سجلت تونس 49 حكماً جديداً بالإعدام آخره أصدر في الـ10 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري في تطور يضع السلطات أمام اختبار جدي، خصوصاً بعد أن صوتت في الأمم المتحدة لمصلحة قرار ينص على تعليق تنفيذ هذه العقوبة.
ويدور منذ أعوام جدل في تونس حول هذه العقوبة، لا سيما بعدما هزت البلاد جرائم بشعة جعلت الأصوات المنادية بتنفيذ الإعدام تتعالى، مما واجهته منظمات ونشطاء يناهضون تطبيق هذه العقوبة.
وينص القانون التونسي على تنفيذ عقوبة الإعدام بعد أن يوقع الرئيس على ذلك، مما لم يستجِب له الرئيس الراحل زين العابدين بن علي منذ تنفيذ آخر حكم بحق الناصر الدامرجي وأيضاً الرؤساء الذين تولوا إدارة الحكم بعد الإطاحة به عام 2011.
تناقض
وتأتي هذه التطورات في وقت قطعت البلاد مع تنفيذ حكم الإعدام نحو 30 عاماً، إذ كان آخر حكم نُفذ في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1990 ضد الدامرجي الذي يُلقب بـ “سفاح نابل” وارتكب جرائم هزت الرأي العام في ولاية (محافظة).
وقال رئيس الائتلاف المدني التونسي لإلغاء الإعدام شكري لطيف “المهم أنه خلال الاجتماع الذي عقد في الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت تونس لمصلحة قرار تعليق تنفيذ عقوبة الإعدام، ونحن راسلنا رئيس الجمهورية قيس سعيد ووزير الخارجية، وعقدنا اجتماعاً مع النواب في البرلمان في محاولة تحسيس ومناصرة من أجل إلغاء العقوبة ودفع تونس إلى التصويت لمصلحة هذا القرار”.
وفي تصريح إلى “اندبندنت عربية”، استدرك لطيف “لكن هذا التصويت والإبقاء في الوقت نفسه على إصدار أحكام بالإعدام يجسدان تناقضاً بالفعل، فالمشكلة في تونس أنها منذ عام 1991 علقت تنفيذ عقوبة الإعدام ثم بداية 2012 أصبحت تصوت لمصلحة القرار الأممي الذي يدعو إلى تعليق تطبيق هذه العقوبة، وهو قرار يقع التصويت عليه كل سنتين”.
وأضاف أنه “على المستوى المغاربي، هناك دول تصوت لمصلحة هذا القرار، وهناك دول تتحفظ، على سبيل المثال موريتانيا وليبيا صوتتا ضد القرار أي إنهما مع تنفيذ عقوبة الإعدام، بينما صوتت تونس والجزائر والمغرب لمصلحة القرار”.
وشدد على أن “المهم هو أن السلطات التونسية صوتت لمصلحة القرار وثبتت موقفها في الأمم المتحدة تجاه عقوبة الإعدام، وهو تفاعل إيجابي وخطوة جيدة، لكنها منقوصة ويجب تطويرها من خلال مراجعة التشريعات التونسية وحذف كل ما له صلة بتجريم أفعال ومعاقبتها بعقوبة الإعدام، مما يرتبط بمسألتين، الأولى مصادقة تونس على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والثانية المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الخاص بعقوبة الإعدام”.
لا دفاع عن الجريمة
وكان سعيد دعا إلى تنفيذ عقوبة الإعدام عام 2020 بعدما قُتلت شابة على يد متهم له سوابق إجرامية، وقال على هامش اجتماع لمجلس الأمن القومي آنذاك، “من قتل نفساً بغير حق جزاؤه الإعدام”، مما أثار تساؤلات جدية حول ما إذا كانت البلاد ستنصب من جديد المشانق لمرتكبي الجرائم، خصوصاً تلك التي تستهدف النساء والأطفال أو ذات الصبغة الإرهابية.
وفي الوقت ذاته، فرض مناهضو هذه العقوبة أنفسهم في المعادلة من خلال “الدفاع عن الحق في الحياة”، وهو تبرير يواجه انتقادات حادة رد عليها لطيف بالقول “أن نعارض عقوبة الإعدام لا يعني أننا ندافع عن الجريمة، بل بالعكس نحن نقول إن ظاهرة العنف التي تفاقمت خلال الأعوام الماضية في تونس هي ظواهر مجتمعية يجب التصدي لها بكل قوة، لكن الحل لا يمكن أن يكون بالإعدام”.
وأردف أنه “يجب اجتثاث الأسباب الكامنة خلف تفاقم الجرائم في تونس بدلاً من اللجوء إلى الحلول السهلة، ومقاربتنا للحل بالنسبة لهذه الجرائم هي مراجعة البرامج التربوية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، فيجب أن تكون مقاربة شاملة ومتكاملة لاجتثاث العنف”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إمكان وارد
وقبل أشهر، عاد الجدل حول هذه العقوبة للواجهة بقوة عندما قضت محكمة تونسية بإعدام أربعة مُدانين بالمشاركة في عملية اغتيال الناشط السياسي اليساري شكري بلعيد في السادس من فبراير (شباط) عام 2013.
وفي السجون الآن نحو 130 شخصاً محكوم عليهم بالإعدام بسبب جرائم مختلفة، ويكتنف الغموض مصيرهم وما إذا سيتم تنفيذ العقوبة في حقهم أو اللجوء إلى عقوبات بديلة على غرار السجن مدى الحياة.
وقال المحامي التونسي عبدالستار المسعودي إن “إمكان عودة تونس لتطبيق عقوبة الإعدام تبقى واردة جداً، خصوصاً في ظل الأحكام الموجودة”.
وأوضح خلال تصريح خاص أن “رئيس الجمهورية في تونس لديه صلاحيات بأن يعفو عن متهمين أو يأمر بتنفيذ عقوبات الإعدام ضدهم، ونحن نعرف موقف سعيد تجاه هذه القضية وهو موقف يتعارض في الواقع مع مواقف الجماعات الحقوقية التي تطالب بعدم تنفيذ هذه العقوبة”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية