالث أكبر شركة “نيسان”، حتى جاء رد فعل الأسواق سريعاً، إذ ارتفع سعر سهم “نيسان” 30 في المئة، بينما هبط سعر سهم “هوندا” بنسبة 5 في المئة، لأن السوق والمستثمرين والمحللين يرون جميعاً أن صفقة اندماج بين الشركتين قد تكون محاولة إنقاذ لـ”نيسان” على حساب وضع “هوندا” الجيد، علاوة على أن ترحيب السلطات اليابانية، خصوصاً وزارة الاقتصاد والتجارة، بمفاوضات الصفقة وتصريحات مسؤوليها بأنهم يدعمون هذا التوجه عززت التصور بأن الصفقة قد تنتشل “نيسان” من مسار التدهور الذي بدأ عام 2018، ولم تتعافَ منه منذ أزمة إدانة رئيسها السابق كارلوس غصن وهربه من اليابان، لكن الواقع أن صفقة الاندماج إذا تحققت ستكون مفيدة لـ”هوندا” أيضاً وليست فقط لإنقاذ “نيسان”.

أما حماسة السلطات الرسمية لصفقة الاندماج المحتملة فتعود إلى أنها تفضل تعزيز وضع الشركات الوطنية باندماجات واستحواذات محلية على دخول شركات أجنبية لسوق السيارات اليابانية. وكانت تقارير إعلامية ذكرت أن شركة “فوكس كون التايوانية” مهتمة بالاستحواذ على شركة “نيسان”، والشركة التايوانية أكبر متعاقد تصنيع لشركة “أبل” العالمية ولديها طموحات لدخول سوق السيارات الكهربائية بقوة.

مشكلات وتحديات

وعلى رغم أن صفقة الاندماج بين “هوندا” و”نيسان” ستؤدي إلى تكوين منافس قوي لشركة إنتاج السيارات الأولى في اليابان “تويوتا” فإن الصفقة أيضاً ستحسن من تنافسية الصناعة اليابانية في القطاع، خصوصاً في مجال السيارات الكهربائية والهجينة في مواجهة شركات عالمية مثل “تيسلا” الأميركية والشركات الصينية الصاعدة بقوة وبسرعة.

ربما تبدو الصفقة أقرب لاستحواذ “هوندا” على “نيسان” من اندماج شركتين في كيان كبير، خصوصاً أن وضع “هوندا” أفضل بكثير من “نيسان”، فالقدرات المالية لشركة “هوندا” تساوي تقريباً 4 أضعاف “نيسان”، وعلى رغم أن الشركة التي تعد ثاني أكبر شركة في قطاع السيارات من حيث المبيعات فإنها تعاني تأخراً في تطوير السيارات الكهربائية مقارنة بـ”تيسلا” والشركات الصينية، إلا أنها تنتج موديلات أكثر من السيارات الهجينة، علاوة على أن مكانة “هوندا” في السوق مدعومة بمبيعاتها من موديلات الموتوسيكلات، وغيرها.

أما “نيسان” فإنها تقريباً أصبحت خارج المنافسة في سوق السيارات الكهربائية، على رغم أنها كانت أول من طرح سيارة كهربائية على نطاق واسع عام 2010، وهو موديل “ليف”، لكن تلك الريادة اختفت مع توقف الشركة عن تطوير موديلات جديدة منافسة وتركيزها على سيارات تعمل بالوقود، ثم جاءت أزمة رئيسها السابق الذي قدم إليها من شريكتها وقتها، شركة “رينو الفرنسية”، كارلوس غصن.

ومنذ عام 2018 هوت المبيعات العالمية لـ”نيسان” من 5.6 مليون سيارة إلى 3.4 مليون سيارة العام الماضي، وضمن محاولات مستمرة لوقف التدهور وضبط دفاترها، أعلنت الشركة عن تخفيضات في الوظائف وإغلاق مصانع، وأحدث تلك الإجراءات الخطة التي أعلنتها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن تسريح 9 آلاف من العاملين فيها، ومحاولة خفض الإنفاق ببضع مليارات من الدولارات، حتى إن الرئيس التنفيذي للشركة ماكوتو يوشيدا أعلن عن خفض راتبه.

فوائد متوقعة

لن تكون صفقة الاندماج إذا أبرمت بمثابة إنقاذ لـ”نيسان” من عثراتها فحسب، بل هي أيضاً مفيدة لـ”هوندا” على رغم وضعها الأفضل، وربما تكون الفائدة الأهم هي في مجال تشارك الشركتين كلفة الأبحاث والتطوير، خصوصاً لابتكار موديلات جديدة للسيارات الكهربائية والهجينة، فالمنافسة الأولى “تويوتا” تنفق ما يصل إلى 7.5 مليار دولار سنوياً على الأبحاث والتطوير، وعلى رغم مشكلات “نيسان” المتتالية في السنوات الأخيرة، فإنها حافظت على موازنة البحث والتطوير، ويمكن لتقاسم كلفة هذا الجانب مع “هوندا” أن يفيد الشركتين معاً أو الكيان الجديد الموحد، ثم إن “نيسان” تملك نسبة أكثر من 26 في المئة من شركة “ميتسوبيشي”، وفي حال الاندماج مع “هوندا” سيكون التعاون بين الشركات الثلاث كفيلاً بجعلهم منافساً قوياً لـ”تويوتا” في البحث والتطوير لابتكار موديلات جديدة، وزيادة المبيعات، بالتالي العائدات والأرباح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يرى بعض المحللين، بحسب ما تقوله صحيفة “وول ستريت جورنال” وصحيفة “فاينانشيال تايمز”، أن موقف شركة “رينو الفرنسية” من صفقة الاندماج بين حليفتيها “نيسان” و”هوندا” قد يمثل عائقاً أمام إبرامها، إلا أن التصريحات الأولية من “رينو” تبدو إيجابية، إذ ترى الشركة الفرنسية أن أي إجراء يوقف خسائر “نيسان” مفيد لها، ثم إن “رينو” خفضت بالفعل حصتها في “نيسان” من 43 في المئة إلى 15 في المئة.

ولأن اتفاق التحالف بين الشركتين الفرنسية واليابانية يعطي “نيسان” أولوية شراء الأسهم التي تريد “رينو” بيعها، لا أن تذهب إلى مشتر آخر، فإن ذلك لن يكون مشكلة كبيرة لشركة “هوندا” الشريك الأقوى في كيان الاندماج المتوقع. وسواء أبقت “رينو” على نصيبها الباقي في “نيسان” أو تخلصت منه فالشركة الفرنسية مستفيدة، إما من ارتفاع سعر سهم “نيسان” أو من التحسن المتوقع في الأداء بعد الاندماج.

تبقى هناك بعض العقبات الطبيعية في أي صفقة اندماج بين شركتين كبيرتين مثل اختلاف ثقافة العمل والتشغيل وتباين النظم الداخلية وغيرها، إلا أن الوضع الجيد والقوي لشركة “هوندا”، ربما يسهل التغلب على تلك العقبات، وبالطبع لن تكون الفوائد المتوقعة سريعة، حتى إن تضافر جهود التطوير والابتكار والاتفاق على موديلات جديدة تنافس الشركات العالمية الكبرى لن يؤتي ثماره إلا بعد فترة، إذ يحتاج تطوير موديل جديد إلى سنوات حتى يصبح متاحاً في السوق، وإن كانت الشركات الصينية قلصت هذه المدة الآن إلى 18 شهراً من ابتكار موديل إلى طرحه

نقلاً عن : اندبندنت عربية